رفيف الظل: يهطلُ إلى سماءِ شيبِك

كتابة: قاسم حداد وسعد الدوسري وعادل خزام

TT

تتأجّجُ الظهيرة بالسماوات، إذ يهبطان معا ليكتشفا أن النباتَ يخلقُ الموسيقى، حتى قبل أن تجفّ النارُ، وقبل أن يكتبَ رمادُها نونَنا الأولى.

هاتِ أقداحك، لئلا يقال إننا قصّرنا عن شاهق الصيف وتأخرنا عن السهرة.. هاتها، فسوف يطيبُ للشمل أن يكتمل، والشكل أن يغمضَ عينيه وهو يهطل علينا لبنا وياسمينا.

هاتها، جاءتنا الولاداتُ بالغنى والتنوع وسوف نحتفي كما يليق بهذه النعمة.

احتفِ بها، نخبُها مطرٌ يهطلُ من بين أصابعها، صعودا إلى سماءِ شيبكِ، آه يا شيبة عمرك الذي يصرخ كل صباح بأنه يلدُ العالم. هذه المولودة الصغيرة كأنها قضمة أخرى في تفاحة الخلق، وأنتَ يا آدم العطشان.. لا نهرَ يروي انسلالك من نسب الجنات ولا شجرَ يواريكَ سوى المطر.

هو العطف، حطّ في كفّ وبقية الخلائق في كف. هو المخلوق يكمل ما تبقى من ناقص التكوين، سهما في مهجة الموت، حرفا في استدارة الأعمار. كأن حياتي كلها لُفّتْ في قماط. كأن هذا البكاءَ البريء شحنة نداءٍ أو دعاء.

قومي يا ماسة الحديد، وليكن عرسا رغم فوضانا في المشاع. قومي من ميسمٍ ناطقٍ.

ووزعي نثرا ما تبقى من رمق الحب. هكذا سنُولدُ في احتمال أن نبقى شهداء على توالي المد في رمل السؤال، وسوف يقول الميتون: كلنا في ذهاب، لكنها تأتي قنصلا للمحتمين بحائط المعنى، كأنها أولُ الذكريات في مستقبل وثني، صنم يهاجر في برزخ ويطل في أنوار، تعبده الأمنيات وترزح تحت قوافيه السواقي. هل بقي ما يقالُ غير الصمت؟ هل حلّ في الأرض النبأ؟

الأطفالُ هم النبأ الأعظم، كلّ فلذة رسالة من السماء تأتي، وإلى السماء تأخذنا. لكأننا الخيطُ الرهيف في ريشة الجناح الذي يصعدُ بهم وبنا.

يتضاعفُ درسُ العطف فيصير حنانا، وسرعان ما يتبدى حبا. تُرى هل نقدر على جعل الطفولة حصننا ضدهم، هؤلاء الذين يشحذون آلاتهم في عظام أحلامنا؟ لماذا كلما طلبنا قصعة الماء جاءنا رماد؟ لماذا كلما طلبنا شمسا جاءنا شواظ؟

ثمة سبب جديد يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش، بأملِ أن نقوى على جعلها رحيمة بالأطفال.

خذ مني هذه الريشة. ضعها في المريض من جسدك، فتبرأُ ويستخفّكَ الهواء. خذ الريشة مني وأعطني رحمة الريح. كلّ كلام يقصر عن البصر تخونه البصيرة، ويستعصي عليه النص. تولّهُ يا حافرَ الرمل، هذا مسيرُكَ يثمرُ زهرة البر، وهذه نطفة البحر تسرد ما تولّهتَ عليه في الممشى. هذا القلبُ كنتُ أريده مصفاة للولاء.

لكنهم ثقبوه، وكانت أحلامُهم سَرَحانَ جُهّال وكلماتهم نعيبَ برقٍ مشاكس.

خذِ اللحظة وافلقها، ولنكنْ متوازيين كي يصلَ القطارُ سليما.