اللغة العربية غريبة عن أهلها وعقدة النجاح المدرسي في لبنان

تجمع لأساتذتها يطالب بمراجعة المناهج وتحديثها

باتريك رزق الله - من الموقع الإلكتروني
TT

تدهور وضع اللغة العربية في المدارس اللبنانية، يدق ناقوس الخطر. فقد رسب العام الماضي 70 في المائة من طلاب الشهادة المتوسطة بمادة اللغة العربية، لكن ذلك لم يمنع غالبيتهم من الانتقال إلى الصف الأول الثانوي، بفضل قانون النجاح على المجموع. المشكلات متشعبة، والمناهج الجديدة زادت من عمق الأزمة بدل أن تسهم في حلها.

وكان مفاجئا في يوم اللغة العربية العالمي، أي في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الإعلان عن ولادة «تجمع معلمي اللغة العربية وآدابها» في «قصر اليونيسكو» خلال حفل كبير، ضم شخصيات سياسية وتربوية أحد أهدافه الرئيسية تطوير تعليم المادة وتقديمها إلى التلامذة بطريقة حديثة ومبتكرة.

ولكن أليس هذا الذي أعلن عنه التجمع هو الذي نسمع عنه باستمرار، دون أن نرى بذرا حقيقيا أو نقطف ثمرا. لهذا سألنا باتريك رزق الله، رئيس التجمع، إن كان الاهتمام باللغة العربية سيقتصر على الخطابات وبعض النظريات كما جرت العادة، فيجيب بأن «المؤتمر كان للقول بأننا بدأنا العمل. فنحن نحمل مشروعا للتطوير يبدأ من المرحلة التعليمية الأولى وحتى صف البكالوريا، ومشروعنا له شقان، أحدهما يتعلق بالمدارس، وآخر بالمجتمع ووسائل الإعلام».

ويسعى التجمع الجديد، بحسب ما يشرح باتريك رزق الله، لتقديم ملاحظات للمعنيين، من بينها غياب الكتاب المعاصرين عن المناهج المدرسية. فالتلامذة يتخرجون دون أن يعرفوا شيئا عن سعيد عقل أو أنسي الحاج أو حتى أدونيس. ليس هناك معرفة بقصيدة النثر مثلا أو ذكر ليوسف الخال في كتب اللغة العربية، وبالنتيجة صار ابن هذا الشاعر الذي يحمل اسمه أشهر منه بكثير بسبب امتهانه التمثيل. في المقابل فإن بعض الأسماء رغم أهميتها، مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، ولكثرة تكرار نصوصها، تحجب كتابا لهم وجود في عالمنا الأدبي اليومي. من العلل الكثيرة التي يشير إليها معلمو التجمع «جمود المناهج؛ فطاغور على سبيل المثال، مدرج، ضمن دروس الأدب العالمي التي يفترض أن تستبدل شخصياتها كل 3 سنوات، لكن طاغور لا يزال موجودا منذ 17 عاما». ومن القضايا الرئيسية التي يحث معلمو التجمع على تغييرها «التوقف عن اتباع الأساليب التلقينية القديمة في تعليم اللغة العربية واللجوء إلى الوسائل السمعية - البصرية، كما وسائل الإيضاح». وهنا يتساءل معلمون في التجمع: لماذا لا تستخدم الأشرطة المرئية.

وأوجز باتريك رزق الله، خلال الحفل، أهداف التجمع على النحو التالي: «البحث في الشؤون الأكاديمية المرتبطة بتعليم المادة، وكل المسائل المتعلقة بتطوير اللغة العربية وتقديم الآراء المناسبة عن نواحي تفعيلها، وتنظيم ورش عمل تربوية وتعليمية، وتقديم اقتراحات وملاحظات تربوية وتعليمية تتعلق بالمنهج إلى المراجع المعنية، إضافة إلى إصدار المنشورات التربوية والتعليمية على نحو دوري، والتواصل الدائم مع وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وتشجيع المعلمين على تطوير قدراتهم الذاتية في مجالات التعليم والبحوث اللغوية والأدبية والتربوية، وحض الأدباء على التوجه إلى الأجيال الشابة».

الشكوى الأساسية هي من عدم مواكبة تعليم العربية للمعاش، مما يجعلها لغة مقطوعة عن واقعها بالنسبة لمتعلميها. وهنا يعطي رزق الله مثلا: «حين يدخل الأستاذ إلى الصف يوم عيد العمال، لم يعد من معنى لأن يكتفي بالطلب من تلامذته حفظ قصيدة عن حب العمل والأرض، لماذا لا نستعين بـ(يوتيوب)؟ أو نستضيف شاعرا له قصائد في هذا الموضوع؟ أو نلجأ إلى أغنية؟ حتى مفرداتنا التي نستخدمها في الصفوف قديمة وصعبة تجافي لغة العصر».

رئيس التجمع باتريك رزق الله، هو صاحب المبادرة وكان قد أسس منذ 3 سنوات موقعا إلكترونيا حديثا، تشترك فيه لغاية اللحظة 15 مدرسة في لبنان، وضع في خدمة الطلاب الذين يجدون عليه نصوصا يتم تحديثها يوميا، منتقاة من الصحف، ليبقوا على تواصل مع الحدث، ونصوصا أخرى لقراءتها وتحليلها مع إجابات، إضافة إلى الإعراب الإلكتروني، كما يجدون نبذا عن الإصدارات الحديثة لترغيبهم باقتنائها والاطلاع عليها.

بالمختصر الموقع الذي أنشئ بمبادرة فردية، هو محاولة طموح تستحق التشجيع، فعدا أنه يقدم دروسا في تعليم اللغة العربية، لمساعدة التلامذة من الصف الأول إلى البكالوريا، يستطيع متابعوه تحريك أواخر الكلمات في النصوص المدرجة، وتقطيع أبيات شعرية والتعرف إلى الأحرف الأبجدية أو أصوات الحيوانات بطريقة إلكترونية. وهناك ألعاب لتعليم الصغار من خلالها.

بمقدور الموقع الذي يقوم على أفكار حديثة أن يطور عمله لو أحسن الاستثمار فيه، فهل سيكون لعمل التجمع دور في دعم الموقع؟

باتريك رزق الله يخبرنا أن عدد الأساتذة المنتسبين لا يزال صغيرا، لكن ليس هذا هو المهم «فالتجمع لا يهدف إلى ضم كل أساتذة اللغة العربية في لبنان، بقدر ما يعنى بالنوعية، نحتاج لأساتذة مؤمنين بالتغيير، لديهم أفكار للانقلاب على الوضع الراهن. عندنا في لبنان الكفاءات البشرية والإمكانات، لكننا نحتاج للخطط والرؤى، هذا تماما ما ينقصنا، وما نسعى لبلورته داخل التجمع».

ليست هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان تحركا، من أجل إنقاذ اللغة العربية من الدرك الذي انحدرت إليه، لكن ما يدعو للتفاؤل هذه المرة، أن الذين يتحركون هم أهل القضية وأصحابها، وهم الأدرى بالمعايب وسبل درئها.