رفيف الظل: راية تتلكأ عن بياضها

كتابة: قاسم حداد وسعد الدوسري وعادل خزام

TT

- يا ألله، النهارُ يترنح.

يتكوّم الرجالُ والنساء والأطفال حول بعضهم، يتمتمون الآياتِ والأدعية. يندفع القطارُ على السكّة التي غمرتها الدماء البشرية المنهمرة من جانبيه. حين تصطدم العربة بالنهار، تهوي صاعقة أرجوانية، فيحترق الغيمُ والهواء، تحترق نداءاتُ الاستغاثة، ويطلّ من الحطام بطلٌ جديد، يده التواء المسافة وسهم نباله من لعاب، وسوف يحمله المرضى إلى سرير الكفن مولودا ثالثا من صلب النقيضين، هذا وإلا فمَنْ يكون؟

عربدة المشاعر في لهوٍ ثائر؟

طحينُ عظام تئن؟

ذكرى نكبات مستقبلية ونشيجُ رمل وطئته أقدام الغريب؟

سيان لو تصرخ أو يلعنونك. تصرُخ كلّ ليلة تحت وطأة الأمل، يسيلُ من تشنج عنقك نهرٌ غاب عن لون أعشابه، فاحتقن، ولم يعد أمامه سوى أن يطمر صدرك بجاثوم أخرس.

عليك أن تخرس، كلّ راية تتلكأ عن بياضها، سيمزقها المعزونَ على مرأى المجزرة. أدفع بهزال حلمك إلى مأدبة الظن. اشبع ظنا، فقد تنهض من مخالب السرير.

انظرْ إليها، تعيد الابتكار الخلق. دعها، دعها تجترح لنا كونا وتعيد الثقة لقلوب توشكُ على الشك.

ها هي ملاذنا مما يأخذوننا إليه، قطيعا بعد قطيع. وحدها الطفولة كفيلة بهزيمتهم

فتحصنوا بها.

المخالبُ أركانُ نومكَ الخمس، فاصقلها في الثلثِ العسير من الليل، ثم توسّدْ ظلامك المزمن.

هناك. هناك فقط، سيدعك قتلة الأحلام المأجورون تهنأ بقية الوقت، بالتهيؤ لمرمى رصاصهم.

ظلّتْ أيادي النار في منأى عن الشبهات، تصافِحُنا بفردوس الصباح، وتمْسِينا بريح الروح والريحان، فصدّقنا. وكانت هذه أولى مغانمها.

سَبَتْنا في الحريق، وأطفأت قطعاننا بغرائز التفاح.

الليلُ ترجمة الهرب، الوقتُ يقرأ ما تبقّى من رياح اليوم، ويكتب للسجناء تصريح البقاء.

باقون في الأسرِ، يهدّ النومُ جدرانَ الظلام، ويبني سجنه للغد، لئلا يكون انتظارنا للحرية طعم الفرار المجنون من عقل الامتثال. فالليل جمالٌ مكتوم، يزدرده الظلام في غفلة من يقظة القلب.

اذهب إلى فهرس الطبيعة تذكره بمنسياتنا.

مخبولون عشقا، ومنسياتنا قناديلُ الهامش، حيث الحرية تخرج عن التخوم.

من يتذكر، من ينسى؟

ملاذنا في النسيان، وليس في الذاكرة، لكن الفروقَ جعلتنا مجرد مجرورين. وها هي السماء مغلقة في سؤال العقل. وإلاّ فكيف نفسر الحرية وهي بعد لم تولد؟ وهي بعد تهمة العصيان.

- أنا النقي.

قال الجالسُ في عرش وحدته ومات.