الحضور الأميركي في الثقافة المغربية

كتاب يؤرخ للعلاقات المغربية ـ الأميركية منذ أواخر الخمسينات

TT

في اطار سلسلة الحوار صدر عن منشورات «الفرقان» بالدار البيضاء كتاب للباحثة المغربية مونية رحيمي تحت عنوان «الثقافة المغربية بين الخصوصية وهاجس الامركة»، ويرصد التأثير المتصاعد للثقافة الاميركية على المجال الثقافي المغربي في حين ان جل الدراسات السابقة ظلت تركز على تأثير المد الثقافي الفرنسي (الفرنكوفوني). ومن ذلك تطرح المؤلفة مجموعة اشكاليات تواجه الثقافة المغربية، اهمها حدود وقدرات ثقافة ذات خصوصية محلية محضة على التواصل والتكيف مع ثقافة عالمية، تحتل مركز الصدارة على النطاق الدولي، ومدى التهديد الذي يشكله التبادل الثقافي بين المغرب واميركا للثقافة والهوية المحليتين بناء على التجربة المغربية ـ الفرنسية في هذا المجال، ثم السبيل الى انعاش الثقافة المغربية وجعلها في مستوى القدرة التنافسية مع باقي الثقافات الاخرى.

ومن اجل مقاربة هذه الاشكاليات، حاولت الكاتبة ان ترصد مجموعة من المتغيرات التابعة التي تميز طبيعة «التبادل» الثقافي بين الولايات المتحدة الاميركية والمغرب، عبر خمسة مباحث، الاول منها يحاول ابراز خصوصية الثقافة المغربية التي تكمن في عدم وجود نموذج ثقافي وحيد بل انماط ثقافية متعددة تشكل في تنوعها واختلافها نسيجا ثقافيا موحدا يميز المغرب سواء من حيث مرجعيتها (الامازيغية، الاسلام، العروبة...) او من حيث تركيبة المجتمع ومكوناته السوسيو ثقافية، بالاضافة الى عامل آخر هو الطابع الانفتاحي للثقافة المغربية الذي يجعلها قابلة ومتأقلمة مع الثقافات الواردة.

المبحث الثاني يتناول مميزات الثقافة الاميركية وطرق هيمنتها على العالم والحضور الكثيف للبرامج الثقافية الاميركية في الشبكة الاعلامية والمعلوماتية الدولية، كما يبرز وجود تأطير رسمي شبه مقنع للشأن الثقافي الاميركي واعتماد للخطط السياسية على البرامج الثقافية الاميركية الموزعة عبر العالم، في حين يتطرق المبحث الثالث الى تجليات الحضور الثقافي الاميركي في المغرب تاريخيا وميدانيا، ويؤرخ للعلاقة السياسية بين المغرب والولايات المتحدة الاميركية التي يزيد عمرها على مائتي سنة، في حين ان العلاقة الثقافية لم تبدأ الا في اواخر الخمسينات. كما يسجل الكتاب تطور هاته العلاقة خلال التسعينات من خلال اعمال وانشطة مختلف الوكالات والهيئات الاميركية الموجودة بالمغرب.

ويحاول المبحث الرابع ان يرصد بالمقابل تجليات الحضور الثقافي المغربي بالولايات المتحدة الاميركية من خلال المعطيات المتوفرة حول الجالية المغربية القاطنة باميركا ومختلف القطاعات والمناصب التي تشغلها، ويخلص الى كون هذا الحضور ظل باهتا ومحتشما نظرا لغياب خطة استراتيجية واضحة ومتوازنة لدى المسؤولين المغاربة، تهدف الى نشر الثقافة الوطنية نحو الخارج.

اما المبحث الخامس والاخير فيبين أن معوقات وآفاق التبادل الثقافي بين البلدين والمعوقات حسب الكاتبة ترتبط بخصوصية النظام المغربي. فرغم ان الشأن الثقافي يكون البعد الرابع في السياسة الخارجية الاميركية الا ان الحكومة الفيدرالية الاميركية لا تدرج الشؤون الثقافية ضمن سلطتها الرسمية بل يتم احتواؤها من طرف وكالات متخصصة تمنح اعتماداتها المالية لمشاريع تهم الدول الاسيوية ودول الشرق الاوسط اكثر منها للدول الافريقية. وبخصوص الواقع المغربي فالملاحظ انه رغم افول الاستعمار الفرنسي من المغرب، فانه لم يسجل افولا موازيا للثقافة الفرنسية، التي ظلت ولا تزال راسخة بين مسؤولي الدولة المغربية، والنخبة المغربية بل ايضا افراد المجتمع المغربي.