لعبة التأويل في مسرحيات صلاح عبد الصبور

كتاب جديد يحلل أقنعة الشاعر المصري الدرامية ورموزها السياسية والإنسانية

TT

صدر حديثا عن سلسلة «كتابات نقدية» بهيئة قصور الثقافة كتاب «مسرح صلاح عبدالصبور قراءة سيميولوجية» تأليف الدكتور أحمد مجاهد، وحاول عبر جزئية دراسة سيميولوجيا الخطاب الشعري في مسرح عبدالصبور مرتكزا على متن المسرحية من جهة، واشارات العرض من جهة أخرى، سواء كانت منصوصا عليها بوصفها نصا خارجيا مصاحبا كتبه المؤلف، أو كانت اشارات يستنتجها القارىء من داخل الحوار المسرحي في محاولته لتتبع حركة العلامات اللغوية وغير اللغوية باتجاه المعنى التأويلي للنص.

ينقسم الكتاب الى خمسة فصول تناول كل منها احدى مسرحيات عبد الصبور. جاء الأول حول مسرحية «مأساة الحلاج» وحاول المؤلف توضيح اعتماد الخطاب الشعري الدرامي فيها على لعبة التأويل وكشف عن استخدام عبدالصبور لـ«ديناميكية العلامة وآليات تحولها تارة، وهويتها الايقونية تارة أخرى». لقد اعتمد عبد الصبور، حسب مجاهد، على التشكيل الجمعي للعرض والتصدير المسرحي والفلاش باك والمونتاج والكورس والاستخدام المكثف لأدوات التأثير المسرحي بما فيها الضمائر والظروف وأسماء الاشارة وأدوات النداء، وأسماء الاعلام والأماكن والأيام والشهور. وانتهى الفصل برسمين بيانيين الأول للمكان والاخر للشخصيات يؤكدان تضافر العلامات المسرحية في الاشارة الى تأرجح الحلاج وحيرته بين الكلمة والفعل.

ويشير الفصل الثاني عبر تحليل المؤلف لمسرحية «مسافر ليل» الى العلاقة بين الخطاب الشعري والمسرح العبثي كاشفا عن مجموعة من الآليات المبثوثة عبر نص المسرحية ،وتتمثل في التصدير وكسر الايهام وتثبيت الوحدات الاعلامية للعالم الدرامي وصناعة المفارقة.

وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف ،عبر تناوله مسرحية «الأميرة تنتظر»، عن «شعرية خطاب الجسد» المتمثل في الايماءة والاقنعة، والمعتمد على التمثيل داخل التمثيل . وحاول من خلال ذلك كشف دلالة العلاقات البنيوية بين الشخصيات، التقريب الزمني والترميز المكاني والآليات الفنية الخاصة باستخدام الاضاءة وتحليل النص في محاولة لفك شفرته الاسطورية التي تشير من طرف خفي الى أحداث معاصرة.

ويدرس المؤلف في الفصل الرابع مسرحية ليلى والمجنون وهي المسرحية الوحيدة المعاصرة لعبد الصبور. وتبدو في مستواها الأول سياسية مباشرة، ويعتمد الباحث في تحليلها على الرصد الدقيق لعناصرها سواء في اشارات العرض أو النص بداية من دلالة الديكور الذي يتمثل في لوحة دون كيشوت لدومييه ولوحات أبطال النضال القومي، مرورا بتفصيلات المكان والزمان والخطاب الشعري والتناص وآليات السخرية والتقطيع المسرحي ودخول وخروج الشخصيات الى المسرح، وحاول الكاتب عبر تحليل نص المسرحية الكشف عن أبعادها الايديولوجية، وفك شفرة الرمز السياسي الذي يشير الى فترة ما بعد ثورة يوليو (تموز). ويحلل د. مجاهد مسرحية «بعد أن يموت الملك» كاشفا عن تجميعها لكل الخطوط الدرامية والرموز الفنية المتناثرة في نصوصه المسرحية الأخرى وتوظيفه التراث وعلاقة اللغة الشعرية بالحلم من جهة وعلاقة الحلم بمسرح العبث من جهة أخرى، واستخدام عبد الصبور لهذه العلاقات الجدلية في اثبات أن عالم اللاشعور أقرب الى الواقع من الوعي الزائف. ويعتقد المؤلف ان عبدالصبور لم يعتمد في مسرحه الطليعي على تقنية الديكور، بحيث يقوم بترقيته الى مستوى الفعل، ولكنه اعتمد بشكل أساسي على الممثل في توصيل رسالته بوصفه حامل الكلمة الأصلي، وهذا حسب رأيه لا يتعارض مع طليعية مسرحه التي تظهر واضحة بداية من استخدام الراوي في كسر الابهام واغلاق الدائرة بين الخشبة والقاعة، كما يبرز دور الكلمة وقدرتها على الفعل، وهي تمثل في مسرحياته عنصرا محوريا يعكس صراع المثقف مع السلطة بشكل عام.