قراءة في أوبريت افتتاح الجنادرية

صلاح الدين يستعرض حطين وطارق بن زياد يحرق المراكب وهارون الرشيد يراقب السحاب

TT

أوبريت الجنادرية هذا العام يحمل اسم «أنشودة العروبة»، وهو من تأليف الشاعر الدكتور غازي القصيبي، ولحنه الفنان محمد عبده. أما المؤدون فهم من مختلف البلدان العربية: محمد عبده وعبد المجيد عبد الله (السعودية)، عبد الهادي بلخياط (المغرب) وهاني شاكر (مصر) ووائل اليازجي (فلسطين)، نور مهنا (سورية) ومهند محسن (العراق) وشادي الخليج «الكويت»، أحمد فتحي «اليمن»، والرؤية الفنية والإخراج للمخرج السوري نجدت فتحي أنزور.

وتعالج كلمات الأوبريت عوامل التمزق في الجسد العربي، وتستعيد بطولات العرب الأوائل، ليس هروباً من الحاضر الكئيب، ولكن مراهنة على عناصر القوة في التاريخ:

اسلمي يا أمة العرب اسلمي اسلمي تفديكِ روحي ودمي وخذي من أمسِ أغلى القيم واحمليها للغد المبتسمِ من ذرى «أوراس» من ثمّ الجبالِ لخليج حالم فوق اللآلي وطن يجمعه حب المعالي وطنٌ متحدٌ لم يفصمِ وثمة مقطع يردده كل المنشدين، يبشر الأمة بإشراقة عصر جديد، باعتباره المخرج الطبيعي من حالة الشتات والتمزق والانهيار: قلّبي يا أمتي سفر الخلود وأنظري إشراقة النور الوليد توقظ الدنيا على عهد جديد اسمه الزاهر نصر المسلمِ هذه الصورة تتأكد، حين يستعيد المؤلف من الذاكرة العربية، قصة الجيش الذي يحاصره البحر والأعداء، وهو ينظر لمراكبه محروقة بين يديه. وحالة الحصار هذه تدفعه لاقتحام الصعاب، وكانت النتيجة «الأندلس»:

طارق بن زياد ورؤى المجد تنادي قال : ياقوم تعالوا ها هنا سوح الجهادِ خلفكم بحر وفي البحر سفين من رمادِ وحواليكم مدى الآفاق حشد من أعادي ليس غير النصر إلا الموت في ساح الجلادِ أطلعت أندلس زينتها في كل وادي والاقتحام، والحرب، والجهاد، من المضامين التي يكرسها الأوبريت للوصول الى استرجاع مجد هذه الأمة، وبالتالي فهو لم يحفل بالمماحكات السياسية، بل افترض منذ البداية أن الأمة في مجموعها مستهدفة، وفي مجموعها تواجه حالة حرب. ويستذكر الاوبريت الأبطال التاريخيين مثل صلاح الدين وطارق بن زياد وغيرهما، لكنه حين يصل إلى القضية الأكثر إلحاحاً، وهي قضية فلسطين، فإن المواجهة تأخذ شكلاً مختلفاً، ليس بين قوة قاهرة تغتصب القدس وتنال من شرفها فحسب، بل بين قطبين، بين الشرق والغرب، «حشد الغرب على الشرق أفانين النذالة». وهنا ينطلق صوت فلسطين من حنجرة الفلسطيني «وائل اليازجي»:

وهنا حطين .. في حطين تاريخ البسالة وصلاح الدين يرمي في الأعاصير رجاله يتحدى غاصب القدس ويشتاق نزاله حشد الغرب على الشرق أفانين النذالة سرق الأقصى وألقى في المحاريب رجاله ظّل جيشُ الغرب قرناً عربد البغي خلاله وفي واحد من أهم مقاطعه، يحاول الأوبريت أن يرتقي فوق الهم العربي، ليمد يده باتجاه هارون الرشيد في بغداد، حيث يستدعي من خلاله مكانة العراق وحضارته وتراثه في الوجدان العربي، ويطلق الشاعر حين يتحدث عن العراق عنان خياله ليسبح مع سحابة هارون الرشيد ودجلة والفرات وأبو تمام ودار الحكمة وشارع الرشيد ومدارس الفقه والعلوم والشعر، ليصل الى التصريح بـ«هذه بغداد عقدٌ بالمروءات نضيد»، على لسان الفنان العراقي مهند محسن: هذه بغداد من دجلتها عبّ الخلود وعلى شرفته يخطر هارون الرشيد وعلى الأفق سحاب في المسافات بعيد قال: إمطر حيثما شئت خراجي سيزيد أينما أمطرت أرضي ليس للفتح حدود هذه بغداد عقدٌ بالمروءات نضيد أصبحت حاضرة العالم تبني وتشيد هذه بغداد فقه وعلوم وقصيد وأبو تمام يشدو فوق رباها والوليد أمة تسكب أنواراً ودنيا تستزيد ويستعيد المغني المصري هاني شاكر، المشهد العروبي برؤية مغايرة تماماً، فرغم قلة الكلمات، فالشاعر وضع داخل نص قصير «كبسولة عروبية»، تشخص المشهد القومي، الذي كان مشهداً بدوياً موغلاً في البداوة حيث العادات العربية على سجيتها. لقد هبّ العرب حين سمعوا صوت «النخوة» الذي أطلقه المعتصم العباسي لنجدة امرأة انتهك عفافها الأعداء في عمورية، ونسجوا خيوط وحدتهم، لكن حين خفّ وهج «النخوة» تمزقوا أشلاء:

من ربى النيل إلى أقصى ظفارِ كل دار هي رغم البعد داري كل من فيها شيوخي وصغاري وحدتنا نخوة المعتصمِ =