انطلاق فعاليات محاور الجنادرية الفكرية

الباحث الفلسطيني منير شفيق: الحركة الصهيونية روجت أكاذيب الحق الديني والتاريخي

TT

يقدم الباحث الفلسطيني منير شفيق ورقة في ندوة (قضية فلسطين والحق التاريخي)، تطرق فيها الى التاريخ الفلسطيني منذ ما قبل الميلاد مروراً بأهم المراحل التاريخية التي مرت على فلسطين وتأسيس دولة اسرائيل وذلك ضمن محور القضية الفلسطينية يبدأ مسا اليوم.

هنا مقتطفات من ورقته:

ما من قضية من قضايا الشعوب احتاجت الى مناقشة حقها التاريخي او حقها الديني في بلدها او وطنها عدا القضية الفلسطينية، ففي كل قضايا تحرر الشعوب من الاستعمار لم يكن هنالك تنازع على الحق في البلاد وإنما كان من المسلم به ان الحق هو لشعب البلد المعني. ومن هذا الحق ينبع حق تقرير المصير وانطلاقاً من هذا المبدأ لم يمنح الاستعمار اي حق في احداث تغيير في واقع البلد المستعمر وانما يجب ان يغادره كما دخله، فهو في حالة وصاية او انتداب او اتفاق بمعاهدة. ولكن ليس في وضع المالك او صاحب الحق في تقرير مصير البلد. وقد أسس القانون الدولي على هذا المبدأ وهو ما اكدته المواثيق الدولية من ميثاق عصبة الامم الى ميثاق هيئة الامم المتحدة الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الى المعاهدات والاتفاقيات الدولية خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واتفاقية جنيف لعام 1969.

والقانون الدولي لم يسبق ان عالج او قبل دعوى بحق ديني نابع من وجود تاريخي قديم بالنسبة الى اي بلد من بلدان العالم. لذلك فان الادعاء الصهيوني بحق تاريخي يعود الى اكثر من ثلاثة آلاف سنة وبوجود متقطع وجزئي، حتى سنة 135م او حق ديني لا يجرؤ على مواجهة القوانين الدولية ولا الأعراف الدولية هذا اولاً، وهذا هو الحاسم اذا كان الاحتكام الى القانون الدولي او المواثيق والأعراف الدولية، هو السبيل الوحيد لضبط الصراعات الدولية وايجاد اتفاق عالمي حول مسألة حق شعب في ارضه وحقه في تقرير المصير عليها اي اقامة دولته المستقلة ذات السيادة من خلال ارادته الحرة.

على الرغم من ان الدولة العبرية فرضت وجودها بالقوة العسكرية والعنف على مدى اكثر من خمسين عاماً، وعلى الرغم مما تحظى به من اعتراف دولي، ومما وقعته من اتفاقيات مع مصر والأردن، وعلى الرغم من مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن واتفاق اوسلو وصولاً الى شرم الشيخ، وعلى الرغم من هرولة بعض الدول العربية للسير على طريق تطبيع علاقاتها بها، وما صحب ذلك من دعاوى «الواقعية»، وعلى الرغم من عضويتها في هيئة الامم المتحدة ومن قرار التقسيم لعام 1947.. فان الدولة العبرية تظل حتى الآن دولة غير شرعية في نظر القانون الدولي. هذه الحقيقة اثارتها مجدداً، ومؤخراً، مونيك شيمبي جاندرو البروفيسورة في القانون الدولي في «جامعة باريس دونيه ديدرو» في مجلة «ملتقى المتوسط» لامارتان ـ باريس، عدد 26، من عام 1998.

* في الحق التاريخي

* لا يستطيع شعب او دولة او حركة سياسية الادعاء بحق تملك بلد آخر لأن جدودها، الحقيقيين او المفترضين او المزعومين كانوا في اراضي ذلك البلد قبل مئات او آلاف السنين. ثم بعد انقطاع، بغض النظر عن الاسباب، لمئات او آلاف السنين (وبالنسبة الى اليهود في فلسطين كان انقطاعاً تاماً منذ سنة 135م اي اكثر من 1800 سنة)، ويأتي ويطالب بتلك الارض ويعتبر سكانها الذين قطنوها وما برحوها منذ آلاف السنين ليسوا اصحابها، فيقرر ان يعود اليها بالقوة ويبدأ ببناء المستوطنات او المستعمرات لينتهي باقامة دولة مغتصباً الأرض ومشرداً سكانها ومستولياً على قرى ومدن بأسرها. المهم ان موضوع الحق التاريخي غير معترف به ولا تجوز اثارته على مستوى عالمي. ومن هنا رفض الكثيرون من مؤرخي الغرب ومثقفيه نظرية الحق التاريخي المزعوم او ادعاء الصهيونية بالحق في فلسطين استناداً الى ذلك ومنهم هـ. ج ويلز الذي نقل كامل العسلي عنه قوله «اذا كان من الصحيح ان تعاد اقامة دولة يهودية لم تكن قائمة طيلة الفي سنة فلماذا لا نعود الى الوراء ألفاً اخرى من السنين ونعيد اقامة الدولة الكنعانية فالكنعانيون بعكس اليهود ما زالوا هناك».

ولهذا يجب ان نرفض من حيث المبدأ مناقشة الحق التاريخي ومن ثم يجب التركيز على الاهداف والدوافع الاساسية لمشروع الغزو الصهيوني لفلسطين واقامة دولة عبرية عليها. كما التركيز على ان الحق في فلسطين هو للشعب القاطن فيها والذي جاء المشروع الصهيوني ليحل مكانه «شعباً» آخر.

علماً ان التأكيد القاطع بأن كل بحث لحق تاريخي لليهود في فلسطين ومن ثم تبرير ارسال المستوطنين لينخرطوا فيها ويقيموا مجتمعهم ودولتهم بالقوة السافرة على حساب ثلثي شعبها الذي هجر من بيوته وأراضيه في حرب 1948/ 1949 مسألة مرفوضة مبدئياً، او دعوى ساقطة قبل ان ينظر فيها. ولكن بسبب الانحياز الأعمى الذي مارسته الدول الغربية واعلامها ومؤسساتها الثقافية الى جانب المشروع الصهيوني والآن الدولة العبرية وبسبب تحول «الحق التاريخي» لليهود في القدس وفي فلسطين، الى ما يشبه المسلمة في الغرب عموماً يفرض علينا الرد مع التأكيد على عدم اهلية هذه الدعوى من حيث المبدأ، لنؤكد على ان حقنا في القدس وفلسطين هو الحق على ضوء قراءة تاريخ فلسطين والقدس لأننا سنجد ايضاً، كما مر في القسم الأول، حتى عند قراءة التاريخ القديم لفلسطين ان التاريخ ليس في مصلحة المشروع الصهيوني.

المهم ان فلسطين كانت في المرحلة الاسلامية تعكس ما يمكن ان يحدث من صراع محاور بين القاهرة وبغداد ودمشق. او بعبارة اخرى بقيت محكومة بالجغرافيا التي تربط بين مصر وعواصم المشرق، كما بقيت محكومة بكل اندفاعة تقوم لاحتياز سيادة عالمية وهو الذي يفسر لماذا حطت الحملة الصليبية فيها بالرغم من رمزيتها الدينية. ولكن كان وراء تلك الحملة اهداف استراتيجية ومصالح لهما علاقة بمحاولة اوروبا الخروج من عزلتها والسيطرة على البحر المتوسط وطرق التجارة العالمية ومع التمدد الاسلامي والحيلولة دون السيادة العالمية الاسلامية. فكانت نقطة للسيطرة، ان امكن، على مصر وبلاد الشام.

فباستثناء مائة عام رزحت فيها فلسطين تحت سيطرة الممالك الصليبية، وباستثناء مائة عام اخرى كان الوضع مقسماً ومتجاذباً بعد فتح القدس بقيت فلسطين عربية اسلامية حتى قيام الدولة العبرية 1948، اي اكثر من الف وثلاثمائة عام فأي حديث عن حق تاريخي في القدس او فلسطين يمكن ان تطالب به. فالحق التاريخي هنا عربي ـ اسلامي خالص.

* مكانة القدس

* على ان علاقة الاسلام والشعوب والدول الاسلامية بالقدس تجاوزت منذ البداية اهميتها الاستراتيجية التي جعلتها دائماً في طريق جيوش الدول الكبرى، فقد تحولت، في الاسلام، الى جزء من العقيدة نفسها حين كانت قدسها اولى القبلتين ومسجدها الاقصى ثالث الحرمين الشريفين واليها كان اسراء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها كان معراجه الى السماء، وبعد فتحها اصبحت ارض الجهاد والرباط فاليها تشد الرحال بعد الحج، وسكناها يدخل في الفروض، وقد ضمخت ترابها دماء الشهداء من الصحابة والعلماء والصالحين والمجاهدين. ولهذا فان فلسطين بعد الاسلام لم تعد مجرد موقع استراتيجي بالغ الخطورة فحسب ولم تعد حيازتها عنواناً للنفوذ والسيادة العالمية، فحسب وانما هي ايضاً المقام الاسلامي الثالث بعد مكة والمدينة. وقد اكتسبت ذلك بوجود القدس فيها وهي والقدس ارض مباركة حول المسجد الأقصى.

ومن هنا يمكن ان نلحظ سواء اكانت فلسطين تحث حكم المماليك ام العثمانيين خلال الفترة الممتدة اكثر من ثمانمائة عام بعد انتهاء الحملة الصليبية الى انتهاء الحرب العالمية الاولى قد ترسخت اكثر باعتبارها جزءاً من البلاد العربية الاسلامية وباعتبار شعبها جزءاً من الأمة العربية الاسلامية في اطار وحدة الأمة الاسلامية ووحدة دارها.

ولهذا عندما بدأت الهجمة الصهيونية لتدعي حقاً تاريخياً في فلسطين ارتطمت بشعبها الراسخ في التاريخ قبل الاسلام وبعده، ولا يستطيع احد ان يقول ان وجوده من 638 الى 1917م فوق ارضه غير كاف حتى لا ينازعه احد على الحق التاريخي فيها فماذا يقول الذين لا يعود تاريخهم فوق الأرض التي هم عليها ثلاث مائة عام (اميركا او كندا او استراليا) واذا عدنا الى ما قبل تلك المرحلة فسنعود الى اصول تضرب عميقاً في التاريخ بل الى ما قبل التاريخ فكل من أُتي على ذكرهم من احفاد الكنعانيين والعموريين والحثيين واليبوسيين والفلسطينيين والهكسوس والإغريق والعمالقة وغيرهم وغيرهم انصهروا، او من بقي منهم، في بوتقة الاسلام والعروبة بينما اليهود كانوا الأقل وجوداً في فلسطين من كل هؤلاء والأقل عدداً بالمقارنة بهم كما يتبين من الحقائق التاريخية. اما عندما جاءت الغزوة الصهيونية بعد وعد بلفور فقد وجدت امامها قطراً صغيراً يعج بالقرى والمدن والسكان ووجدت كل ما فيه معمراً او مزروعاً وكان ذلك عكس ما حاولت ترويجه حول وعد بلفور بأنه اعطى ارضاً بلا شعب لشعب بلا ارض او حين ادعوا انهم جاؤوا ليزرعوا ويعمروا ارضاً بلقعاً او صحراء جرداء.

ولهذا لم يستطيعوا ان يجدوا ما يمتلكونه الا من خلال الضغوط والإغراء واللعب بالقوانين المتعلقة بالأرض. وبالرغم من ذلك، وحتى قرار التقسيم لعام 1947، لم يتملكوا اكثر من 6% من ارض فلسطين وقد اعطي معظمها من املاك الدولة وهو ما لا حق لحكومة الانتداب باعطائه. فملكية الافراد وما كان من املاك المشاع او الميري، وهي حق الشعب الفلسطيني ككل يصل الى 94% من ارض فلسطين لأن الارض والقرى والمدن التي قامت عليها الدولة العبرية عام 1948 اصبحت في حالة اغتصاب وسرقة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. ولهذا يستحيل على الدولة العبرية او من يساندها ان يبحث في موضوع ملكية الارض او الملكية العقارية وذلك على المستويين الفردي والعام (الميري، لأن للمشاع وأملاك الدولة العثمانية احكامها في الفقه والقانون الدولي). وهذه من عقد الإقرار بحق العودة وبحق استرجاع الأملاك الفردية والعامة.