الفنان د. أحمد نوار: حركة سوق الفن التسكيلي في مصر تحكمها اعتبارات غير فنية

رئيس قطاع الفنون التشكيلية في مصر لـ«الشرق الأوسط»: التلوث البصري مسؤولية مؤسسات المجتمع

TT

الفنان أحمد نوار حاضر في الحركة التشكيلية في مصر منذ فترة الستينات وحتى الآن، وله نشاط اداري في ميدان الفن التشكيلي حيث تولى عدداً كبيراً من المناصب القيادية آخرها رئاسته قطاع الفنون التشكيلية إلى جانب وجوده كفنان شارك في عدد هائل من المعارض العالمية والدولية، وحصل خلالها على عدد كبير من الجوائز بالاضافة إلى معارضه الخاصة.

وحول معرضه الأخير الذي أقيم بقاعة «جرانت» للفنون وتجربته التشكيلية، كان هذا الحوار:

* ماذا عن تجربة جماعة «المحور» باعتبارك أحد أفرادها، ما هو الجديد الذي يميزها عن باقي الجماعات الفنية الأخرى؟

ـ جماعة المحور أقدمت على هذا التجمع بشكل تلقائي وجيد بحكم الصداقة التي كانت تجمع بين الفنانين الأربعة الدكتور الراحل عبد الرحمن النشار، د. مصطفى الرزاز، د. فرغلي عبد الحفيظ، وأنا، تطورت الجماعة بشكل طبيعي جداً، وان كنا قد اختلفنا عن الجماعات الموجودة في العالم، فهناك نقطة هامة، وهي أن الجماعة حينما تفكر في عمل فني واحد لا تذوب فيه الشخصية أو خصوصيات الفنان بعكس الجماعات العالمية.

من هنا فالعمل تتوافر فيه الشخصية العامة، والبناء العام، والبناء المعماري العام، كل ما يتعلق بجسم العمل الفني من نتاج جماعة المحور، ولكن مع وجود خصوصية الفنان الملحوظة من خلال النظام الرياضي الخاص بتوزيع مساحات اللون فالمجسمات الفنية في العمل المجهز في الفراغ يستطيع كل فنان على حدة أن يعيش من خلال الجزئيات التي تكون في النهاية الجسم النهائي للعمل، وهذا ما يميز جماعة المحور ويجعلها تستقل عن الجماعات الأخرى الموجودة في العالم.

* خصوبة الستينات

* الستينات فترة ثرية في تاريخ الفن المصري التشكيلي وشهدت هذه الفترة بداياتك أو مرحلة (الاسكتشات) كيف ترى الحركة التشكيلية في تلك الفترة؟

ـ هذه هي بداية حياتي الأكاديمية بكلية الفنون الجميلة، وأنا أعتبرها مرحلة التأسيس، مرحلة البناء، مرحلة توضيح الرؤية بشكل عام في الفن التشكيلي الذي يحددها الفرد كمنهج لمسيرته الفنية في نفس الوقت أعتبرها أيضاً أهم مرحلة باعتبارها القاعدة والمخزون الفني والتدليل على كل آليات عملية الرسم وكل ما يتعلق باعداد الفنان في بداية حياته الفنية.

في هذه الفترة ومنذ تاريخ مبكر وأنا أساهم في المعارض العامة وأقيم المعارض الخاصة وفقاً لما تتطلبه أحداث تلك الفترة من أبعاد يجب الالتزام بها والاحساس بها وجدية التعبير عنها.

* في أواخر الثمانينات توليت ادارة المركز القومي للفنون التشكيلية، كيف كان شكل الوضع (الحركة الفنية) قبل ذلك وماهو تقييمك له بعد مايقرب من 13 سنة؟

ـ حركة الابداع لا يمكن أن تتوقف عند حدود الادارة ولكن حركة الابداع وتطورها تخص الفنانين التشكيليين بدون شك هي مرحلة ذاتية فكرية خاصة لكن في شكل نشاطها العامل، أصبحت أنا المسؤول عن المركز، في هذه الفترة كانت مهمتنا الأساسية هي تحديث الأنشطة وتحويل جزء منها إلى أنشطة دولية مثل بينالي القاهرة الدولي الذي كان عربياً فقط تشارك فيه من 10 ـ 12 دولة، أصبح الآن عالمياً تشارك فيه 47 دولة على الأقل، ثم تدرجنا في مستوى الجوائز إلى المستوى العالمي، كما استحدثنا معارض جديدة مثل بينالي الخزف وترينالي الجرافيك المصري الدولي، وسمبوزيوم أسوان للنحت، أيضاً استحدثنا على المستوى القومي صالون الشباب وهذا أصبح قاعدة مهمة جداً في الكشف عن مواهب الشباب وتفريغ طاقاتهم الفكرية والفنية، ووضع الشباب في امكاناتهم الابداعية والمسؤولية تجاه الحركة التشكيلية للدولة ككل لأن تجمعهم السنوي في معرض تنافس كبير ترعاه الدولة بهذا الشكل، وهو يعني وجود حركة واعدة مستقبلية، ومستقبل أفضل للحركة الفنية بالاضافة إلى نتائج هذا الصالون وخروج الفنانين الشباب إلى الساحة الدولية في الداخل والخارج، وكل ذلك له تأثير ودور كبير جداً في حصول مصر عام 1995 على جائزة دولية هي جائزة الأسد الذهبي إلى جانب حصول مصر على جوائز لا حصر لها في بيناليات كثيرة مثل بينالي الشارقة وبينالي الكويت وبينالي النرويج الدولي، وبينالي اليابان، كل ذلك أعطى مساحة كبيرة من تنافس وازدهار الحركة الفنية بشكل ملحوظ بالاضافة إلى زيادة نسبة المقتنيات على مستوى الدولة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ميزانية الدولة، واهتمام مؤسسات كثيرة باقتناء أعمال الفنانين المصريين هي أيضاً ضمن الأعمال التي قام بها المركز القومي، فهناك مقتنيات كثيرة بمركز القاهرة للمؤتمرات، وأكاديمية رجال الشرطة، ومقر الحكومة المصرية، ووزارة الخارجية، ومجلس الشورى. هناك تنوع بين المؤسسات الرسمية والمؤسسات الخاصة الأخرى بشكل كبير، كل ذلك الانتشار والاهتمام والمزج بين المؤسسات إلى جانب بناء المتاحف الكبيرة وقاعات العرض بالجمهورية متمثلة في متحف الخزف الاسلامي والقاعات الملحقة به، متحف أحمد شوقي والقاعة الملحقة به، متحف دنشواي، متحف المنصورة، قاعة أفق واحد، متحف محمود خليل، متحف طه حسين والقاعات الملحقة به، متحف محمود مختار، متحف بورسعيد وكان الهدف منها هو تنشيط العملية الابداعية وتنميتها.

* هل تعتقد أن الفعاليات التي يقوم بها المركز القومي للفنون التشكيلية مثل بينالي القاهرة الدولي، بينالي الخزف، بينالي الاسكندرية، كافية، لتنشيط الحركة التشكيلية داخل مصر؟

ـ هذه التجمعات الدولية ليس لها مثيل في العالم مثل بينالي الخزف الذي يعتبر من أكبر البيناليات في العالم، كما أن سمبوزيوم أسوان للنحت الذي أقيم منذ فترة قصيرة ويشرف عليه أشهر محكمين في العالم بالاضافة إلى بينالي القاهرة الذي بدأ يصل إلى ارثاء القواعد الفنية وذلك بوصول عدد الدول المشاركة فيه إلى 47 دولة يعتبر أيضاً من أحسن البيناليات في العالم بشهادة الضيوف والمحكمين إلى جانب بينالي الاسكندرية الذي يعتبر الثالث من حيث النشأة، ومن حيث الأهمية بعد بينالي فينيسيا وبينالي ساو باولو لأنه يخص دول البحر المتوسط، ونحن نطمح إلى ازدياد وازدهار هذا التنوع من دورة إلى أخرى وأن نقدم للعالم خلاصة الفن العالمي الموجود في العالم كله، وتنمية البعد الأكاديمي التعليمي على المستوى المناسب للمتخصصين بالاضافة إلى أهدافنا الخاصة بزيادة رقعة الثقافة للمجتمع المصري.

* تسويق الفن

* كيف ترى إلى طرح الآن على الساحة من اتجاهات حديثة أو مستغربة على الفن وما تنتجه من تشويه للذوق العام وافساد للمشاهدة؟

ـ هذه قضية هامة وشائكة حيث أن جميع الحركات التشكيلية في العالم كله هي نتاج لتفاعل حركة الفن والثقافة بالمجتمع، هذا التفاعل يختلف من مجتمع إلى آخر طبقاً لدرجة ومستوى الوعي والثقافة والادراك بماهية التفكير في الفن ومقومات الشخصية الفنية والهوية التي يجب الحفاظ عليها من خلال رؤية الفنان وثقافته، لذا نجد الفن الراقي والرديء في كل المجتمعات حتى المتقدمة منها، فالوعي العام وثقافة الناس وتقدم الحركة النقدية المواكبة للابداع الفني مقومات كافية لفصل الجيد عن الرديء، والقاء الضوء على أصحاب الفكر الجديد في الفن، وتعتيم الضوء على المقتبسين أو النساخين لفن الآخرين وغيره من متناقضات، فهناك قوى تحكم العمل الفني الجيد الذي يمثل جيلاً من الفنانين والذي يمثل هوية مجتمع هذه القوى تتلخص في الآتي:

ـ حركة سوق الفن الذي تحكمه ادارات أهلية محكمة منها الادارة الواعية التي تقوم عملها على اكتشاف القيمة الفنية الجديدة والعمل على تسويقها، وفريق آخر لصناعة النجوم في الفن وهذا ما أسميه مافيا الفنون التشكيلية في العالم.

وفريق آخر يعيش على الربح الكبير من استجلاب فناني العرض التجاري أو السياحي، وهو الفريق الذي يتصارع مع الآخرين في نشر فن مستنسخ ذي طابع تجاري قائم على أصول آخرين من الفنانين ويعود بالتقليد لأدنى مستوى دون ابداع حقيقي وهذه الطبقة موجودة في العالم كله.

نخلص من هذا أن كل مجتمع له مقوماته وتفاعل هذه المقومات يظهر لنا ناتج فني له مواصفات وسمات قد تكون راقية وجديرة بالقيمة الفنية أو تكون رديئة لا تنبئ بفن جديد، وهذا ما يحدث في الحركة الفنية المصرية، هناك حركة قوية كبيرة واسعة ومنتشرة، ولكن تتسم بشكل عام بتوتر دائم وسبب هذا التوتر: غياب حركة نقد حقيقية تتناسب شكلاً وموضوعاً مع حجم حركة الابداع الفني في مصر، حتى تستطيع التأمل والتحليل والاكتشاف والتنظير والتصنيف على أسس عملية صحيحة فيتم ظهور الجيد من الرديء وتصنيف خريطة الابداع بما يعود بالفائدة على الفن والفنانين من خلال تفعيل حركة النقد مع حركة الفن حيث أنهما وجهان لعملة واحدة هي الابداع الفني.

* لكن هناك مؤسسات أخرى مسؤولة عن افساد الذوق الفني؟

ـ نعم فغياب التعليم الأكاديمي للفنون الذي يتطلب تطويره بشكل مستمر والارتقاء بالبعد الثقافي للطلاب، وربط حركة التعليم بالمتاحف والنشاط الابداعي اليومي والنظر إلى الفن كحركة حياة وتكامل وليس حركة ترفيه كل هذا يساهم في تدني الذوق الفني، كما أن احتفاء شكل حركة التوتر وأسبابها المعلنة يساهم في ذلك أيضاً غياب اعلامي حقيقي عن الفنون التشكيلية، فبرامج التلفزيون قليلة ومعظمها لا يرقى لمستوى الابداع الفني اعداداً واخراجاً وتقديماً، وهذا يساعد على افساد الذوق العام.

وهناك بعد آخر لا يقل أهمية وهو التلوث البصري في الشارع المصري هو الذي يسبب افساد الذوق العام ويسبب سلوكيات غير انسانية ويسبب أمراضاً بصرية تنعكس بأمراض نفسية وعصبية، وأعتقد أن هذه القضية الأساسية لأنه لا يمكن للعدد القليل من زائري المعارض أن يشكل نسبة تذكر بالنسبة لمجتمع يصل إلى 70 مليون نسمة، لكن الشارع المصري والمدينة والمصنع والمؤسسة مليئة بمظاهر التلوث البصري وهذا يرجع لعدم قيادة المؤسسات الرسمية والأهلية المسؤولة عن الشارع والحي والمدينة بكافة مكوناتها بالاستفادة واستثمار الطاقة الابداعية والفنية بالمجتمع فالفنانون في عالمهم الفني والابداعي، والمجتمع يصنع وينشئ مدناً ويطور مدناً أخرى دون اشراك حقيقي للفنانين الممتازين في مصر باستثناء محاولات السنوات الثلاث الأخيرة بمدينة الأسكندرية.

* ما هو الحل من وجهة نظرك كمسؤول عن قطاع الفنون التشكيلية؟

ـ لا بد أن نبدأ أولاً بعلاج ما يحدث بالمدن والشارع من تلوث بصري مزري بالاضافة الى غياب المؤسسات وانفصالها عن الفن والفنانين يقع ذلك على عاتق «نقابة الفنانين التشكيليين» حيث هي المعنية بحماية المهنة، وحماية الفنانين، وهي المعنية بالوقوف ضد ما هو يسيئ للفن في مصر، ومحاربة الفساد البصري، ومحاربة المتسلقين، ومحاربة كل ما يتعلق بافساد الذوق العام والعمل على تفعيل دور الفنان في خدمة مجتمعه ووطنه إضافة إلى ادراج مواد فنية وثقافية كافية في شتى مراحل التعليم الأساسي لأن عدم وجود هذا يسبب مرضاً ينتج عنه تكوين شخصية بدون وجدان وبدون دافع للابداع مهماً كان التخصص، ونذكر المواد الهامة لبناء وجدان المواطن وتحريك طاقاته (تاريخ الحضارة ، تاريخ الفن، التذوق الفني، علم الجمال).

=