ثروت أباظة.. انتصر للبسطاء وعادى الحداثة وشعر التفعيلة

الحياة الثقافية المصرية فقدت واحدا من أكثر الكتاب إثارة للجدل والحوار

TT

برحيل الأديب ثروت اباظة فقدت الحركة الثقافية المصرية واحدا من الكتاب الذين انحازوا في كتاباتهم الابداعية لقضايا الفقراء والطبقات البسيطة في مجتمع المدينة، كما يعتبر اباظة من أكثر الكتاب المصريين إثارة للمعارك الابداعية، والثقافية والسياسية والتي كانت واحدة منها سببا في إقصائه من رئاسة تحرير مجلة الاذاعة والتلفزيون عام 1975، بعدها استمر الكاتب الراحل في معاركه مع قوى اليسار المصري والناصريين، كما هاجم الكثير من الكتابات ذات الرؤى الحداثية، وقال في أحد مقالاته «أتحدى ان يحفظ الشعراء الذين يكتبون قصائد التفعيلة ما يكتبون».

* حياة أدبية متنوعة

* ولد ثروت أباظة في 28 يونيو (حزيران) عام 1927، وتلقى تعليمه في مدارس القاهرة، وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة (فؤاد الأول) عام 1950، وتزوج بعد ذلك من عفاف ابنة عمه الكاتب المسرحي عزيز أباظة، وتعرف على أعماله المسرحية وأشرف على طباعتها وتمثيلها في المسرح، كما قرأ أعمال توفيق الحكيم وطه حسين والعقاد ويوسف السباعي الذي كان يعتبره أخاه الصغير.

نشر ثروت أباظة أول قصة قصيرة له بعنوان «اكرم من حاتم» في مجلة «صرخة العرب» عدد يناير (كانون الثاني) 1955، أما أول رواية فنشرت عام 1954 بعنوان «ابن عمار»، وحصل على أول جائزة تشجيعية للدولة عن روايته «هارب من الأيام» عام 1958 كما قامت جامعة ليدز البريطانية بتدريس قصصه بقسم اللغات السامية في عام 1960.

لم يقف الأديب الراحل ثروت أباظة عند حدود القصة والرواية، بل كتب المسرحية والدراسات النقدية والمقال.

* الجبار: احتفاء بالقيم الايجابية

* يقول عنه الدكتور مدحت الجيار عضو مجلس ادارة اتحاد الكتاب: «ان أهم المحاور التي عمل عليها الكاتب الراحل كانت قضايا القرية والمدينة، وكشف عبر رواياته وقصصه عن الظلم في العلاقات داخل القرية وربط بينها وبين الواقع السياسي في ذلك الوقت. ولعل شخصية «كمال الطبال» في رواية «هارب من الأيام» و«عتريس» و«فؤادة» في «شيء من الخوف» يمكن ان تشكل رموزا واضحة على هذا العالم، وهي نماذج تمثل عالم القرية وما يحدث فيه من تناقضات بين عالمي «الظاهر والباطن»، كما في «هارب من الأيام»، كما نلمح رموزا لعالم القوة والضعف، في «شيء من الخوف» وغيرها من الروايات مثل «لنا لقاء» و«ثم تشرق الشمس»، وكلها روايات ـ من وجهة نظر الحيار ـ تحتفي بالقيم الأخلاقية ونبل العلاقة بين الرجل والمرأة.

وأضاف الجيار «ان ثروت أباظة الذي توفي عن عمر يناهز 75 عاما لم يدع يوما في حياته يمر دون كتابة، فقد قدم للمكتبة العربية 20 عملا روائيا مثل معظمها في السينما والتلفزيون، كما كتب أكثر من 70 تمثيلية للاذاعة، ومائة قصة قصيرة ومسرحيتين هما «الحياة لنا» و«حياة الحياة». وأضاف د. الجيار يكفي ان نقول ان مجمل ما كتبه ثروت أباظة يتجاوز 10 آلاف صفحة من القطع الكبير.

وتحدث الجيار عن كتابات ثروت أباظة النقدية، مشيرا الى انها كانت كتابة انطباعية وخرجت في ثمانية كتب منها «السرد القصصي في القرآن» و«شعاع من طه حسين» و«القصة في الشعر العربي»، وأشار الجيار الى ان ثروت أباظة كان تلميذا نجيبا للكاتب الفرنسي موباسان والكتاب الروس وعلى وجه الخصوص تولستوي وديستويفسكي وجوجول، لكنه أقرب إلى موباسان لانه يعالج عالم البسطاء ويحاول ان يقدم شخصيات نبيلة في كل عمل قصصي له تكون وسيطا لحل لغز الرواية أو القصة، لتنتصر في النهاية القيم الأخلاقية النبيلة.

* جبريل: وقف إلى جانب كثير من الكتاب الشبان

* وحول دور ثروت أباظة قال الروائي محمد جبريل نائب رئيس اتحاد الكتاب السابق اذا كنت أدين بفضل الريادة وتذليل خطواتي الأولى في الساحة الثقافية في القاهرة منذ قدمت من مدينتي الساحلية الاسكندرية الى جيل الاربعينيات نجيب محفوظ والسحار والبدوي وغيرهم فاني أدين بالفضل نفسه الى الأديب الراحل ثروت أباظة هذا رغم انه من جيل تال عليهم، ولعلي اعترف أنه كان الوحيد من جيل الخمسينيات الذي وقف الى جانب كثير من المبدعين الشباب يساعدهم ويأخذ بأيديهم وينشر لهم أعمالهم ويتحمل غلاساتهم سواء على المستوى الشخصي أو اثناء رئاسته لاتحاد الكتاب حيث انتخب رئيسا له منذ عام 1984 واستمر في منصبه حتى عام 1990، وكان قبل ذلك نائبا للرئيس.

وأضاف جبريل كان ثروت أباظة يقوم بنفس الدور في نادي القصة والذي كان يترأسه ايضا وقال جبريل اذا كان البعض قد تسول له نفسه انكار ما قدمه ثروت أباظة له على المستوى الانساني والشخصي قبل المستوى الابداعي، فان ضمائر الكثيرين لن تقبل هذا وأنا منهم.

صحيح اختلفنا معه فكريا وفنيا لكنا لم نختلف معه أبدا على المستوى الانساني فقد كان انسانا نبيلا وفارسا لا يتذكر ابدا مساوئ الآخرين، واضاف جبريل جميعنا يذكر المؤامرة التي احيكت ضده لابعاده عن اتحاد الكتاب من بعض من ساعدهم حتى في أحوالهم المعيشية فقابلوا الاحسان بالاساءة وتآمروا عليه لكن ثروت أباظة لم يلجأ ابدا لمقابلة اساءاتهم والرد عليها وإنما تخلى بأخلاق الفرسان عن كل شيء في اتحاد الكتاب حتى العضوية العادية وكان مثالا للترفع عن الصغائر، وأشار جبريل الى اهتمام ثروت أباظة بالأعمال التي كان ينشرها زملاؤه من المبدعين، وحرصه على أن يلتقي بهم ويبدي لهم وجهة نظره في أعمالهم.

* داود: أعماله تشكل علامة في السينما المصرية

* وأشار الكاتب المسرحي ومدير السينماتيك المصري عبد الغني داود الى ان معظم أعمال ثروت أباظة الابداعية والتي تم تحويلها الى أفلام سينمائية تشكل علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية ولعل أهم هذه الأعمال فيلم «شيء من الخوف» الذي اخرجه حسين كمال وقام ببطولته الفنان محمود مرسي وشادية، وذكر ان هذا الفيلم كان من الشجاعة بحيث شكل ادانة صريحة للواقع السياسي في ذلك الوقت.

وأشار داود الى ان رؤى ثروت أباظة التي عبر عنها في رواياته ونقلت الى السينما انحازت الى عالم الفقراء وانتصرت للحق والعدل، مع انه كان ممثلا لعائلة اقطاعية ثرية وبرغم انها اضيرت كثيرا من سياسات التأميم والمصادرة إلا ان ذلك لم يمنعه من مناقشة قضايا الانسان المصري وانحاز كثيرا للطبقات الهامشية في المجتمع.

=