منجد جديد للغة العربية المعاصرة

لا يقتصر التصريف في القاموس على المعاني الحية بل يتعداها إلى المجاز

TT

أصدرت «دار المشرق»، وهي الدار العريقة في تصنيف المعاجم، «المنجد في اللغة العربية المعاصرة» وهو معجم جاء في نحو 1700 صفحة، واستغرق انجازه اربعة وثلاثين عاماً من العمل العلمي المتأني الدؤوب، من فريق عمل بإشراف صبحي حموي، المسؤول عن قسم المعاجم اللغوية، وادارة كميل حشيمه، مدير دار المشرق.

اذا كان هذا المعجم يشكل بصدوره حدثاً تربوياً، فلأنه يختلف عن سابقه، قسم اللغة من «المنجد في اللغة والاعلام» وغيره من معاجم المرحلة الراهنة مفهوماً واسلوباً. فقد التزم «المنجد في اللغة العربية المعاصرة» مبدأ المعاصرة (Synchronie) في علوم اللغة، رغبة منه في ان يضم «جميع المفردات والعبارات التي يحتاج اليها مثقف القرن الحادي والعشرين، حتى المأخوذة من اصل غير عربي معاصر»، في التعبير عن افكاره ومشاعره وحاجاته، وفي مسايرة تطور الحياة الحاضرة علمياً وتقنياً وفنياً. الى جانب قسم اللغة من «المنجد في اللغة والاعلام» الذي يبقى في خدمة الذين يهتمون بالأدب واللغة القديمين، يقدم المعجم الجديد، بما يتضمنه من ألفاظ وتراكيب، صورة حقيقية حية لواقع المتواصلين باللغة العربية الحالية في اطار ما عرفه عالم اليوم من تسارع في الاتصال بين الشعوب وتفاعل بين الحضارات واللغات.

من هذا المنطلق، لم يتردد «المنجد في اللغة العربية المعاصرة» في اسقاط المفردات التي لم تعد متداولة. وفي المقابل، اثبت هذا المعجم كلمات اجنبية دخيلة، مثل: بطارية، بغونية (جنس من الازهار) ـ بكترية ـ بلاتين ـ بلستيك... الخ.

واذا اسقط المعجم الجديد ما لم يعد متداولاً، فلأنه أراد ان يفي المتداول حقه. وقد تجلى ذلك في التعريفات العلمية بعيداً عن التقريبية. ففي تعريفه «البط» مثلاً، نقرأ: «طير مائي من كفيات القدم وفصيلة البطيات. كبير المنقار الصفيحي، ربع الجسم، قصير العنق والرجلين، لا يطير. يربى للحمه وبيضه وريشه»، في حين نقرأ في قسم اللغة من «المنجد في اللغة والاعلام»: هو طير مائي قصير العنق والرجلين، وهو غير الاوز».

اما الجديد الابرز في «المنجد في اللغة العربية المعاصرة»، فيتمثل في رصد اختلاف المعاني بحسب المواقع في السياق، فتتنوع المداخل ضمن المفردة الواحدة. ففي مادة «بلغ»، يقع في الصدارة المعنى الأكثر تداولاً: وصل الى، انتهى الى. ثم «بلغ» بمعنى «نفذ»، «خرق»، يليه معنى «ارتفع الى»، ثم «نضج وادرك»... وصل الى ما كان يسعى اليه ـ ساوى ـ وصل الى علمه...

ولا تغفل المداخل ما لأحرف الجر من الاهمية في تفريع المعنى (بلغ ب الى.. بلغ من...) وما للاشتقاق من دور مركزي في اغناء المعاني بدون افقادها وحدتها (بالغ وأبلغ وبلّغ وتبلّغ...). وتحتل مادة «بلغ» صفحة كاملة (ثلاثة اعمدة) وعمودا من صفحة اضافية. ولكل معنى من المعاني مثال يظهر اندراج المفردة في السياق.

وفي مادة «بطاقة» رصد دقيق للمعاني المختلفة التي تأخذها المفردة بحسب السياق. فهي لم تعد فقط «الرسالة» او «الورقة»، كما في قسم اللغة من «المنجد في اللغة والاعلام» او «الرقعة الصغيرة من الورق وغيره يكتب عليها بيان ما تعلق عليه» (البطاقة الشخصية، البطاقة العائلية) كما في معجم آخر، بل تعددت المداخل في تعريفها، فهي: بطاقة تذكرة او هوية ـ بطاقة دعوى ـ بطاقة سينما ـ بطاقة سفر ـ بطاقة ضمانة ـ بطاقة بريد او بريدية ـ بطاقة مثقبة. ولكل مدخل تعريف خاص به.

وفي هذا المنجد الجديد، لم يعد التعريف مقتصراً على المعاني الحقيقية الحسية، بل تعداه الى المعاني المجازية وهي كثيرة جداً. «بنت» هي: ولد انثى، وهي واحدة من ورقات اللعب التي عليها صورة سيدة. وهي: المصيبة («بنت الدهر»)، والكلمة («بنت شفة») والخمرة («بنت العنقود او الكرم»)...

صحيح ان بعض المعاجم افسح مكاناً ملموساً لمفردات اللغة العربية المعاصرة، وان المجمع العلمي العربي شجع على السير في هذا الاتجاه. الا ان «المنجد في اللغة العربية المعاصرة» التزم منهج المعاصرة في مقاربة مفردات اللغة، وكان التزامه كاملاً، وبلغ من الاتساع والشمول في تغطية معجم هذه اللغة المعاصرة حداً يدعو للاعجاب. خاصة ان فريق العمل الذي شارك في وضعه صاحب خبرة عريقة في صناعة المعاجم، (وهي خبرة) مستندة الى المعرفة العلمية النظرية والعملية في هذا الحقل.

لقد استند مصنفو هذا المعجم العصري الى المعجم المزدوج اللغة «المنجد الفرنسي ـ العربي» الذي ظهر في العام 1972 والى المعجم العصري المزدوج «المنجد الانجليزي العربي» الذي اصدرته المكتبة الشرقية في عام 1996.

ويسد المنهج ثغرة لأنه يرافق المناهج الجديدة اللبنانية في اللغة العربية وآدابها ويوفر المعلومات اللازمة بدون جمود من جهة، وبدون اغتراب عن الذات وانبهار امام لغات الآخرين من جهة اخرى.