بيروت تصغي إلى صوت محمود درويش

TT

وقّع اكثر من ثلاثمائة فنان ومثقف لبناني بياناً تضامنياً مع الشعب الفلسطيني اثناء اجتماع حاشد شهده «مسرح المدينة» مساء الاثنين الماضي.

لم يكن يوماً عادياً للمسرح، فالكوفيات الفلسطينية كانت تعتلي اكتاف المثقفين والمنشدين والموسيقيين. الجميع كان قد أتى هذه المرة من اجل فلسطين وباسم فلسطين تاركين للمناضلة الفلسطينية المعروفة ليلى خالد ان تقول الكلمة الاولى، فلم تكثر، وطلبت فقط الوقوف دقيقة صمت حداداً على ارواح من استشهدوا واولئك الذين يريدون ان يستشهدوا. ثم جاء دور وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة الذي تساءل حول ما يمكن للمثقف ان يفعل امام هول ما يحدث. وسرعان ما استدرك ان المعركة مع الصهيونية هي في عمقها معركة ثقافية قبل ان تكون عسكرية، ومن هنا تنبع اهمية الثقافة.

شعر وأناشيد كانت تخترق المداخلات الخارجية عبر الهاتف، التي جاء أولها من الشاعر محمود درويش، حيث صمتت الصالة بالكامل امام هيبة الكلمة الموجزة والمحمولة بالاصرار التي اطلقها درويش ذاك المساء قائلاً للحضور: «اعرف انكم لن تأذنوا لي بأن أشكركم على تضامنكم مع انفسكم، فكلنا اليوم ندرك انه ليس في وسعنا السير الى المستقبل فرادى، وان الدفاع عن شعبكم الفلسطيني هو دفاع لكل فرد عن مصيره الشخصي، وقال الشاعر درويش في كلمته المؤثرة: «سننتصر لأننا عاجزون عن الهزيمة ولأن الاحتلال عاجز عن النصر. انتهت اسرائيل معزولة اخلاقياً عن الرأي العام الذي يحاصرها كدولة عنصرية خارجة عن القانون. لم تعد فلسطين وحدها، بل صارت احدى القضايا الاخلاقية الكبرى في هذا العصر». اما المداخلة الهاتفية الثانية التي جاءت من خارج المسرح فكانت من النائب الفلسطيني في الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة الذي لم يحمل صوته عزم درويش بقدر ما كان مفعماً بالحزن والتأثر، إذ كان موجوداً في مكان ما ليس ببعيد عن مخيم جنين الذي قال عنه انه: «يضم فقراء من حيفا، مخيم جنين ليس بمنطقة، انه مجرد مخيم، يتعرض لهجوم شرس... لننظر ماذا كان يمكن ان يحدث لو كانت ارادة الحكومات العربية هي مثل ارادة اهل جنين. غداً في ذكرى المحرقة النازية سيحاول شارون تحقيق هذا الانتصار على أصغر مخيم تقريباً من مخيمات فلسطين».

فنانة لبنانية تشكيلية كانت قد اتخذت لها موقعاً على مدخل «مسرح المدينة» لترسم امام العابرين والمعتصمين لوحة هي عبارة عن حصان جامح يلف رقبته بالكوفية الفلسطينية الرمز، وهي تقول هذا ليس حصانا هذا محمد الدره وآخرون. وفي هذه الاثناء، كانوا يتناوبون لتوقيع البيان الذي كتب فيه: «لا نريد لهذا البيان ـ الصرخة ان يكون توقفاً للتاريخ، او إراحة لضمائرنا من كل مسؤولية. بل نعلن وبكل صراحة اننا مسؤولون مسؤولية معنوية عما يتعرض له الشعب الفلسطيني وقيادته، من خلال صمتنا في بعض الاحيان، وانصرافنا في الاحيان عن الشؤون العامة في بلداننا، ومراعاة الحساسيات والحسابات الضيقة في احيان اخرى. وعزوفنا عن مساءلة حكوماتنا وحكامنا مساءلة صريحة وجارحة في احيان كثيرة. هذا كله سهَّل وقوع الجريمة الاسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني. وجعل العجز العربي قدراً مقدراً». وتعاهد الموقعون على البيان: «انطلاقاً من مسؤوليتنا المعنوية هذه، نعلن ان الجريمة التي ترتكبها الحكومة الاسرائيلية مدعومة من قبل الادارة الاميركية في حق الشعب الفلسطيني وقيادته، وفي حق الرئيس ياسر عرفات، لن تمر دون مسألة عميقة لانظمتنا، وحكامنا وحكوماتنا..».

وبعد انتهاء الاعتصام خرج المثقفون الى الشارع حيث اضاءوا ليل بيروت بالشموع التي خلفوها وراءهم.