باولا كاريدي: المدونون العرب هم أفضل من يصفون الواقع العربي المعقد

مستعربة إيطالية تكتب عن «العرب الذين لا نعرفهم والذين ليسوا إرهابيين»

باولا كاريدي
TT

في كتابها الذي يحمل عنوانا تهكميا هو «العرب المخفيون- كتالوج تحليلي للعرب الذين لا نعرفهم والذين ليسوا إرهابيين»، تقدم المؤرخة والكاتبة الإيطالية باولا كاريدي طرحاً مغايراً عن كثير من الكتب التي تتحدث عن العرب والمسلمين، يتميز بالواقعية والوضوح، وتحاول فيه كسر الصورة النمطية التي تشكلت تاريخياً، وتعززت إلى حد كبير بعد 11 سبتمبر. وحول هذا الكتاب وأفكاره الأساسية وأصدائه على الساحة الإيطالية كان هذا الحوار معها خلال زيارتها أخيرا للقاهرة.

> ما هي الأفكار الأساسية التي تناولها كتابك؟

- الفكرة الأساسية لهذا الكتاب هي أننا في الغرب نعرف القليل عن تركيبة العالم العربي اليوم، نعرف الكثير في أوروبا عن ما يعرف بالإرهاب الموجه ضد الغرب بشكل عام. لكننا لا نعرف الكثير عن هذا الإرهاب داخل العالم العربي. نعرف أشياء قليلة للغاية عن الحياة اليومية للعرب في بلدانهم، كيف يعملون كيف يستخدمون الانترنت؟ ماذا يفعل الأدباء والكتاب العرب؟ ماذا عن فناني السينما ورسامي الكاريكاتير؟ وكيف تسير حركة التدوين على الانترنت بوصفها تأريخا جديدا وتعبيرا واقعيا عن العالم العربي اليوم. كل ما لدينا عن العرب أنماط تقليدية جامدة لا تخرج عن الرؤية الاستشراقية القديمة التي تسود الفكر الأوروبي منذ سنوات كثيرة. ولذلك أردت رصد حركة العالم العربي اليوم وتقديمها للقارئ الإيطالي بشكل مبسط وواضح.

> هل ولدت فكرة الكتاب بعد زيارتك بعض البلدان العربية؟

- عشت في القاهرة منذ شهر مايو عام 2001 وأنجبت طفلي الوحيد هنا. كنت أشعر طيلة الوقت بأنني لدى عائلة تنتمي للمجتمع القاهري. سرت كثيرا في الشوارع واستفدت من كوني صحافية أجريت مقابلات كثيرة مع أشخاص مختلفين. انتقلت بعدها إلى القدس كمراسلة صحافية لوكالة أنباء إيطالية. عايشت الأحداث الفلسطينية الكبرى وانتقلت إلى غزة ورام الله لمشاهدة الواقع الفلسطيني عن كثب. إضافة إلى سفري الدائم عبر العواصم العربية. كل ذلك وفر لي فرصة لمعرفة هذا العالم واقعيا ومن ثم نقله إلى القارئ الإيطالي. أردت إعطاء الإيطاليين فرصة لفهم الجانب الآخر من القصة، الجانب المظلم من حياة العرب.

> عايشت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في القاهرة. كيف رأيت القاهرة والقاهريين آنذاك؟

- كانت الشوارع خالية والذهول يخيم على سكانها. بعد أيام قليلة كانت جميع فنادق القاهرة تقريبا خالية من النزلاء. حتى منطقة الأهرام والمناطق السياحية الأخرى كانت بدورها خاوية. الأهم هو إحساس القاهريين بأنهم أبرياء مما حدث، رغم توجيه آلة الإعلام الغربي أصابع الاتهام لهم جميعا. واعتبر الغرب أن بن لادن هو المتحدث الرسمي باسم كل العرب والمسلمين.

> لماذا يحمل عنوان كتابك لغة ساخرة بل مستفزة بعض الشيء؟

- هذا صحيح. لقد تعمدت اختيار عناوين مستفزة ومتهكمة لأن الإيطاليين تستفزهم السخرية ولأنهم أيضا لا يعرفون 99% من العالم العربي، أي 99% من حوالي 200 مليون عربي. بينما الإعلام هناك وفي عموم أوروبا يركز طوال الوقت اهتمامه على القلة القليلة الإرهابية التي تبرر استخدام العنف والإرهاب ضد الغرب ويتعامل معهم بوصفهم كل العرب متناسيا الأغلبية الكبيرة المسالمة.

> خرجت بانطباع أنك تحاولين طرح ما يمكن تسميته بـ«نموذج التماثل» لإقناع أوروبا بقبول العرب.. أنهم يشبهوننا تماما أنهم يأكلون ويغنون ويلعبون كرة القدم مثلنا تماما؟

- لم أحاول أفعل ذلك. لم أرغب في إظهار العرب كقريبين منا أو يشبهوننا تماما من ناحية السلوك والأداء الإنساني، بل فقط أردت طرح حقيقة العالم العربي كما يعيش الآن. وهي حقيقة مركبة ومعقدة للغاية، وتنطوي على كل المتناقضات مثل أي مكان آخر في العالم. على سبيل المثال نحن نعتبر في أوروبا أن بعض الدول العربية معتدلة ومستنيرة نسبة إلى سياق معين، فأردت إظهار أن التفسير الغربي للاعتدال لا يماثل بالضرورة المفهوم العربي أو لدى قطاع كبير من سكانه. فالواقع أعقد بكثير من هذه التعميمات.

هناك إسلاميون كثيرون ليسوا بجهاديين ولا يروجون لاستخدام العنف مثل جماعة الاخوان المسلمين التي أفردت لها فصلا خاصا في كتابي، واعتبرها جماعة مسالمة لا تستخدم العنف على الأقل منذ 40 عاما. وهناك في مصر أعضاء من الجماعة ممثلون في البرلمان وكذلك في الأردن. ورغم حظرها في سورية إلا أن الجماعة في النهاية جزء من المجتمع. وهناك في المقابل قطاع علماني في المجتمع العربي، يحاول التعاطي مع الاخوان المسلمين مثل سعد الدين إبراهيم الذي يدعو إلى دمج الاخوان في المشهد السياسي العربي.

> ماذا عن القضايا المجتمعية التي تثير الاهتمام في أوروبا.. كيف عالجها الكتاب؟

- نعم هناك قضايا أخرى تناولتها في كتابي، من أبرزها قضية الحجاب، إذ صارت هذه الإشكالية تمثل أولوية في النقاش الأوروبي وتحظى باهتمام بالغ. لكن في حقيقة الأمر المسألة أيضا أعقد من أن تناقش بهذه السطحية التي تطرح بها أوروبا الموضوع. الفهم الاوروبي للمرأة العربية لم يزل يتموقع داخل النظرة الكلاسيكية لمستشرقي أوروبا قبل عدة قرون، أي مفهوم الحريم والمرأة العربية المقهورة الذليلة في مجتمع ذكوري قاس، وأن الحجاب مرادف للعبودية النسوية وليس خيارا حرا للمرأة العربية.

في أوروبا لا يعرفون حتى الآن أن الحجاب ليس النقاب، وأن النقاب ليس البرقع. أعني أن هذه المعاني المختلفة للحجاب لا يستطيع الغرب رؤيتها ولا التمييز بينها. أوردت أمثلة لنساء محجبات وناجحات مثل مذيعة الجزيرة خديجة بن قنة وأستاذة السياسة والاقتصاد المصرية هبة رؤوف وغيرهما. هل مثل هؤلاء النسوة ارتدين الحجاب نتيجة إكراه وتعسف ذكوري أم برغبتهن وعن قناعة دينية! هذا ما حاولت تصويره. كما أردت أن أقول للإيطاليين أيضا إن الحجاب هنا في العالم العربي لا يحتل قمة جدول الاولويات كما هو الحال في أوروبا. بل المشاكل العديدة التي تعتري الأسرة العربية والإشكاليات الثقافية التي تواجهها. هذا هو الأهم في اعتقادي. المرأة العربية كانت قاسما مشتركا في كتابي بسبب كثرة المفاهيم المغلوطة والنمطية التقليدية التي تغلف رؤية أوروبا لها.

وخصصت فصلا في كتابي عن المطربات العربيات وقسمتهن إلى قسمين: المطربات الكلاسيكيات مثل أم كلثوم وفيروز، والمطربات المعاصرات والشابات. أردت من هذا التقسيم والتناول أن أبين للقارئ الإيطالي مدى ارتباط مطربات العرب بقضايا الوطن ودعمهن لأوطانهن وقت الأزمات. في الماضي قدمت أم كلثوم وفيروز وغيرهما الدعم والمساندة في المواقف العربية المختلفة. وبالأمس القريب شاهدت مطربة مثل اللبنانية جوليا بطرس تساند المقاومة إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006، ونانسي عجرم التي رفضت أن تغادر بلدها أثناء الحرب وقدمت مساعدتها للاجئي الجنوب اللبناني. تحدثت أيضا عن فن الكاريكاتير في العالم العربي إذ إن هناك صورة نمطية أخرى يعتقد بها الأوروبيون إثر اندلاع قضية الرسوم المسيئة في الدانمرك وهي أن العرب لا يعرفون فن الكاريكاتير ولا يوجد لديهم هذا النوع من الفن ولا حتى رسامين. أردت أن أوضح أن فن الكاريكاتير العربي قوي ولاذع ومؤثر وأوردت عدة أمثلة لفناني كاريكاتير عرب مثل الفنانة الفلسطينية أمية جحا والتي برهنت أيضا أن المرأة يمكنها العمل بالرسم وهذا في حد ذاته تحطيم لصورة نمطية أخرى. لذا أعود فأقول إن رؤية أوروبا لهذا العالم رؤية (أبيض وأسود) فقط.

> قلت إن المدونين العرب في الوقت الحالي هم أفضل من يصفون الواقع العربي المركب. كيف ذلك؟

- لقد خصصت فصلا كاملا عن المدونين والتدوين عبر الانترنت بوصفه موجة جديدة يعيشها العالم العربي. حاولت أن اصف طبيعة عملهم ونشاطهم الذي يذكرني بنشاط الشباب الأوروبي في شرق أوروبا قبل عام 1989 إبان الحكم الشيوعي. ولم يكن الانترنت موجودا في العالم آنذاك. غير أن هؤلاء الشباب كانوا يستخدمون الأوراق والآلة الكاتبة في طبع ونسخ المنشورات والكتب في منازلهم ثم يقومون بتوزيعها بعد ذلك على أفراد الشعب. أعتقد أن العالم العربي يشهد ظاهرة مماثلة على اختلاف مستوياتها وأدواتها. إن المدونين العرب يستخدمون الانترنت في محاولة منهم لتغيير الواقع المعاش، كما يحاولون إظهار الوجه الإنساني للعالم العربي في مواجهة النمطية الأوروبية عن الشرق المسلم. فهؤلاء المدونون يدركون تماما كيف ينظر الغرب إليهم ويحاولون تغيير هذه الرؤية عبر استخدام لغة محتليهم السابقين، فهناك عشرات المدونات العربية التي تستخدم اللغتين الإنجليزية والفرنسية على شاشة الانترنت.

> هل يمكن القول أن هناك تيارا استشراقيا جديدا يحاول طرح نقيض للنمطية الأوروبية فيما يتعلق بالعالم العربي؟

- نعم بالتأكيد، هذا التيار موجود في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ورغم أن كتابي هو الأول من هذه النوعية في ايطاليا، إلا أن كتّابا كثيرين من دول أخرى سبقوا بالكتابة في نفس الاتجاه الذي لا يهتم بالسياسي فقط. بل بالواقع الثقافي والاجتماعي والحياة اليومية للناس العاديين في الشارع. إن اهتمامهم منصب على طرح الواقع كما هو دون رتوش.

> لماذا تندر مثل هذه الكتابات في ايطاليا؟

- لأنه من اليسير على المرء أن يخترع عدوا! ومن السهل جدا أن يكتب شخص ما كتابا يعرض فيه سلبيات العالم العربي وسيجد له قراء كثيرين خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001. لقد نسي الإيطاليون تقريبا (المغطس)- البحر المتوسط -الذي يجمعنا بالعرب - كما نسوا التاريخ الطويل المشترك.

> لماذا هذا التغير خاصة في السنوات الأخيرة؟

- نعم أعترف انه قد حصل تغير، بل إن هناك الآن تيارا خطيرا في الإعلام، حيث يحاول قسم من زملائي الصحافيين أن يصوروا العرب والمسلمين بوصفهم مصدرا دائما للخطر. الإسلام يعني في قواميسهم الإرهاب. وأرى أن ذلك يعود إلى الجهل أولا. فهم يجهلون في الغالب عمن يتحدثون، ومن ناحية أخرى يبحثون دوما عن عدو كما قلت سابقا لأنه من الأفضل سياسيا أن تجد عدوا، خاصة في السياسة الداخلية حتى تبدأ بمواجهته. وهذا ما يفعله الإعلام الآن.

> كيف استقبل الإيطاليون كتابك؟

- بشكل جيد، حيث أفردت صحف ايطاليا الصفحات المتخصصة لعرضه ومناقشته. وتلقيت دعوات كثيرة لمحاضرات وحلقات نقاشية حول الكتاب. لكن الشيء الأهم تمثل في التعليقات التي وصلتني من أدباء ومفكرين وصحافيين وطلاب إيطاليين يتعلمون اللغة العربية أو أولئك الذين يتعاطفون مع العالم العربي، حيث وجده كثيرون منهم وسيلة يمكن للطلاب أن يدخلوا عبره إلى العالم العربي.