هند رستم: مكتبتي تحمل رائحة طفولتي وبها إبداعات كبار الكتاب

كانت صديقة لإحسان ومحفوظ ومصطفى أمين

TT

في زيارة لمكتبتها بمنزلها بحي الزمالك الراقي بالقاهرة، أعربت الفنانة هند رستم عن سعادتها ومفاجأتها بهذه الزيارة، مشيرة إلى أن مكتبتها تحتوي على العديد من مؤلفات كبار الكتاب، ولبعضها حكايات طريفة معها، وهى تقرأ لمن تحب من الكتاب، فهي كانت صديقة لنجيب محفوظ الذي زارها في منزلها، وكذلك إحسان عبد القدوس الذي كانت على صداقة بوالدته، كما قابلت عباس محمود العقاد، وقال لها أنت تشبهين (سارة) بطلة روايته الوحيدة التي تحمل الاسم نفسه.

تقول هند رستم: بدأت تكوين مكتبتي بشكل غير مقصود منذ طفولتي. في مكتبتي العديد من مؤلفات الكاتب إحسان عبد القدوس. ويعود حبي وعشقي له لأشياء مهمة حدثت فى حياتي، إذ كانت والدة إحسان تحرص على مشاهدة أفلامي السينمائية في أول يوم عرض لها. وهناك جانب آخر جعلني أحب قراءة كل ما يكتبه إحسان وهو أنه كان مناصرا للمرأة ويناقش قضاياها، وما تتعرض له من ظلم في المجتمع بموضوعية في رواياته، وفي الوقت نفسه يخاطب مشاعرها بشكل راق وممتع، لذلك كنت عندما أريد أن أوجه ابنتي في بعض الأمور أطالبها بمقابلة إحسان وقراءة أعماله.

وهناك قسم كبير فى مكتبتي مخصص لعباس محمود العقاد، وترجع معرفتي به عندما طلب الكاتب الصحافي مصطفى أمين من العقاد ان يوافق على مقابلة إحدى الفنانات الثلاث (ماجدة، هند رستم، فاتن حمامة) ويتم نشر هذه المقابلة فى أخبار اليوم. وكانت المفاجأة أن العقاد اختارني. وأتذكر أنه في يوم ذهابي لمقابلة العقاد في منزله بميدان روكسي فى مصر الجديدة، كان معي أحد الصحافيين الكبار من «أخبار اليوم». وقد حذرني هذا الصحافي من التحدث مع العقاد عن ذكرياته لأنه لا يحب ذلك، خاصة ذكرياته مع المرأة. في ذلك الوقت كنت مرعوبة من مقابلته لعلمي بقوة شخصيته، وأثناء جلوسي معه شعرت بأنني مثل الفأر. وكان أول كلام قاله لي العقاد «لقد التقى الهلال مع النجوم» فشعرت بالخوف، لكن الشيء الذي لا أنساه هو عندما قال لي أنت تشبهين (سارة) بطلة روايته الشهيرة، لكنه أضاف ان سارة هادئة وأنت عصبية جدا. لذلك عندما تقرأ مؤلفات العقاد تشعر بقيمته، ويزداد شعورك هذا حين تعرفه على المستوى الشخصي، فهو عنده كبرياء غير عادي واعتزاز كبير بنفسه، وقد انعكس ذلك على أسلوبه الذي يتسم بعمقه وأبعاده الفلسفية. وأتذكر أن العقاد ذكر لي أنه شاهد أحد أفلامي وهو فيلم «شفيقة القبطية»، وأخذ يناقشني في أحداث الفيلم بتلقائية وأظهر إعجابه بدوري وبالقصة وبالفيلم ككل فهو بجانب جديته وصرامته فهو دقيق فى عباراته وكلماته. ولذلك عندما تقرأ «سارة»، وهي الرواية الوحيدة التي كتبها، تجد جانبا آخر من كتابات هذا العملاق. فهو يتحدث عن المرأة بعواطف جياشة وبرقة مع الاحتفاظ بالأسلوب الادبى الرفيع، وهو يختلف عن كتابته عندما كتب العبقريات (عبقريات محمد، عمر، أبي بكر ، خالد ، علي)، حيث تجده في العبقريات يشرح ويقارن بين هذه الشخصيات العظيمة وبين بعض الشخصيات الكبيرة فى العصر الحديث. والمقارنة هنا لها دلالة فهي تؤكد على عظمة وعبقرية تلك الشخصيات، وفي الوقت نفسه تؤكد على حيويتها ومقدرتها على التواصل الإنساني الحميم والامتداد في الزمان والمكان.

* محفوظ والسباعي

هناك قسم كبير في مكتبتي لنجيب محفوظ صاحب نوبل. اتذكر حين كنت صغيرة كنت مبهورة بمحفوظ، ولم أتوقع أبدا أن يأتي بنفسه لزيارتي، هذا العملاق الذي كنت أتمنى حتى لو أسلم عليه باليد. وأثناء حديثي معه وجدت إنسانا متواضعا وبسيطا ومحبا لكل الناس، ولذلك عندما تقرأ مؤلفات نجيب محفوظ الثلاثية تجده يرصد قاع المدينة والبسطاء ويناقش قضاياهم بشكل فلسفي، وأبعاد أخرى. ولذلك نجح في أن يكتب تاريخ مصر الحديث من خلال رواياته: الثلاثية، وزقاق المدق، وثرثرة فوق النيل، والقاهرة الجديدة.. وغيرها، فهو كاتب ممتع وله أسلوب في الكتابة من الصعب أن يتكرر مرة أخرى. من الكتب التي تحتل قسماً مهماً في مكتبتي مؤلفات الكاتب يوسف السباعي، وهذا الكاتب المبدع يوسف السباعي حدثت معه واقعة طريفة حين كنت أقوم بتصوير فيلم (رد قلبي) وأثناء وجودنا في الاستوديو قال احد الموجودين ان الوزير جاء لمتابعة التصوير لأن القصة من تأليفه، فوجدت نفسي من دون تردد أقول: «هل الوزير فاض لهذا الحد لكي يأتي لمتابعة التصوير»، وكانت المفاجأة أنه سمع هذا التعليق الذي اطلقته وكنت في غاية الخجل، لكنه استقبل كلامي بالضحك، ووقتها كان يوسف السباعي صغيرا في السن وهو من الضباط الأحرار، لكن من هذا الموقف بدأت أهتم بما يكتبه، خاصة روايته (أرض النفاق) فهو دائما ما يكتب في القضايا الاجتماعية ويناقشها بشكل جريء، خاصة في ذلك الوقت المبكر من الستينات.

* الحكيم وإدريس

وبالرغم من أن توفيق الحكيم من الكتاب الكبار الذين يبدعون في كل شيء إلا أني كنت لا أحبه على المستوى الشخصي ليس لموقف حدث معي، لكن لأنه كان لا يحب المرأة ويناصبها العداء. ومع ذلك قدمت له رواية (الخروج من الجنة) مع المطرب فريد الأطرش والتقيته وقتها، لكن لم تحدث صداقة. لكن سيظل الحكيم أحد الكتاب الكبار في فن الرواية ومسرحياته ذات قيمة فكرية عالية. لقد قرأت الكثير من كتاباته لكن ليس كل ما كتب.

ومن الكتاب الذين أعتز بهم في مكتبتي يوسف إدريس فهو احد أهم كتاب الرواية والقصة القصيرة فى مصر والعالم، وكنت أتمنى أن يأخذ جائزة نوبل، لأنه من الكتاب الكبار، خاصة عندما كتب (النداهة) هذه الرواية أحدثت بلبلة ومناقشات فكرية واسعة عندما صدرت. إنه من الكتاب الذين أعشقهم ولا أملّ من قراءته لعمق أفكاره وإبداعاته. هناك أيضا مصطفى أمين الذي كان إنسانا صاحب قلب كبير في غاية الرقة، وكنت عندما تقابلني مشكلة في الحياة ألجأ أولا إلى إحسان عبد القدوس، ثم مصطفى أمين فهو كاتب صادق في كتاباته، مثلما كان صادقا في حياته الإنسانية، ولذلك قرأت كل كتبه ومؤلفاته، هو بسيط في طرح أفكاره، تجد ذلك على نحو لافت في عمله عن مأساته في السجن، الذي كتبه في خمسة أجزاء وكذلك كتابه «مائتا فكرة».

أما عميد الأدب العربي العملاق طه حسين فيحتل جزءاً كبيراً في مكتبتي، فهو أحد أهم كتاب مصر الذين يعدون على أصابع اليد وله مؤلفات في غاية الإبداع مثل (الأيام، دعاء الكروان، على هامش السيرة، حديث الأربعاء) فهو من الكتاب الذين أعشقهم وقرأت له الكثير وأتمنى أن أقرأ كل ما كتب.

لقد زودتني القراءة المستمرة بخيال خصب وبخبرة خاصة جعلتني استطيع من خلالها تقييم أي عمل قبل تصويره. وأتذكر حين عرضت رواية (كلمة شرف) وقرأت الرواية التي قدمها الراحل الفنان فريد شوقي، وجدت أن البطل دائما ما يهرب من دون ذكر السبب فطرحت رأيي وقلت: لماذا الرواية لا توضح سبب هروب البطل، وعلى الفور أحدثوا فيها تعديلا يبين سبب الهروب. ونجح الفيلم، ويعود السبب في نجاحه إلى قراءتي للرواية بشكل مركز.