«الأمانات المقدسة» تنتظر زوارها على ضفاف البوسفور

«طوب قابي» يخضع لأهم عملية تحديث منذ 40 سنة

قصر «طوب قابي»
TT

«طوب قابي» من أشهر معالم إسطنبول السياحية، عالم سر الأسرار ومقر الحكم ومهجع الحريم كما وصف، ومكان كانت تنطلق منه القرارات التاريخية التي من شأن بعضها أن يغير سياسة العالم كما يقال. قصر يكاد لوحده أن يلخص تاريخ سلاطين بني عثمان عبر العصور، امتلأ بالتحف والذكريات التي جعلت منه الشاهد والناطق الأكبر على تاريخ تلك الإمبراطورية الحافل.

موقع قصر «طوب قابي» كان نقطة الثقل في أهميته وجذبه، فهو أنشئ على إحدى تلال اسطنبول السبع التي تطل في الوقت نفسه على بحر مرمرة كما على «قرن الذهب» المطل على مضيق البوسفور أجمل بقع العاصمة العثمانية. وهو محاط بأسوار بني معظمها في العهد البيزنطي. المكان يتضمن حاليا سلسلة من المباني المستقلة عن بعضها، على شكل أجنحة وصالات استقبال وحمامات ومخازن وقاعات، تتضمن صور السلاطين ورسومهم وأخرى للخزينة موزعة حول أفنية واسعة، يجمعها المدخل الرئيس للقصر المسمَّى «باب همايون» أو ما عرف باسم الباب العالي.

«طوب قابي» هو من أشهر قصور العالم في غناه بالآثار الإسلامية، ومن أهم ما يفخر به على متاحف الدنيا احتضانه لبعض آثار وأغراض الرسول عليه السلام، ومنها بردته الشريفة وخاتمه، وبعض سيوفه ورايته العقابية الشريفة. السلطان محمد الفاتح هو الذي أمر بإنشاء جناح الأمانات المقدسة في القصر عام 1474 م. هذا القصر الذي كان مقرا للسلاطين العثمانيين حتى عام 1853 حيث قرر السلطان عبد المجيد بعدها، أن ينقل مركز الحكم إلى «دولما بهشة» القريب من ساحل بشيكتاش والذي لا يقل عنه روعة وجمالا، طالباً تحويل «طوب قابي» الى مكان لحفظ الأمانات المقدسة. عشرات القطع النادرة التي كانت في صناديقها مخبأة بسبب ضيق المكان، تخرج الى العلن وقاعات العرض، ضمن أهم عملية تحديث تدخل على المكان منذ أربعين سنة، عندما تقرر إعادة ترميمه وفتحه أمام الزوار والسياح عام 1962. في الغرفة الخاصة، أو ما يسمى بغرفة العرش حيث الأمانات المقدسة، يمكننا ان نحصي أولا صندوقا من الذهب، يرفع نقشا للآيات القرآنية، يحفظ فيه صندوق أصغر من الذهب أيضاً، يضم البردة النبوية الشريفة. وهي البردة التي أهداها النبي للشاعر كعب بن زهير بعد أن ألقى في حضرة الرسول قصيدته الشهيرة. ومن الأمانات أيضاً العلم النبوي الشريف، ورسالة النبي التي بعث بها إلى المقوقس ملك القبط و21 سيفاً من سيوف الخلفاء والصحابة في مقدمها سيفان للنبي، وهناك خاتمه وجزء من إحدى أسنانه. وهي السن التي انكسرت أثناء موقعة أحد. وهناك ايضا العلبة التي يحتفظ فيها بشعرة من اللحية النبوية الشريفة.

ويضم الجناح إلى جانب أمانات الرسول، بعض الأمانات الخاصة بالكعبة المشرفة، ستارتين مأخوذتين من غطاء الكعبة وعليهما نجد آيات قرآنية. وهناك سيوف تنسب إلى النبي داود عليه السلام والخلفاء الراشدين وبعض الصحابة. وتوجد أيضاً اوانٍ للطبخ يقال إنها لسيدنا إبراهيم، وعصا تنسب إلى سيدنا موسى عليهما السلام، ولفة يذكر انها للنبي يوسف. هذا الى جانب عشرات القطع النادرة من أثاث ومجوهرات لا تقدر بثمن. من دون ان نغفل وجود 40 حافظاً يتابعون على مدار الساعة قراءة الآيات القرآنية، ضمن تقليد قديم بدأ في عهد السلطان سليم الأول.

المؤرخ التركي المعروف البرفسور ايلبير أورتايلي، مدير متحف «طوب قابي» قال انه بعد أعمال التوسيع والترميم زادت مساحة المكان من 700 متر الى 900، وارتفع عدد القطع التاريخية المعروضة فيه من 35 اثراً الى 60 تعرض اليوم في أكثر من غرفة، بعد 9 أشهر من الجهد المتواصل ليلاً ونهاراً لإنجاز أعمال التحديث، بأسرع ما يمكن.

3 غرف اساسية كانت مركز التعديلات كما يقول المهندس المشرف على اعمال التحديث، غرفة مخصصة لأغراض تتعلق بالكعبة الشريفة، وأخرى لاغراض الانبياء، وثالثة لبعض أدوات النبي والخلفاء الراشدين. وما يلفت حقاً هو ان اعمال التحديث هذه، شملت إدخال عناصر التدفئة والتهوية المركزية، وتوفير التيار الكهربائي عبر مولدات خاصة عند اللزوم، وإضافة عنصر الصوت والصورة على المكان لوضعه بتصرف السياح الوافدين وبأكثر من لغة. هذا الى جانب تقنية جديدة في الاضاءة ولوائح التوجيه وتقديم المعلومات والارشادات الضرورية للسياح. اضيف إليها كل ما يحتاجه الزائرين المعاقين الراغبين في زيارة المكان.

4 ملايين ونصف المليون ليرة تركية كانت تكلفة المشروع الذي أضيفت إليه خزانة خاصة، تحمل عنوان «أكبر خزانة في تركيا» خصصت لعرض غطاء باب الكعبة الشريفة. سيوف النبي تسبح في الهواء بأسلوب ممغنط، هو آخر مبتكرات علم المتاحف الحديثة، وزجاج باللون «التركواز» الذي يرمز الى اللون العثماني.

رجب طيب أردوغان الذي دشن الجناح داعيا لحماية التاريخ والتراث قال: «اننا نقف في مكان تفوح منه رائحة النبي الطيبة وبركته وما بين ايدينا اليوم من اغراض لا تثمن، تعود إلى بعض الأنبياء والصحابة. إنها بمثابة الخزانة المعنوية التي تفتخر تركيا وتعتز بشرف احتضانها والمحافظة عليها والذود عنها. هو مكان نستمد منه القوة والمحبة والتمسك بالدين ورفع شأنه». وأضاف أردوغان: «الدول قد تتعرض لانتكاسات وهزات وأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية، تخرج منها عاجلا أو آجلاً، لكن فقدانها لتاريخها وميراثها يعني تحولها لتصبح عرضة لفقدان توازنها والاهتزاز والسقوط في اية لحظة. من هنا فالمراهنة على التاريخ هي مراهنة على المستقبل والمصير».