«رجل القلعة» مسرحية تطرح مسألة المصداقية الدرامية

مشهد من مسرحية «رجل القلعة»
TT

> منذ العام الماضي، ومسرح الدولة، ممثلا في المسرح القومي، يقدم عرضا درامياً شائقاً وشيقاً بعنوان «رجل القلعة»، من تأليف المبدع أبو العلا السلاموني، وإخراج المتميز ناصر عبد المنعم، والذي يقدم فيه توفيق عبد الحميد واحداً من أجمل أدواره على المسرح. فهو يجسد شخصية محمد علي تجسيدا يستكمل به جهود التأليف والإخراج في العرض، ولا يقل إبداعا عنهما. وكما ارتبطت صورة الخديوي في أذهان من لم يروا أحدا من هؤلاء الحكام بالصورة التي قدمها المسرح لهم، خاصة الفنان القدير نظيم شعراوي في مسرحية فؤاد المهندس «سيدتي الجميلة»، فإن صورة محمد علي سوف تظل منطبعة بما قدمه توفيق عبد الحميد عنها على «مسرح الغد».

والمسرحية تطرح مسألة المصداقية التاريخية للعروض الدرامية التي تعتمد على التاريخ منطلقا لها. صحيح أن الصورة التي قدمها توفيق عبد الحميد لمحمد علي هي الأقرب إلى التصور الإنساني لهذه الشخصية، خاصة لحظات الأزمة التي مر بها في حياته، وهو أبعد عن المبالغة في الظلم أو الإنصاف، إلا أن الكثير من الأحداث التي قدمها العرض ربما تتجاوز الحقائق التاريخية التي أصبحت اليوم معروفة عن محمد علي وعصره. فهل يستطيع الفن أن «يتعدى» على التاريخ لكي يقدم من خلاله تحليلا للواقع الآني؟ أم أن الحقائق التاريخية يجب أن تنأى عن مثل هذه المناورات الدرامية التي تساهم في تربية المشاهد وتعليمه وحفر التاريخ في ذهنه وفي وجدانه؟ إن الصورة الذهنية التي تكونت للخديوي في عرض فؤاد المهندس الذي أشرنا إليه، ساهمت في تكوين حكم مسبق في الضمير الجمعي على أي خديوي، بأنه فاسد نزق غارق في الملذات بلا رادع من ضمير أو أخلاق، ولا يهم إذا كان هو الخديوي اسماعيل أو عباس حلمي أو توفيق، الذين يتمايزون الواحد عن الآخر. وربما أن على الدراميين أن يحترموا التاريخ ولا يطوعوه لأغراضهم الفنية، إلا بقدر ما تسمح لهم المادة التاريخية بذلك، وإلا فإن التجريد يصبح هو الحل الأسلم، وعدم الإشارة إلى زمان ومكان وشخصيات محددة. فليس من المعقول أن نشاهد الممثل الرائع أشرف طلبة يقدم عمر مكرم على خشبة المسرح، كائنا حيا يتكلم ويتحرك ويتنفس ويتفاعل، ونستطيع أن نفصل بين ما نراه على المسرح، وما نقرأه في كتب التاريخ، حتى المدرسية منها.

المشكلة تتكرر كثيرا في أعمال درامية كثيرة لعل أبرزها وأحدثها مسلسل الملك فاروق الذي أثار ضجة كبيرة في رمضان الماضي، فكثيرون صفقوا له لأنه أنصف فاروق إنسانا وملكا، وكثيرون اعترضوا عليه لأنه قدم شكلا زائفا أو على الأقل غير صحيح لحياة القصر الملكي وشخصياته قبل الثورة. لكن الرأي السائد هو أن الحرص على الإنصاف دفع المؤلفة إلى المبالغة في التركيز على الوقائع التي تعزز رأيها، وتجاهل الأحداث التي تتعارض معها.