إيران وأميركا.. لعبة قط وفأر على الطريقة العراقية

المفتش السابق للأمم المتحدة عن الأسلحة يكتب عن السيناريو المحتمل بين البلدين

TT

كان المفتش السابق للأمم المتحدة عن الأسلحة، سكوت ريتر، قد نشر تحدياته لادعاءات إدارة الرئيس الاميركي بوش عن امتلاك النظام العراقي السابق لأسلحة الدمار الشامل، التي أدت إلى شن الحرب على العراق واجتياحه. الآن، وفي كتابه «الهدف إيران: الحقيقة حول خطط الولايات المتحدة الأميركية لتغيير النظام»، يعود ريتر ثانيةً ليكشف عن سيناريو شبيه بسيناريو العراق من حيث «احتمال اندلاع حرب أخرى تحمل نفس حجّة أسلحة الدمار الشامل، ولكن هذه المرة تخصيب اليورانيوم و إنتاج أسلحة نووية» بغية تغطية الهدف الرئيس وهو تغيير النظام القائم في إيران.

ليس من المستغرب بالنسبة لمراقب أسلحة متمرّس مثل سكوت ريتر، أن يرفض التكهن فيما إذا كانت طهران حقاً تسعى إلى تنفيذ برنامج سرّي للأسلحة الذرية، جنباً إلى جنب برنامجها المعلن. عوضاً عن ذلك فإنه يرسم بحذر، خريطة لعبة القط والفأر بين مسؤوليه السابقين، أي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبين إيران، والتي بدأت بالكشف عن مشاريع إيرانية نووية غير معلنة في ناتانز وآراك عام 2002، لكنها لم تستطع حتى الآن إقامة أي دليل على وجود برنامج لتحويل المواد النووية إلى أسلحة نووية، كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من جهة أخرى، لم تؤكد إن كان البرنامج النووي الإيراني بأكمله مخصصاً للأغراض السلمية. ورغم أن الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل لهما رأي مخالف، فإن مراقبين سياسيين آخرين لا يستطيعون أن يجزموا بوجود برنامج غير شرعي لإنتاج أسلحة الدمار الشامل في إيران.

يورد ريتر، تفاصيل لعبة قط وفأر ثانية، استمرّت منذ عام 2002 وحتى الآن بين إدارة بوش من جهة، والاتحاد الأوروبي، روسيا والصين من جهة أخرى، حيث طالبت الولايات المتحدة الأميركية باستمرار، وأخيراً أفلحت، في فبراير (شباط) 2006، في الإشراف على برنامج إيران النووي، وذلك من خلال أخذه من مفتشي وكالة الطاقة الذرية وتسليمه إلى مجلس الأمن، لكي، حسب قول ريتر، يمكن مرة أخرى اتخاذ عمل عسكري من جانب واحد ضد دولة أخرى، بحجة إمتلاكها سلاحا نوويا، بعدما تكون الأمم المتحدة قد فشلت مجدداً باتخاذ فعلٍ حاسم. إن ما يميّز الدعوة للسير نحو الحرب ضد إيران وعن موضوع الفبركة المشابه ضد العراق، هو الدور الخطير الذي لعبته إسرائيل من خلال تأثير اللوبي الإسرائيلي في أميركا على السياسة الخارجية الاميركية، وخاصة في الشرق الأوسط بتوكيل من تل أبيب». مثل هذه الآراء، يقول ريتر، سوف ينظر إليها، من دون شك، على إنها ضد السامية. وهو يلاحظ هنا تأثير موضوع الإبادة الجماعية، في العهد النازي، على تشكيل العقل الإسرائيلي القومي، وكذلك موضوع تهديدات أمن إسرائيل. غير أن ريتر لا يرى بأن إسرائيل فعلاً تواجه تهديداً مباشراً من قبل إيران وبالذات التهديد النووي الذي يستدعي ضربةً عسكرية وقائية.

حسب رأي ريتر، إن الإشكال القائم الذي لا يمكن إيجاد معادل له، والذي يدفع إلى إقصاء الجهود الدبلوماسية الحالية في الأمم المتحدة والخوف المتزايد من توجيه ضربة عسكرية من جانب واحد تنفذها أميركا أو إسرائيل، يكمن في أن إيران، باعتبارها إحدى الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يسمح لها، تحت البند الرابع من المعاهدة أن تطوّر الطاقة النووية للأغراض السلمية، في حين أن إسرائيل التي لم توّقع على المعاهدة والتي لم تعلن عن ترسانتها العسكرية التي تضمّ على الأقل نحو (200) قنبلة نووية، تحرّم على إيران تخصيب اليورانيوم، خشية أن يقود ذلك إلى إنتاج أسلحة نووية.

بعد ذلك، يتطرّق ريتر إلى الجوانب التنافسية التي تدخل في الإطار النووي الإيراني، وهي بالدرجة الأولى المصالح القومية لبعض الدول وأدوارها المهمة، إن كان الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر إيران شريكته التجارية الرئيسية، أو دور روسيا المستقبلي في تزويد إيران بالوقود النووي للمفاعلات الذرية في مركز «بوشهر»، أو بروز الصين الفجائي عام 2004 كأبرز زبون نفطي لإيران، مما يجعل توجيه أية ضربة لإيران يضرّ أبلغ الضرر بالمصالح الاقتصادية الصينية. إضافة إلى ذلك، فإن ما يزيد من تفاقم الأزمة، حسب ريتر، هو هدف إسرائيل القيام بضربة استباقية، في حالة عدم القيام بها من قبل الولايات المتحدة الاميركية وحليفاتها. غير إنه يرى، على خلاف العملية التي قامت بتنفيذها القوّة الجوّية الإسرائيلية في تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981، أنه ليس هناك ضمان لتكرار نجاح العملية في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ذات المواقع المترامية الأطراف والموجودة عميقاً تحت سطح الأرض. أما الأسوأ من ذلك، فإن توجيه مثل هذه الضربة، سيساعد على اندلاع أزمة واسعة، تضاف إلى الأزمات الموجودة أصلاً في الشرق الأوسط، إذ من المحتمل جداً أن تحاول إيران أن تقطع بشكل شامل إمدادات النفط بغلق مضيق هرمز أو مهاجمة إسرائيل بصواريخ حزب الله من جنوب لبنان، إلى جانب هجمات تقوم بها الميليشيات الشيعية في العراق على القوات الأميركية.

يعترف ريتر بالصعوبات التي يتطلبها تأليف كتاب يتناول مثل هذه المواضيع، حيث الأحداث اليومية دائماً ما تكون عرضةً للتعديل والتغيير، مثلما حصل وتمّ الاتفاق حول المشكلة النووية الكورية، أو سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ الأميركي، وهذا ما يجعل فرضيات وتكهنات المؤلف، أيضاً، خاضعةً للتغيير والتبديل، فيما يتعلق بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران. ولكن من جانب آخر، يعتقد المؤلف بوجود إشارات توحي باحتمال تحقيق هذه الضربة، مثل انتشار حاملات الطائرات الأميركية في مياه الخليج العربي بداية هذا العام والادعاءات الأميركية بأن إيران تقوم بتزويد الميليشيات الشيعية في العراق بالعبوات الناسفة وأسلحة أخرى، وكذلك إرسال أنظمة صواريخ باتريوت إلى دول الخليج. كل ذلك يوضّح بأن لعبة أميركا النهائية لم تزل قائمة حتى الآن.