قصة حب في 12 أغنية و3 وجبات وقبلة واحدة

تجربة متميزة تنتقل من «محمد الخامس» إلى أوروبا

ملصق المسرحية
TT

يعود السينمائي المغربي الشاب فوزي بنسعيدي، مخرج «يا له من علم رائع» إلى عشقه القديم: المسرح. فمسرحيته الجديدة التي عنونها كما تعنون قصيدة نثر «قصة حب في 12 أغنية و3 وجبات وقبلة واحدة»، تعود به إلى الواجهة. مسرحية عرضت أخيرا في البيضاء والرباط، تحاول القبض على الحب الذي يذوب في مادة الحياة اليومية وأتون العولمة القابضة على خناق العالم المعاصر، بنص مفتوح على المستقبل.

تتوزع مسرحية فوزي بنسعيدي الجديدة إلى 12 حركة تدوزنها الأغاني والرقصات، حيث وظف أجساد الممثلين وأصواتهم توظيفا شعريا ليصف قانون الغاب، تيه الشباب، أفول اليوتوبيا، عبودية النساء، جنون الاستهلاك وتكسّر أسطورة المجتمع الأبوي. إنها صورة واقعية لعالم تتحكم فيه لعبة العولمة. قصد فوزي بنسعيدي في مسرحيته هذه أن يظهر «النساء والرجال في ضعفهم البشري، في ترددهم، وفي جمال تواصلهم وقبحه». لذلك حكمت هذه اللوحات التعبيرية، مسرحة وظيفية لجنون اليومي وبلادته، طرافته وإباحيته، عنفه ولطافته.

ترسم المسرحية بورتريها لعالم متحول، وسمه حدثان بشريان بارزان: وصول الإنسان إلى القمر وتفجير برجي التجارة العالمية في 11 سبتمبر 2001. على خلفية هذه الأحداث تتشكل اللوحات التي يرتجل فيها زوج من الممثلين متوالية من الحياة اليومية. تتوالى المشاهد والأزواج على خلفيات تحولات العالم المجنونة. فيتداخل الذاتي بالموضوعي بحرية تركيبية خالصة. هنا يتجاور السينمائي بالمسرحي، يخرج النص المسرحي من زنزانة اللغة/ الحوار مجرباً لغة سيميائية مجددة لحمتها الاعتماد على مخيال الممثلين وقدرتهم على ارتجال مواقف تخدم موضوعة المسرحية العامة. مما يطرح سؤال النص واللانص، الحوار والصورة، الممثل وبياض الخشبة. كما أن هذا التجريب المسرحي عدد الأساليب، من سخرية ودراما وشعر وتوزيع بصري سينمائي، لعب فيه تموضع الشخوص دورا فعالا. وقد تبدو المسرحية للمتفرج من أول وهلة دون حبكة وبناء درامي أو نص مكتوب، لكنه يكتشف في النهاية فرجة مغايرة حول قصة حب كونية، تكتب تدريجيا على الخشبة. إن تداخل الخطابات الجمالية وإبداعية الجسد العارض على إيقاع الأغنية والحركة الجسدية الرمزية، جعلت «قصة حب في 12 أغنية و3 وجبات وقبلة واحدة» نصاً يربط بين التراث المسرحي المغربي المتميز عند الطيب الصديقي مثلا والمسرح التجديدي كما يشكله الجيل الجديد في المغرب، كتابة وإخراجا.

لا شك أن فوزي بنسعيدي بهذه المسرحية يثبت أن النص المسرحي مفتوح على المستقبل. بل يقدم لنا نصا متعدداً قد يكون البديل الجمالي لمسرح أخذ يتقولب في أشكال جامدة لم تعد تساير دينامية التلقي. فالمسرحية الجديدة للمخرج المغربي المعروف تطرح سؤال الحدود واللغة المسرحية والمضامين، التي يمكنها أن تعيد المسرح إلى دائرة الاهتمام دون التنازل عن جدة الشكل المسرحي والمضامين النصية والفلسفية التي يمكن أن يحظى بها أبو الفنون، في مجتمعات طلقت المسرح الجاد وألقت بنفسها في لذة الترفيه المسطح. يساهم في هذه المسرحية عبد الله شيشة، آمال عيوش، هاجر كريكع، حنان الإبراهيمي، نور الدين التومي، محمد الهودي، سكينة فضيلي، ربيع بنجهيل وأمل الأطرش. وهي من تمويل «مؤسسة الفنون الحية» و«مسرح محمد الخامس»، وستعرض في العديد من المدن المغربية وأوروبا. هي، في النهاية، تجربة متميزة تقوم بها هذه المؤسسة الحديثة العهد بمدينة الدار البيضاء لإعادة الاعتبار للمسرح في المغرب.

فتتقاطب الأحاسيس وتتضارب النفسيات على خلفيات غناء وكوريغرافيا. وقد بدت العلاقة العضوية بين هذه اللوحات غائبة، بيد أن «النص» الذي يبني المسرحية، يتمثل في الصراع الأزلي بين الخير والشر من خلال الحضارات، الشعوب، الأفراد والنصوص الثقافية.