معرض القاهرة للكتاب يدخل عامه الأربعين بأجندة تقليدية

بمشاركة 742 ناشرا من 28 دولة عربية وأجنبية

TT

بأجندة ثقافية تقليدية تحاول أن تستعيد لحظات صعوده تنطلق اليوم «الأربعاء» 23 يناير الجاري فعاليات الدورة «الأربعين» لمعرض القاهرة الدولي للكتاب. تأتي هذه الدورة وبحكم تراكم الخبرة والنضج كعلامة فارقة في عمر المعرض، ومن ثم تستوجب إعادة النظر والقراءة والمراجعة للكثير من الآليات والرؤى التي حكمت فلسفة المعرض وعمله طيلة الدورات السابقة، واختلطت فيها عناصر السلب بالإيجاب،

حتى أصبح الكلام عن المعرض لا يقترن بقضايا الكتاب والدور الذي يلعبه في مناقشتها وتقديم المقترحات والحلول لها، بل أصبح يقترن في - الغالب الأعم - بمدى نجاح البروبكندا الإعلامية في تسليط الضوء على المعرض وتجميله بالصورة التي ترضي المسؤولين عنه والجهة المنظمة له «الهيئة المصرية للكتاب» وهي إحدى المؤسسات الثقافية الرسمية. كذلك أصبحت صورة المعرض تقاس بمدى انضباطه في قبضة هذا الإطار الرسمي، بصرف النظر عما يمكن أن يكتسبه من روح شعبية تعمق خصوصيته، وتوسع آفاق التعامل والإفادة منه في شتى المستويات الثقافية والاقتصادية والترويحية وغيرها. وعى ذلك الراحل الدكتور سمير سرحان إبان توليه رئاسة الهيئة العامة للكتاب فأدخل إلى أجندة المعرض العديد من الأنشطة والفعاليات الثقافية والندوات المتخصصة التي تناقش الشأن المصري في شتى جوانبه المتراكبة، وتربطه في الوقت نفسه بما يدور حوله، سواء عربيا أو عالميا، واستطاع المعرض بالإضافة إلى كونه سوقا للكتاب، أن يتحول إلى عرس ثقافي ونافذة خصبة للحوار بين شتى التيارات الفاعلة في المجتمع.

هذا الدور - برغم ما شابه أحيانا من فوضى واندياح - شهد تراجعا خلال العامين الفائتين، حيث انكمش المعرض في عباءة الإطار الرسمي، وتقلصت أنشطته، وغدت مجرد هيكل فارغ باهت من المغامرة والحيوية، الأمر الذي جعل غالبية الجمهور حتى المثقفين ينصرفون عنه، مثلما حدث في العام الماضي حيث ألغي أكثر من 20 ندوة من المقهى الثقافي ومحو كاتب وكتاب لاعتذار الضيوف المشاركين عن عدم الحضور، ناهيك عن تأخر معظم الندوات لفترات طويلة عن الوقت المحدد له والمعلن في برامج أنشطة المعرض.

ومن الأشياء المؤسفة حقا أن معرضا بهذا الحجم والثقل والتاريخ لا يزال يفتقد أبسط أساليب التنظيم والإدارة. وهو وجود دليل مطبوع للمعرض، يعرف زائره بما هو موجود لدى دور النشر المشاركة، ويوفر عليه المشقة والعناء في البحث عن الكتاب الذي يود أن يشتريه، وما هو سعره، وتاريخ طباعته. وهذا الدليل لم يعد أمرا عسيرا في ظل التقنيات الهائلة للكومبيوتر ولو بيع بسعر زهيد سيوفر دخلا ماليا لا بأس به للمعرض.

أيضا من الأشياء السلبية في المعرض والتي لا تكاد تخلو منها أي دورة من دوراته، المصادرة التي تتم لبعض الكتب بحجج وذرائع مختلفة. وأنا أتصور أنه من حق الجمهور أن يقرأ هذه الكتب وأن يبدي رأيه بشفافية فيها، وأنه من واجب القائمين على المعرض أن يدعموا هذا الحق، بدلا من أن يكونوا هم اليد التي تقوم بالمصادرة نفسها، والدفاع عن مبرراتها بأقنعة مقيتة. وفي الوقت نفسه التكريس لثقافة الخوف والعيب، على حساب قيم المصارحة والمواجهة والحوار الموضوعي البناء. وأتصور أيضا أن يطرح كل هذا للنقاش في ندوة من ندوات المعرض بدلا من ترك الجمهور معلقا ونهبا لشائعات وتخمينات لا طائل من ورائها سوى إضاعة الوقت والجهد.

ناهيك عن المشاحنات التي أصبحت من لوازم المعرض كل عام بين الناشرين المصريين وإدارة هيئة المعارض التي يقام عليها المعرض بشأن مواعيد تسلمهم الأماكن التي سيعرضون بها، فغالبا ما يتم ذلك قبل بدء المعرض بأيام قليلة لا تكفي لتجهيزها للعرض بالشكل اللائق، كذلك ارتفاع أسعار إيجارها، وهو ما دفع هؤلاء الناشرين في هذا العام وفي أعوام سابقة إلى مناشدة وزير الثقافة ورئيس هيئة الكتاب للتدخل حتى يتمكنوا من تسلم أجنحتهم بوقت كاف، وفي الوقت نفسه مساواتهم بما يتم مع الناشرين العرب والأجانب.

يشارك في هذه الدورة 742 ناشرا يمثلون 28 دولة عربية وأجنبية منهم 42 ناشرا أجنبيا، 178 عربيا و522 مصريا فيما تحل الإمارات ضيف شرف المعرض في تقليد هو الثالث من نوعه بعد اختيار المانيا وايطاليا في الدورتين السابقتين.

وقررت وزارة الثقافة المصرية لأول مرة بيع إصدارات المجلس القومي للترجمة والتي تخطت الألف كتاب لتصبح متاحة أمام الجمهور بأسعار مخفضة. كما يعرض صندوق التنمية الثقافية في جناحه بالمركز القومي للترجمة والمركز القومي لثقافة الطفل والمركز القومي للمسرح والسينما وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية، كما يتضمن جناح الصندوق لأول مرة عرض وبيع إصدارات قطاع الفنون التشكيلية والتي تشمل مجموعة من الاسطوانات المدمجة لكبار الفنانين التشكيليين أمثال: محمود سعيد ومحمد ناجي وعبد الهادي الجزار، وحمود مختار .. وغيرهم .

كما تخصص الهيئة العامة لقصور الثقافة جناحا كبيرا لها في المعرض تعرض به أهم إصداراتها في الآونة الأخيرة ومن بينها: طبعة شعبية للأعمال الكاملة للشاعرين أدونيس، وأنسي الحاج وكتاب «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» لابن تغري بردي في 7 مجلدات، و«مقامات جلال الدين السيوطي» في 3 مجلدات، و«تاريخ وفلسفة العلم» للدكتور أحمد عبد الجواد.

ومن بين الإصدارات الجديدة لهيئة الكتاب بالمعرض سلسلة «أدباء القرن العشرين» وتتضمن مؤلفات عدد من الكتاب الذين قاربت حقوق النشر الخاصة بهم على الضياع بسبب مرور 50 عاما عليها، ومنهم من توفوا في العقود الأخيرة واشترت الهيئة حقوق نشر أعمالهم من الورثة، ومن هؤلاء الكتاب والشعراء: نعمان عاشور، عبد القادر المازني، إبراهيم ناجي، حافظ وشوقي، أحمد حسن الزيات، أحمد زكي أبو شادي، سهير القلماوي، يوسف جوهر، سعد الدين وهبة، محمد حسين هيكل، حسين مجيب المصري، أحمد لطفي السيد.

وتهيمن ثلاث احتفاليات على أجندة النشاط الثقافي للمعرض في مقدمتها احتفالية بمئوية جامعة القاهرة التي أنشئت في عام 1908 تتضمن ندوات ولقاءات فكرية وعلمية حول دور الجامعة الأم عبر مائة عام، كما سيتم الاحتفال بمئوية كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان ومئوية السينما المصرية. وكل هذا الاحتفاليات برغم أهميتها إلا أنها تجتر نشاطا معادا ومكرورا، فاحتفالية مئوية جامعة القاهرة بدأت منذ فترة وقيل فيها ما قيل، وهي مستمرة بالجامعة على مدار العام الدراسي الحالي، ولا يختلف الأمر نفسه بالنسبة للاحتفاليتين الأخريين.

ومن الأشياء الجيدة اختيار اسم الدكتورة الراحلة سهير القلماوي لتكون شخصية العام للمعرض، حيث يخصص محور من الندوات حول دورها الثقافي يشارك فيه عدد من كبار النقاد والمفكرين بصفتها رئيسة أول معرض للكتاب أقيم بالقاهرة عام 1969 على أرض المعارض بالجزيرة في ذلك الوقت.

تصل مساحة المعرض هذا العام إلى 660 ألف متر مربع بزيادة 400 متر مربع على العام الماضي، وتعود روسيا للمشاركة بعد انقطاع 9 سنوات، ورومانيا لأول مرة. كما يشهد المعرض خلال فعالياته لأول مرة عقد جمعية عمومية لاتحاد الناشرين العرب لمناقشة تعديل نظام ولوائح الاتحاد.

وسيفتح المعرض أبوابه للجمهور بدءا من بعد غد «الجمعة 25 يناير ويستمر حتى 4 فبراير المقبل». فيما يخصص اليومان الأول والثاني من المعرض لدخول الناشرين وأساتذة الجامعة.

من جانبه قرر فاروق حسني وزير الثقافة المصري، تشكيل غرفة عمليات لمتابعة فعاليات المعرض من وقت إلى آخر، ولمنع دخول الكتب المزورة إلى ساحة المعرض بغرض حماية حقوق المؤلفين. تتخلل المعرض ندوات أدبية وأمسيات شعرية. وحسب المسؤولين فإن المناقشات ستدخل في إطار المائدة المستديرة، ليأخذ الحوار أشكالا جديدة تساعد على الوصول إلى نقاط مهمة ومحورية في الموضوع أو القضايا التي تتم مناقشتها من قبل المثقفين والكتاب والمتخصصين.

ترجع فكرة معرض القاهرة الدولي للكتاب إلى الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق، وقد بدأ دورته الأولى عام1969 في إطار الاحتفال بالعيد الألفي لمدينة القاهرة، ورأس هذه الدورة الدكتورة الراحلة سهير القلماوي التي كانت تشغل منصب رئيس المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر. وأسفرت جهودها آنذاك عن مشاركة 5 دول عربية وأجنبية مثلها 100 ناشر على مساحة عرض بلغت نحو 2000 متر مربع. بأرض المعارض بالجزيرة، مكان دار الأوبرا المصرية الحالية.

وأقيم أول لقاء فكري على هامش المعرض في دورته الرابعة عشرة عام 1982 وفي ضوء نجاح هذه التجربة عقد اللقاء الفكري الثاني عام 1983، وكان بمثابة مظاهرة ثقافية حاشدة، فلم يجد كثير من الحضور موضعا لقدم في القاعة التي أعدت لذلك الملتقى بالرغم من اتساعها، ثم تصاعد هذا النشاط، واتسعت آفاقه بإيقاعات متراوحة مع الدورات التالية للمعرض.