كونغ يكتب عن الإسلام بمنهج جديد

TT

قرأت مؤخرا كتابا مهما من تأليف هانز كونغ، الذي يعتبر أكبر عالم لاهوت في العالم المسيحي. وقد كان قد نشر ثلاثية حول اليهودية والمسيحية والاسلام.

وأود أن اركز هنا على كتابه الخير الموسوم (الاسلام، الماضي والحاضر والمستقبل). وقد ترجم هذا الكتاب الى الانجليزية مؤخرا من قبل جون بودين ونشر في المملكة المتحدة من جانب دار نشر «وانوورد بوك». ولا ريب ان كتاب كونغ يعتبر مهما بسبب منهجه في الدراسة. ومن الواضح ان كثيرا من الكتب نشر في العالم الاسلامي حول هذا الموضوع، ولكنه يفتقر إلى المنهجية. وبكلمات أخرى فان الباحثين لم يولوا اهتماما بدراسة العصر الذهبي للحضارة الاسلامية. فقد كان الباحثون المسلمون في تلك الفترة معروفين وماهرين في استخدام المنهج العلمي في ابحاثهم. وعلى سبيل المثال كتب ابن سينا كتبه المهمة (الشفاء) و(القانون) اعتمادا على المنهج، فالعلم ليس مجرد مجموعة من الحقائق والمفاهيم والأفكار النافعة. العلم منهج في البحث يكتشف المعرفة الموثوقة حول الموضوع.

لقد كتب كونغ كتابه الذي أشرنا إليه اعتمادا على منهج جديد. فهو يميز ست فترات من التاريخ الاسلامي حسب النموذج:

1. الفترة الأولى (632-661) العصر الذهبي: نموذج المدينة ـ مكة للجماعة الاسلامية الأصلية.

2. الفترة الثانية (661-750) الخلافة الأموية: نموذج دمشق للامبراطورية العربية.

3. الفترة الثالثة (750-1258) الخلافة العباسية: نموذج بغداد الكلاسيكي للاسلام كدين عالمي.

4. الفترة الرابعة (القرن الثالث عشر): توسع النظم والقوانين الصوفية: نموذج الأمة والصوفيين.

5. الفترة الخامسة: (القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر): الامبراطورية العثمانية التركية: استانبول، والامبراطورية الصفوية الفارسية: اصفهان، والامبراطورية المغولية الهندية: أغرا- دلهي، نموذج التحديث.

6. الفترة السادسة: (القرن السابع عشر حتى القرن العشرين): نموذج الهجوم المضاد الأوروبي المعاصر (ما بعد الحداثة ؟)

ويعتقد المؤلف انه لا يمكن ان يكون هناك سلام بين البلدان بدون سلام بين الأديان. ولا سلام بين الأديان بدون حوار بين الأديان. ولا حوار بين الديان بدون بحث في أسس الأديان.

ويصف كونغ هدفه الأساسي من كتابة مؤلفه، بقوله: «أكتب هذا الكتاب كمؤرخ ثقافي أو كاتب في مجال الدين أو السياسة أو القانون. اكتب على هذا الأساس لمساعدة الناس على المشاركة في الحوار بين الحضارة والدين والشعوب كي يدرك أفرادها وضع العالم على نحو أفضل ويتجاوبون معه على نحو أفضل سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين أو علمانيين أو سياسيين أو في قطاع الأعمال أو صناع ثقافة أو معلمين أو رجال دين أو طلاب».

ويعتقد كونغ ان الإسلام والمسيحية مرتبطان مصيريا ببعضهما بعضا، وان الله قدّر للديانتين ان تصبحا طريقة خلاص لملايين من البشر.

كونغ لا يقبل فقط الإسلام كونه الدين الإبراهيمي الثالث وانه الأكثر أتباعا بعد المسيحية، إنما يأمل أيضا في ان يحتل المرتبة الأولى يوما ما. لكنه يؤمن أيضا بأنه يجب خلق مناخ ايجابي لدعوة العلمانيين للانضمام إليه. وفي خاتمة الكتاب جاء: «لا يوجد سلام بين الشعوب ما لم يكن هناك سلام بين الأديان. ليس هناك سلام بين الأديان بدون حوار بينها. ولن يكون هناك حوار بينها بدون وجود نظام أخلاقي كوني، ولن يستمر الكون بدون نظام أخلاقي كوني يدعمه المتدينون وغير المتدينين على حد سواء (ص: 661-662).

لكن كتاب كونغ، الذي يتناول الإسلام، استخدم كل المصادر ما عدا القرآن، وبدلا عن استخدام القرآن مباشرة استخدم ترجمة ألمانية للقرآن. كما انه استخدم الكثير من المراجع والمصادر دون توضيح في الحاشية. ويبقى أن نقول كونغ ادخل نهجا جديدا لدراسة الإسلام، ويكفيه ذلك فخراً.