محمد عمر خليل يعود بلوحاته إلى الخرطوم بعد غياب 3 عقود

TT

الشتاء في الخرطوم، هو موسم عودة الطيور المهاجرة إلى أرض النيل والصحراء، كما يقول الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم. إذ تزدحم المؤسسات الثقافية ببرامج كثيفة، من محاضرات وندوات وأفلام وعروض تشكيلية، لأسماء مهاجرة تمتد شرقا وغرباً على مدى الكرة الأرضية.

ومن الأسماء الشهيرة التي حطت في الخرطوم هذا الموسم، التشكيلي المعروف محمد عمر خليل. فقد اقام معرضاً في «المركز الثقافي الفرنسي»، بعد غياب طال ثلاثة عقود في الولايات المتحدة الأمريكية. وشهدت صالة العرض ازدحام طلاب الفنان ومعجبيه والجمهور المهتم، من الذين كانوا يتابعون نشاطاته الفنية عبر الصحف الأجنبية والإنترنت. لوحات بمختلف الأحجام، يظهر عليها تأثر الفنان بمقر إقامته، فهي تحمل أسماء مثل «بوتسا» و«هارلم»، يغلب عليها اللونان الأسود والأبيض، ويستخدم فيها الكولاج وطوابع البريد والأختام وقصاصات الصحف. وقد نالت لوحاته إعجاب الكثيرين. وعلق الشاعر أدونيس على لوحاته فى مقالة سماها الإشراق الأسود بقوله: «إن خليل لا يتخذ من الواقع إلا بعض أطيافه، ممثلة فى بعض الأشياء المادية العرضية، لا المجرد ولا المحسوس، بل الخيوط التى تنسجها الذاكرة المبطنة بالحلم، والتى تجمع بينهما في تآلف، يرمي كل منهما في أحضان الآخر مساحة من الرماد الأسود الأبيض، محفوفا بهالات الضوء والظل. لا تزول عن المحسوس ملامح المرئي، ولا يفقد المجرد علامة اللامرئي، ماء كأنه السراب، سراب كأنه الماء!».

أما أعمال عمر خليل التى يغلب عليها الطابع السوريالي فيصفها أدونيس بأنها «ليست اللقاء الطارئ على طاولة بين مظلة وآلة للخياطة ـ كما يكتب لوترياون ـ بل انه الجمال الصوفي الذى ينشأ من اللقاء بين الجناح والهاوية، أو النار والماء أو الصخر والموج».

ولد محمد عمر خليل بالسودان عام 1936، وتخرج من كلية الفنون الجميلة بالخرطوم عام 1959، بعدها انتقل الى فلورنسا بإيطاليا حيث درس فن الجداريات، وقام بتطوير مهاراته فى الطباعة. يعيش فى نيويورك منذ أكثر من ثلاثين عاما، وقام بالتدريس في العديد من المؤسسات التعليمية كجامعة نيويورك وجامعة كولومبيا ومعهد برات وجامعة نيوكاسل. ولمهارته الفائقة في فن الطباعة، قام بطباعة العديد من اللوحات لكبار مشاهير الفنون مثل لويس نيفيلسون، وجيم دين، وتمثل أعماله جزءاً من المقتنيات الخاصة والعامة للكثير من الأفراد والمؤسسات كمتحف ميتروبوليتان بنيويورك، والمكتبة القومية بباريس، ومتحف غرونوبل بفرنسا، ومعهد العالم العربي بباريس، ومتحف الفن الحديث بأوساكا اليابان، والمتحف القومي الأردني، ومتحف الفن الحديث ببغداد، والمتحف القومي للفنون الأفريقية بواشنطن.

لم يمكث عمر خليل أكثر من أسبوع بالخرطوم، وغادر الى مقره خلف المحيط، حيث أحلام الناشئة والمخضرمين من الفنانين السودانيين، بعضهم ينجح ويترك البلاد تتحسر في انتظار أوبتهم كل بضعة عقود. ويبقى السؤال لو بقي هؤلاء في أوطانهم، هل كانوا سيحققون نفس النجاح والشهرة؟!