«نايبول» يفتح النار على كتاب العالم و«والكوت» يتهمه بالعنصرية وعقدة الاضطهاد

ملاكمة أدبية من وزن «نوبل»

فيديادر سوراجبراساد نيبول
TT

اثنان من الكتاب، كلاهما يحمل جائزة نوبل، وكلاهما ينتمي إلى منطقة الكاريبي، ولكنهما يختلفان، فكرياً، اختلافاً كبيراً. على صفحات الصحف العالمية كانت هذه المنازلة التي مثل أحد طرفيها كاتب هو «نايبول»، والطرف الثاني شاعر هو «والكوت». هاجم نايبول كعادته بضراوة ودافع والكوت برقة لا تقل ضراواة.

القرية الصغيرة التي في وست أنغلاند التي يعيش فيها نايبول، لا تظهر على أية خارطة من خرائط العالم، حتى أكثرها تفصيلا، وليست هناك أية علامات على الطريق تشير إلى مكانها، فلا بد إذا أردت الوصول إليها أن تذهب برفقة شخص يعرف مكان وجودها. ورغم هذا، فإن نايبول يعتبر في هذه القرية الصغيرة غريبا، يعيش في بيت صغير يشبه الأكواخ.

في بداية ستينات القرن الماضي، عندما ذهب نايبول لأول مرة إلى الهند كان يعتبر أيضا غريبا، وهو يقول: «يعتبرونني غريبا في أية قرية ريفية أزورها»، وهو يقول: «عندما كنت أدخل أي محل كانوا يتعاملون معي على أنني غريب، وعندما أدرك أنني لست كذلك تصيبني خيبة أمل. في تلك الحالة فقط أحس بأنه أصبح يتوجب علي أن أعيد فحص شخصيتي». اسمه بالكامل فيديادهار سوراجبراساد نايبول، مولود عام 1932 من أسرة بها 7 أولاد، في جماعة هندية متجذرة الأصول الهندية في أرياف ترينيداد. أصبح وقد أكمل خمسة وسبعين عاما من عمره أكثر وداً ووداعة، ولا يكف عن الابتسام كلما دخلت زوجته «نادرة» الغرفة.

في الخمسينيات كتب لأمه رسالة من أكسفورد يقول: «هذا البلد مليء بالأحكام العنصرية المسبقة». كانت هذا الرسالة رداً على رسالة من أمه قالت له فيها: «لا تتزوج فتاة بيضاء إذا سمحت».

من بين الكتاب الملونين كان نايبول، الأول بين معاصريه الذي رفض منصبا سياسيا يعتمد على مسائل عنصرية. في كتابه «اغتيالات في ترينيداد»، وهو عمل رائع راق عن مايكل دي فريتاس المعروف باسم «مايكل X» والذي أصبح في الستينيات رمزاً لزعماء السود في لندن، انتقد نايبول الليبراليين البيض من أصحاب الحظوة الذين يحتقرون المجتمع الذي يمنحهم هذه الحظوة. كان مايكل يذهب إلى ضواحي لندن لكي يحصل الإيجارات لصالح الملاك وذهب إلى ترينيداد لكي يكون جماعة، تم اغتيال بعض أفرادها فيما بعد. الآن يقول نايبول إن «رجال عالم الموضة في لندن يلهون باللعب مع الصبية السود». الدراسة التي نشرت عام 1974، ارتكز عليها نايبول في كتابه روايته «العصابات المسلحة» والذي مثلت فيه شخصية «جيمي» مايكل إكس. يقول نايبول: «الناس تحب أن تحس بأنها ضحية، بدلا من أن تفكر بعمق في الموقف ككل، في التاريخ، في الجماعة العرقية التي تنتمي إليها، في سلوك كل فرد. عندما نحس بأننا ضحايا نظن أننا قطعنا نصف الطريق، من وجهة النظر الفكرية».

ورغم أن نايبول يعتبر نفسه رجلا بلا وطن، إلا أنه يحاول أن يعثر لنفسه على جغرافيا خاصة به. وهو يعترف بأنه كان من المحظوظين عندما بدأ كاتبا ضمن مجموعة كتاب الكاريبي الذين وصلوا إلى ذروة شهرتهم في خمسينات وستينات القرن الماضي (من بينهم جورج لامنج الذي انتقل من باربادوس إلى إنجلترا في نفس عمر نايبول، وصمويل سيلفون من ترنيداد ودريك والكوت من سانتا لوتشيا). وهو يحس بأنه محظوظ تحديدا لانتمائه إلى «هذا الشيء الجديد». ولكن هؤلاء الكتاب كما يقول، فقدوا شيئا فشيئا شعبيتهم وأصبحوا معزولين من جديد.

يستثنى من هؤلاء والكوت الذي خصص له أولى الدراسات الخمس التي ضمها كتابه الأخير «شعب الكاتب». هذه هي المرة الأولى التي يكتب فيها نايبول عن رفيقه الكاتب الكاريبي الشهير. في دراسته يتحدث نايبول عن ديوان يضم 25 قصيدة نشرها والكوت عام 1949 على نفقته في دار نشر من باربادوس. يبدأ نايبول بتذكر الحماس الذي يثيره نشر كتاب من أديب محلي في جزر الهند الغربية. ووالكوت هو النموذج الذي يقدره نايبول أفضل تقدير في الأدب، فهو كما يقول «طريقة جديدة للرؤية». يقول نايبول عن والكوت: «لقد تأثرت بشدة عندما قرأت مناظر طبيعية وصفها قلم موهوب موهبة كبيرة. إنني عندما قرأت هذه القصائد أدركت لماذا كان بوشكين على هذا القدر من الأهمية بالنسبة للروس».

إن نايبول يعتبر هذا الديوان الصغير عزيزاً على قلبه، لأنه يمثل له ذكريات لا تنسى لفترة من فترات حياته.

ولكن في منتصف الدراسة يقرر نايبول إن الشاب المتألق قد تحول إلى شيء أقل تألقا من وجهة نظره: «صوت أسود جديد جميل في الولايات المتحدة.. نقلوه من الجزر لكي يدرس في الجامعات الأمريكية». وبعد إعادة تحليل هذا العمل لوالكوت وصل نايبول إلى نتيجة مؤداها أنه أصبح ينضم إلى تراث أدب «الشكوى» و«الغضب» ضد البيض، وهو التعبير المهذب عن عقدة الاضطهاد التي يتهم بها الكتاب الذين لا يكفون عن الشكوى من العنصرية. فجأة انضم والكوت إلى جيش الكتاب الذي ينهلون من «الأفكار نفسها المتواترة عن السود، عن العذابات التي يغرقون فيها دائما».

في كتاب نايبول يذكر عددا كبيرا من الكتاب، من كامي إلى كويتزي، والذين «وقعوا جميعا في فخ القضايا العنصرية مع ما يترتب على ذلك من الميل إلى الظهور بالمظهر المثالي».

ولم يسكت والكوت على هذا الهجوم، ورد عليه، برقة شاعر، وبضراوة ملاكم، إذ أنه يثني عليه ثناء كبيرا، وعلى أسلوبه الجميل في الرواية، ولكنه كما فعل صديقه الكاريبي ينتفض فجأة ليسدد له لكمة انتقادية صميمة، فهو يتهمه صراحة بالعنصرية، ويدين «خصومته للزنوج» ويصفها بأنها «مثل جميع الأحكام المسبقة، موقف جسدي يدين قائله أكثر مما يصم المقصود به».

ويرد نايبول عليه بعد تأمل قائلا: «إنها مسألة حساسة. عندما تولد في بلد مثل ترينيداد، حيث توجد مجموعتان أساسيتان، آسيوية وزنجية، فلا بد من أن تصنف على أساس عنصري. ولابد أن تقبل هذا التصنيف. إن رفض الهوية العنصرية لا معنى له. أعتقد أنني في كل كتاباتي يوجد هذا القبول للهوية مهما كانت. لم أتكلم مطلقا بشكل سيئ عن أي شيء آخر». في الأعوام الأخيرة كان نايبول مثار ضجة في الصحف العالمية، بسبب هجومه على كتاب مثل فورستر وباول، وغيرهم، والسبب المتكرر لنقده العنيف للأعمال الأدبية التي ظهرت مؤخراً لكبار الكتاب، هو عجزهم عن التجديد وانغلاقهم في أطر جاهزة يسجنون فيها إبداعهم.

ويطلق نايبول النار على رواية شينوا اتشيبي الشهيرة «الأشياء تتداعى» التي يقول عنها «رواية مريعة، إنها نوع من الكتب التي يتحدث الناس عنها كثيرا من دون أن يتفكروا فيها. عمل بدائي عن أناس بدائيين.. عمل محدود جداً.. كل هذه الأشياء، مثل وصف تعاقب الفصول والطقوس يمكن أن يتم مرة واحدة، ولكن ليس باستمرار».

يرى نايبول أنه «لم يصدر حتى الآن كتاب عن أفريقيا يمكنه أن يصف أفريقيا حقا، أن يقدم حقيقتها، أن يشرح كيف وصلت إلى هذا الحد من الفوضى؟ لقد توقف الجميع عند «السحر الأفريقي القديم».

ناييول يرفض أن يكون متأثرا بأي كاتب آخر، ويقول إنه اعتمد على نفسه فقط في تكوينه الأدبي، ولم يأخذ من غيره شيئاً، وكل ما قدمه كان جديدا. أما الكاتب الأثير لديه الآن فهو غي دو موباسان، وقد اكتشفه متأخرا كما يقول، فقد قرأه قبل عدة سنوات أثناء فترة كان فيها مريضا. ورغم أنه كان مبهورا به إلا أنه لم يؤثر عليه في شيء.

ويحكي نايبول أنه في عام 1955 عندما حمل أولى رواياته للناشر، كان قد اشترى كتابا لسومرست موم «لكي أعرف ماذا يمكن أن يعلمني أستاذ الرواية بحيث تكون لدي إمكانية أن أعيد كتابة روايتي قبل تسليمها للناشر. ولكن لم يحدث أي شيء».

أخيرا يؤكد نايبول على أنه «رجل يطفو»، والرجل الذي يطفو ينبغي أن يبحث لنفسه عن أرض، وبما أن الكتاب الأوروبيين لديهم مادتهم الخاصة، فإنه يجب أن يجعل السؤال الماثل أمامه دائما، باعتباره كاتبا مهاجراً طامحاً، من بلدة بعيدة ومختلفة: «ما هي المادة الخاصة بي أنا؟».

ف. س. نايبول، ولد في شاجواناس بترينيداد عام 1932. مؤلف العديد من الدراسات والروايات منها «أشباه السحرة» و«بيت للسيد بيزواس» و«أوفياء للغاية» و«جو من العتمة» و«شارع في العالم»، وفاز عام 2001 بجائزة نوبل.

ديريك والكوت، ولد في كاستريس بسانتا لوتشيا عام 1930 ثم انتقل إلى بوسطن للتدريس في هارفارد. في عام 1992 فاز بجائزة نوبل للآداب. من بين كتبه «هوميروس» و«خارطة العالم الجديد».