تبا لأغاني «الهيب هوب» إنها قذرة

هجوم من اليمين المحافظ ورجال الدين على الموسيقى السوداء التي تفسد الأخلاق

TT

هل أغاني الهيب هوب عنصرية؟ وهل أهم شيء هو لون المغني؟ أم كلمات الاغنية؟ أم هي الموسيقى؟ ولماذا يردد عشرات الملايين من البيض أغاني الهيب هوب السوداء، على ما فيها من شتائم، وجنس، وتمجيد للسود، وهجوم على البيض؟

رغم نهاية قوانين التفرقة العنصرية في أميركا، قبل نصف قرن تقريبا، تبقى في اعماق كثير من البيض شكوك نحو السود. أضف إلى ذلك، عامل الخوف منهم، بسبب كثرة الجريمة، والجهل، والفقر، والمخدرات وسطهم.

لكن تلعب الموسيقى، مثل الرياضة، دوراً في تكسير الحواجز العرقية، والجغرافية، والتاريخية. ولهذا، يعتبر إقبال البيض على أغاني السود انفتاحاً من جانبهم. لكن، بعض السود يستغربون كيف يحب البيض أغانيهم ولا يحبونهم. أضف إلى ذلك أن أغاني الهيب هوب، بخلفياتها الثقافية المعقدة، لم تعد شأناً اميركياً داخلياً، بعد أن أصبحت فتنة الشباب، في شتى بقاع العالم. فأي غابة من التساؤلات تخفي هذه الأغنيات الصاخبة التي تغري سكان الكوكب بسماعها والرقص على إيقاعاتها؟

قبل نصف قرن من ولادة أغاني الهيب هوب، ظهرت أغاني الروك آند روك. حذر كثير من الآباء والأمهات البيض أولادهم، حينها، من الاستماع اليها لأن كل الذين يغنونها كانوا من السود، وخافوا من تغلغل ثقافة هؤلاء في ثقافة البيض. ثم ظهر (الأبيض) الفيس بريسلي، ونشر أغاني الروك آند رول. واعترف بأنها زنجية. وسمى نفسه «الزنجي الأبيض»

* قنبلة في الضواحي

ما حدث للروك ان رول تعيشه أغاني الهيب هوب اليوم. فقد كتب وليام ويمسات كتاب «قنبلة في الضواحي»، قال فيه مهاجماً هذا النوع من الأغنيات ومحاولاً فهم سبب انتشارها: «صارت ثقافة الطبقة الوسطى ضحلة، وسطحية، فيها سأم وملل. صارت الحياة موضات، موضة تعقب أخرى. موضة الأكل الصيني، ثم موضة أغاني الهيب هوب، ثم موضة الأكل المكسيكي، ومن ثم موضة نظافة البيئة، وموضة كشف سرة البنات».

وأضاف: «لا أعرف هل أنا مع أغاني الهيب هوب، او ضدها. لكنني اعرف أن السود الذين يغنونها ليست عندهم قيم اخلاقية عالية، ليقلدها المعجبون والمعجبات. انهم يلبسون ملابس غريبة، ويتكلمون كلاما غير ذكي». انهم نوع من الهمج، وهم أنفسهم يعترفون بما يشبه ذلك. فهم يقولون:«لا تتوقعوا منا نصائح اخلاقية، ولا تهتدوا بنا. كل واحد منكم مسؤول عن نفسه».

وأشار الكاتب إلى أغنية «دو واتشولايك» (افعل ما تريد)، وقال انها شعار الهيب هوب، وهي تزيد الفردية، وتفكك العائلة، وتهدد المجتمع. وقال أيضا:«تغني أغاني الهيب هوب لأزمة الهوية، وهي نفسها تعاني منها، وجعلتنا نحن كلنا نعاني منها. وسأل: «ماذا حدث لحياتنا القديمة الجميلة؟ ماذا حدث لأغاني «سندريلا»؟ والحلم بالزواج والاطفال؟ والهدوء في العمل والبيت؟ والطواف حول العالم»؟

لم يسأل مؤلف الكتاب: «ماذا نفعل أمام ثقافة السود التي غزت ثقافة البيض»؟ لكن، واضح ان هذا هو ما يقصد.

* أغنيات تعكس أزمة هوية عند البيض والسود معا

لكن صحافياً أسود، ورئيس تحرير مجلة «سورس» (مصدر) الموسيقية، وأستاذ العلوم السياسية في «جامعة كنت»، اسمه باكاري كتوانا، ألّف كتاباً تحت عنوان «جيل الهيب هوب» قال فيه وكأنه يرد الاتهامات على اصحابها: «قلد البنات البيض، كشف السرة، ووضع الأولاد حلقات الأذن. لم يهتموا بأصل السرة، وأصل حلقات الأذن. لم يفكر البيض كثيرا في الموضوع، ولم يحللوه ويفلسفوه. وجدوها موسيقى جديدة تقلل من ملل الحياة، فتبنوها».

وأضاف:«ليس سراً ان الفردية، والاستقلالية، والابتعاد عن العائلة تخلق كثيراً من السأم والضجر. وان الضغط الاقتصادي يضعف العلاقات الانسانية. ولهذا يصير المرح متنفساً، ويحتاج الشخص لأن يمرح من دون ان يحلل ويفلسف».

وسأل:«لماذا يحب البيض موسيقى السود؟ طبعا، لا يريدون ان يكونوا سودا. لكن، هل يريدون ان يتصرفوا مثل السود؟ هل يعانون من مشكلة هوية»؟

* الموسيقى السوداء تفسد الأخلاق

أجاب، في الكتاب، شخصان أحدهما أسود والثاني أبيض:

اجاب «جاي زي»، مغني الهيب هوب الأسود بالقول: «الموسيقى شيء يحس، ولا يقرأ، ولا يلمس. وموسيقى الهيب هوب مثل الموسيقى الكلاسيكية، رغم أن فيها كلمات قاسية وصاخبة. لكنك، تضع سماعتك في أذنيك، وتغلق عينيك، وتعيش عالماً من الفانتازيا. يطل عليك عملاق عظيم، هو المغني، لا يؤذيك، ولا تؤذيه. كل شيء يصير روحانياً بينك وبين سماوات عليا. وبمجرد ان تخلع السماعة من أذنيك، تعود إلى عالم الواقع».

وأجاب الشاب الابيض جيرمي ميلار، الذي يسكن في ولاية نيو جيرسي، ويعمل في نيويورك، قائلاً، انه يمر، كل يوم، بمختلف قطاعات الناس: منازل الأغنياء في حي «كولونيا»، ومنازل الطبقة الوسطى في حي «وودبريدج»، ومنازل الفقراء، والمشردين والعاهرات في حي «ليندين». وخلال كل هذه الرحلة يسمع من راديو السيارة أغاني السود. لكنه لا يشعرها أغنيات للسود، أو لطبقة معينة، بل هي مرح وترفيه.

واعترف كتاب «جيل الهيب هوب» بأن هناك تناقضات في الموضوع:

اولاً: حب البيض لموسيقى السود، وفي نفس الوقت، عدم ارتياحهم للسود.

ثانيا: هجوم اليمين المحافظ ورجال الدين على الموسيقى السوداء لأنها في رأيهم تفسد الاخلاق، لكن في ذات الوقت هي موسيقى تزداد شعبيتها.

* نائب جورج بوش حذر من خطورة الهيب هوب

سنة 1992، في مؤتمر الحزب الجمهوري، انتقد دان كويل، نائب الرئيس بوش، أغاني الهيب هوب، وكانت في بداية ظهورها. وقال عن المغني تابوك شاكور:«ليس لهذه الموسيقى من مكان في مجتمعنا. وكان أسود من اصحاب السوابق قتل شرطياً ابيض في ولاية تكساس. ووجدت الشرطة داخل سيارة القاتل شريطاً لأغاني شاكور. ورغم انه لم تثبت أي صلة بين الجريمة والشريط (ناهيك عن صلة بين الجريمة والفنان)، ربط نائب الرئيس كويل بين الجريمة وأغاني الهيب هوب.

هل كان كويل يهتم بالقيم الاخلاقية الأميركية؟ أم كان يمهد للفوز في الانتخابات؟

بعد سنتين من كلام كويل، أصدر بيل بينيت، وزير في حكومة بوش، «كتاب الفضائل»، عن القيم الاخلاقية للشعب الاميركي، وانتقد أغاني الهيب هوب، وقال انها «قذرة». وبقي السؤال معلقاً، هل كان بينيت يهتم بالقيم الأخلاقية الأميركية، او كان يريد استرضاء المحافظين البيض؟

في كل الأحوال، صارت أغاني الهيب هوب وسيلة للمتعة والترفيه وفي نفس الوقت أداة لنقد السود، والإساءة إليهم.

* الخوف يفعل فعلته

لكن، هل موسيقى السود عنصرية؟ وإذا كانت كذلك، لماذا تقلدها اعداد كبيرة من البيض؟

قدم كتاب «الهروب نحو الخوف» الذي ألفه هاكي ماذوبوتي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة جاءت كالتالي:

أولاً: يحب الشباب البيض أغاني الهيب هوب مثلما أحب أجدادهم أغاني الروك آند رول.

ثانيا: لا يخاف الشباب البيض ان يصبحوا مثل السود اذا احبوا اغانيهم، لأنهم يثقون بأنفسهم، ولأن التأخر (او الهمجية) ليست عدوى.

قدم الكتاب هذه التفسيرات بعد ان قضى مؤلفه ثلاث سنوات يتجول في مختلف ولايات اميركا. قال له ولد ابيض:«نعم، أقلد السود، لكنه مجرد تقليد. أحب موسيقاهم، وحركاتهم، إنهم (كول). وقالت له بنت بيضاء:«وقعت في غرام موسيقى السود». وكتب مؤلف الكتاب معلقاً:«ربما ان البيض أذكى مما نعتقد، أو ربما أنهم لا يعانون من عقد نقص تجاه السود».

* تباين في الآراء بين جيلين: الشباب والشيوخ

لاحظ مؤلف «العرق والمكان والهيب هوب» ميوراي فورمان تبايناً بين آراء الصغار والكبار. فقد قال له شاب أبيض انه يعطف على السود عندما يسمع أغانيهم التي تشكو من حالهم، ومن التفرقة ضدهم، ومن مشاكل الجريمة والمخدرات وتفكك العائلة.

وروى له رجل أبيض عمره أكثر من ستين سنة، كان يعمل مدرباً لفريق بنات في كرة السلة، انه استقال بعد أن عاد مع الفريق في حافلة كان ميكروفونها يغني أغاني الهيب هوب والبنات البيضاوات يرقصن على أنغامها. قال الرجل:«لم اصدق أنهن يرقصن على أنغام كلمات مثل «عاهرة» و«كلبة» و«بنت كلبة». وأضاف:«ماذا حدث لأغاني الحب والسلام»؟

لكن رأي سيدة برجوازية بيضاء يذكر شهادتها فورمن في كتابه قد يحمل دلالة كبيرة، فهي تقول:«اعتقد اننا، البيضاوات في هذا الحي الهادئ الراقي، أكثر نساء العالم سعادة. لا أحتاج للعمل، لأن دخل زوجي كبير جداً، وتزيد قيمة منزلنا على نصف مليون دولار. زوجي مثالي، واولادنا مثاليون، يدرِّس كل واحد منهم مدرس خاص. نحن نحب الحياة والمرح، لكننا أحيانا، نراها مملة. لهذا نسمع أغاني الهيب هوب. وتضيف هذه الأميركية البيضاء: نعتقد في اعماقنا وفي سرية - رغم اننا لا نقول ذلك لبعضنا بعضا - اننا نحب في هذه الأغنيات الغضب العارم، والجنس الفاضح. نحس في أعماقنا، ان حياتنا مثالية، ونظيفة، ونقية، وانها هادئة أكثر مما يجب، ومنظمة اكثر مما يجب. نشعر، لهذا، انها تحتاج الى بعض الفوضى والانحلالية. لهذا نحب أغاني الهيب هوب.

* المراهقون لا يأبهون لكلمات الأغنيات

كتبت صحيفة «برادوك بير»، التي يصدرها تلاميذ مدرسة «ليك برادوك» الثانوية في بيرك، التي تقع في ولاية فرجينيا، وهي واحدة من ضواحي واشنطن العاصمة، على لسان تلميذة بيضاء:«ليس للموسيقى لون، أو عرق، أو أصل، او فصل. أنا أحب الهيب هوب «لا لأنها موسيقى سود، او بيض، وإنما لأنها موسيقى. أحب النغمات التي تلازم الكلمات، لكنني لا أفكر كثيراً في معناها. أحب النغمات، طالعة ونازلة، سهلة وممتنعة، عالية وخافتة. هذا ما احب، وهذا ما يطربني». واضافت:«نعم، ثمة كلمات قذرة في أغاني الهيب هوب وأوصاف تخدش حياء المرأة، وكلمات جنس، وإباحية. أفكر، أحيانا، في هذا، ويغضبني ويؤذي مشاعري، وقد يخدش حيائي كفتاة. لكنني، بصراحة، لا أركز على الكلمات».

هناك كلمات في أغاني الهيب هوب تدعو البنت لتخلع ملابسها، قطعة بعد قطعة، او ترقص بطريقة مثيرة، تبرز مؤخرتها، حركة بعد حركة، او تريد منها ان تكون خنوعة للرجل - لمجرد انها بنت - وتلبي طلبات الرجل ورغباته.

لكن، كما قال موضوع الصحيفة الطلابية:«لتذهب الكلمات الى الجحيم. أنا لا افهم اكثر من نصف الكلمات، وأعتقد انها، على اي حال، كلمات غير منسقة، وغير مرتبة».

هناك شيء آخر ربما لا يعرفه إلا الجيل الجديد، وهو ان أغاني الهيب هوب ليست كلها عن الجنس والعنف. هناك أغنيات عن الجلوس على البلاج وتأمل غروب الشمس، أو عن السير في متجر تجاري يداً في يد، وعن الطواف حول العالم في زورق شراعي، وحلم لطيف بعد يوم صاخب. يعني هذا ان بعض، او اغلبية، اغاني الهيب هوب عادية، او حياتية.

واضافت التلميذة البيضاء:«ليست كل اغاني الهيب هوب» عن المال، والبنات، والسيارات الفارهة. وعلى أي حال، هذه أشياء لا تهمني، ولا أفكر فيها كثيراً. من فضلكم، أريد أن أرقص، فاتركوني في حالي. سئمت من تقسيم الناس الى ألوان، وأشكال، وفلسفات، ونظريات، فقط أريد أن ارقص، فاتركوني».

* كلمة «نيغر»

* لا تذكر أغاني الهيب هوب إلا وتذكر كلمة «نيغر» (عبد) التي تكررها الكثير من الاغنيات. فما هو رأي السود؟ وما هو رأي البيض؟

تقول اغنية «المسيح يمشي على ماء» (اشارة الى مقاطع من الإنجيل):«عندما يسرق عبدٌ عقد رقبتك من رقبتك. عندما يسرق عبد سيارتك «ليكساس» الراقية من امام منزلك». كتبت صحافية سوداء تدعى راشيل هارمون، في جريدة «غارغويل»: «هذا شيء يدعو للتقزز... عصير قاذورات من الماضي يرفض أن ينسى الماضي». واضافت:«نعم، انخفضت العنصرية في أميركا كثيراً عما كانت عليه قبل مائة سنة، أو خمسين سنة. لكن، يصرّ مغنو الهيب هوب على أن يذكرونا بها». واضافت:«أعتقد انهم يشجعون التفرقة العنصرية. ليس ذلك فحسب، بل يسيؤون إلى أرواح آلاف السود، الذين شنقهم البيض لأنهم غازلوا بنات بيضاوات، وكان مصيرهم حبال تتدلى من أغصان الأشجار». لكن، كتبت «كاثرين» في صحيفة «برادوك بير» الثانوية:«أنا فتاة بيضاء، وأحس بالخجل لأني أصف نفسي حسب لوني. أود ان أعلق على موضوع انتشار كلمة «نيغر» (عبد) في أغاني الهيب هوب. أود أن أقول بأنني لا أهتم بكلمات هذه الاغاني، ولا بعدد المرات التي يردد فيها الفنانون هذه الكلمة بالذات». وكتبت بنت جامعية بيضاء في نفس صحيفة «غارغويل» في جامعة اللينوي:«اؤمن بأن الحياة مراحل. عندما كنت في الثانوية، كنت أحب أغاني الهيب هوب، بخيرها وشرها. لكننى كبرت الآن، وانتقلت إلى أغاني الروك آند رول. ولم اعد اهتم بكلمات بعينها. انتقلت من أغاني «الرفض» إلى أغاني «عش واترك غيرك يعيش». واضافت:«يحب البيض أغاني السود، لأنها تناسب مزاجاتهم. المراهقون يحبون الهيب هوب، لأن فيها رفضا، وتمردا. وجيل العشرينات والثلاثينات يحب الروك آند رول، لأن فيها صخبا ولهوا. وجيل الاربعينات والخمسينات يحب موسيقى الجاز لأن فيها تأملا وبطأً».

عرب ويهود يدخلون على الخط

يوجد تناقض بين آراء الآباء والأمهات، من جانب، والاولاد من جانب آخر، حول اغاني الهيب هوب. ينتقد الآباء والامهات الكلمات المسيئة، والتعابير القذرة، ويفضلون لو استمع اولادهم إلى «أغنيات نظيفة». ويفضل آباء وأمهات بيض لو ان أولادهم لا يستمعون إلى أغاني السود كلها. (ويهمس بعضهم لبعض بأنهم يخافون من السود، ومن جرائمهم، ومن تحرشاتهم الجنسية ببناتهم).

لكن، يقول آخرون ان الموسيقى، مثل الرياضة، تقوي العلاقات المتوترة بين الأعراق والأديان والأوطان. ويقولون ان أغاني الهيب هوب المتمردة، بالذات، وسيلة للشكوى من الظلم، ويضربون مثلا لذلك أغاني الهيب هوب في اسرائيل:

فمن جانب، يغني يعقوب شيموني (والده يهودي هاجر من تونس، وأمه يهودية هاجرت من إيران):«لم يولد ابن الكلب الذي سيهزم اسرائيل».

ومن الجانب الآخر، يغني تامر النفار الفلسطيني:«مين إرهابي»؟ كما يغني:« كل ما رحت أشوف حدود سجن الانسانية، ليه أطفال العالم حرة وأنا ما لي حرية»؟