مؤسسة غير متجانسة تتحكم بالسياسة الأميركية

باحثان أميركيان يدعوان إلى إجراء إصلاح في نظام تمويل الحملات الانتخابية

TT

«منذ نصف قرن واللوبي الإسرائيلي يئز مثل حشرة هائجة في اذان الرؤساء الأميركيين ورجال الكونغرس والأكاديميين والصحافيين». إن جهود المناصرين لإسرائيل في التأثير في السياسة الخارجية الأميركية، التي في جزء منها الضغط على السياسيين والإعلاميين، التي أدّت بواشنطن إلى أن تتخذ موقفاً محدداً في الشرق الأوسط - ليس أقلّها قرار اجتياح العراق - قد ألحقت الكثير من الأضرار بمصالح الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على حدٍ سواء».

هذه هي خلاصة أو جوهر الطروحات التي عرضاها الأكاديميّان الأميركيان جون ميرشايمر وستيفن وولت من جامعة هارفارد، في مقالات لهما نشرت عام 2006 على شبكة انترنت الجامعة وفي جريدة «لندن رفيو أوف بوكس»، ليوسعاها اليوم في كتاب تحت عنوان «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية».

لقد استخدم الكاتبان جون ميرشايمر وستيفن وولت، المكانة الرفيعة لجامعة هارفارد، وموقعهما كأستاذين مرموقين فيها لمهاجمة العلاقة بين أميركا وإسرائيل وتسمية القوى التي تساندها: اللوبي الإسرائيلي. واتهما، كالعادة، بمعاداتهما للساميّة، وأطلقت ضدّهما الاتهامات التي من السهولة أن يطلقها اللوبي على أي شخص ناقد للسياسات الإسرائيلية حتى لو كان بشكل معتدل.

ويرى ميرشايمر ووولت، بأن اللوبي الإسرائيلي، وهو مؤسسة غير متجانسة كما يقولان، قد استخدم ماليّته السنوية البالغة (40 - 60) مليونا من أجل دفع عجلة السياسة الاميركية لصالح إسرائيل، التي تلحق الضرر بالمصالح الأميركية القومية. وفي هذا الصدد يركّز الكاتبان على النقطة المركزيّة التي تفرد فيها أميركا موقعاً متميّزاً لإسرائيل، ودعمها الدعم المالي والسياسي المتزايد لإسرائيل الذي وصل إلى ثلاثة بلايين دولار سنويا.

هذا يعني أن هناك (500) دولار لكل فرد إسرائيلي مقابل (20) دولاراً من المساعدات الأميركية لكل مواطن مصري أو باكستاني، علماً بأن مصر وباكستان تعتبران لاعبين أساسيين مع الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.

إن الحجة المعهودة وراء كرم وسخاء أميركا غير الاعتيادي إزاء إسرائيل، هي نفسها دائماً: إن إسرائيل هي وحدها، في منطقة الشرق الأوسط المتفجّرة، التي تتفق والمفاهيم التي تحدد سياسات الولايات المتحدة الاميركية، وثانياً، إن قوّتها العسكرية هي أساس استراتيجي ومصدر دعم للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.

ويرد الكاتبان على كلا الادعائين بقولهما:«إن إسرائيل تشكل اليوم عائقاً أخلاقياً بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وهي عائق استراتيجي أيضاً، يغذّي الضغائن والحزازات التي تشحذ من احاسيس ومشاعر العرب والمسلمين في العالم ضد أميركا. غير أن لا أحد يعترف ويعلن ذلك».

ويرى الكاتبان أن السبب الحقيقي لمراعاة ومحاباة السياسيين الاميركيين لإسرائيل إلى هذا الحد، هو القوّة السياسية للوبي الإسرائيلي: «إن الديمقراطيين والجمهوريين على حدٍ سواء، يخشيان ضربات اللوبي ولا يجازفان بتخطي حاجز الإعلام. كلينتون، أوباما، رومني، مكّين - جميعهم اتفقوا على تطمين الناخبين والمانحين، وقبل كل شيء تطمين اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون العامة» وذلك بالتأكيد على «اننا نقف إلى جانب أصدقائنا وحلفائنا»، كما في كلمات هيلاري كلينتون، أو كما يقول مكّين «حينما يتعلق الأمر بالدفاع عن إسرائيل، فنحن، ببساطة، لا يمكننا أن نساوم».

لكن الكاتبين يوردان أيضاً اخفاقات للوبي اليهودي في إيقاف صفقات بيع الأسلحة إلى بعض البلدان العربية، وعجزه في الآونة الأخيرة عن منع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش من إعلانه دعم قيام دولة فلسطينيّة مستقلة ليكون بذلك أول رئيس أميركي يشير إلى هذا الموضوع بشكل علني.

في واحدٍ من فصول الكتاب المهمة، يتناول المؤلفان تركيبة هذا اللوبي الذي يضم أيضاً عناصر غير يهودية من المحافظين الجدد أو ما يطلق عليهم «الصهاينة المسيحيّون» الذين يقول عنهم دانييل بايبس «على خلاف قوات الدفاع الإسرائيلي، فإن الصهاينة المسيحيين الأميركيين ربما، يشكلون مصدر القوّة الأساس للاستراتيجية اليهودية».

وما يخلص إليه الكاتبان في تشخيصهما وتحليلهما للوبي الإسرائيلي، هو ضرورة إجراء إصلاح في نظام تمويل الحملات الانتخابية، وذلك لإعاقة قدرة اللوبي على التأثير فيه، رغم أنهما لا يجدان إلا أملاً يسيرا في إجراء مثل هذا الإصلاح من قبل المؤسسة السياسية: «إن تغيير المناخ الأخلاقي لتعامل الأميركيين مع إسرائيل وحاجاتها الدفاعية وإهمال تعهداتها للفلسطينيين لا يبدو على جدول أعمال الإدارة الأميركية المقبلة، لكن، ربما هناك على الأقل، تصوّر لهذا الموضوع في المستقبل».