«دار الجديد» تنبش ديوان الشاعر الجريء حسين مردان

TT

حسين مردان، شاعر عراقي لا يذكره الكثيرون، رغم أن ديوانه الأول الذي طبع عام 1949 أثار عند صدوره، عاصفة من النقد، وأحدث رجّة في الأوساط الأدبية في العراق، تجاوزته إلى عواصم أخرى مثل بيروت وباريس، وصولاً إلى لندن. هذا الديوان الجريء الذي حمل عنوان «قصائد عارية» أمرت الحكومة العراقية بمصادرته عام 1950، وتقديم الشاعر إلى المحاكم. واستمرت المحاكمة أكثر من شهر، وشكلت لجنة أدبية من كبار الكتاب للنظر فيه. فقررت اللجنة «ان ما جاء في ديوان الشاعر لا يشكل جريمة»، وعندها قررت المحكمة الإفراج عنه. لكن الضجة حول الديوان لم تهدأ، وظلت الصحف تكتب عن الشاعر وديوانه سنة كاملة، حتى إن جريدة «العالم العربي»، تقدمت برجاء خاص إلى الأدباء والنقاد أن يكفّوا عن الكتابة حول الشاعر وديوانه.

«دار الجديد» في بيروت، وضمن سلسلتها المشاكسة «طبق الأصل»، أعادت طباعة ذلك الديوان الذي نسيه الناس، مصدرة طبعتها هذه بمقدمة حول الملابسات التي أحاطت بصدور الكتاب، ومن ثم مقتطفات مما دار في تلك المحاكمة الشهيرة والمثيرة. ويأتي ديوان «قصائد عارية» في هذه السلسلة، بعد كتاب أدونيس «قالت الأرض» بنسخته الأصلية، التي كان أدونيس قد حذف منها عبارات صريحة توضح انتماءه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي حين ضمه إلى مجموعته الكاملة، ومن ثم أصدرت الدار ضمن السلسلة نفسها كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» بنسخته الأصلية أيضاً قبل التعديلات والحذف، إثر الاعتراضات التي تصدت له. وديوان حسين مردان بلغته الجميلة هو الثالث في السلسلة، ومن المفترض ألا يكون الأخير. يطالع حسين مردان قارئ ديوانه هذا بنص مماحك وساخر ومحذّر، يحضّر لما سيأتي بعده، إذ يقول مخاطباً القارئ:

«إني لأضحك ببلاهة عجيبة كلما تخيلت وجهك العزيز وقد استحال إلى علامة استفهام ضخمة.

وإني لأضحك ببلاهة أعجب كلما تصورتك وقد استبد بك الغضب فرميت بكتابي بحنق واشمئزاز وعلى شفتيك المرتجفتين ألف لعنة ولعنة.

ولكن ثق أنك لا تفضلني على الرغم من قذارتي، إلا بشيء واحدٍ، وهو أني أحيا عارياً بينما تحيا ساتراً ذاتك بألف قناع. فنصيحة مني أن لا تقدم على قراءة هذا الديوان إذا كنت تخشى حقيقتك، وتخاف رؤية الحيوان الرابض في أعماقك».

وعناوين القصائد الرشيقة والقصيرة والجامحة التي تأتي بعد هذه المقدمة التحذيرية، تشي بروح الديوان. فهناك مثلاً، «عواء»، «النشيد الحقير»، «عبادة القبح»، «العاصية»، «ميلاد الشيطان»، «لعنة إبليس» و«براكين».

ويقول في قصيدة «اللحن الأسود»

تهتز من هول اللهيب أضالعي

فكأنما بين الضلوع جهنم

يا من أكاد إذا التقت بعيونها

عيناي يأكلني الحنين الأعظم

ما بال وجهك كالحجارة جامداً

وعلام ثغرك عابس لا يبسم

آمنت بالحب الذي في خافقي

وكفرت بالحسن الذي لا يرحم

وقصائد حسين مردان، أثارت المتاعب حوله بدءاً من ديوانه الأول، فقد قضى عمره ما بين المنع والمصادرة. فحين طبع قصيدته «اللحن الأسود» في كرّاس خاص صادرته الحكومة وقدم إلى المحكمة، وعام 1951 أصدر كتابه «صور مرعبة» وهو نوع من النثر أطلق عليه الشاعر اسم «النثر المركز» صور فيه حياة الحشاشين ومتعاطي المخدرات، ونهاية سنة 1951 طبع قصيدته «رجل الضباب» في كراس خاص، وفي سنة 1952 أصدر رسالته «عزيزتي فلانة» وفي نهاية السنة نفسها، اعتقل، وقدم للمجلس العرفي العسكري، فحكم بكفالة على ألا ينشر كتاباً لمدة سنة، لكنه لم يتمكن من دفع الكفالة فبقي سنة في السجن. ثم عاد بعد ذلك للصحافة والتأليف، ونسي الناس، بمرور الوقت، هذا الشاعر المشاكس، شيئاً فشيئاً، لكن «دار الجديد» أرادت بطبعتها الجديدة لديوانه أن تعيد حسين مردان المتمرد الغاضب، إلى دائرة الضوء.