الجزائر تحتفي بروايتها الجديدة

بعد 20 سنة من ميلاد جيل 1988

الروائي كمال قرور لدى تسلمه جائزة مالك حداد من الناقدة يمنى العيد
TT

في الجزائر، حاليا، احتفاء غير مسبوق بالرواية الجديدة التي ظهرت بعد أحداث الخامس من اكتوبر (تشرين الأول) 1988، تلك الأحداث الفاصلة بين عهدين سياسيين، واتجاهين في الكتابة الروائية. وبعد حوالي 20 سنة من تلك الأحداث، جاء هذا الاحتفاء مع أهم جمعيتين تهتمان بالأدب، وهما «رابطة كتّاب الاختلاف» و«جمعية الجاحظية».

انضم في شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، إلى الساحة الأدبية الجزائرية روائيان جديدان، هما: كمال قرور صاحب «التراس.. ملحمة الفارس الذي اختفى»، وعبير شهرزاد صاحبة رواية «مفترق العصور»، الفائزان بجائزة مالك حداد للرواية التي تنظمها «رابطة كتّاب الاختلاف» برعاية جهات أخرى منذ ثماني سنوات. والجائزة التي تحمل اسم واحد من أهم الأسماء الروائية الجزائرية وهو مالك حداد الذي كتب باللغة الفرنسية وكان عاشقا للعربية رغم أنه لم يتمكن من إتقانها وقرر التوقف عن الكتابة نهائيا كموقف حضاري بعد استقلال الجزائر، وبقي في صمته الأدبي إلى أن توفي سنة 1978 نتيجة لحادث مروري مؤلم. ففي حفل بهيج بمبنى «المكتبة الوطنية الجزائرية»، تسلم الفائزان جائزتهما وفي اليوم التالي وقع كل منهما روايته الفائزة، بعد أن تم طبعهما بسرعة وصدرتا عن منشورات «الاختلاف» الجزائرية و«الدار العربية للعلوم» اللبنانية. ويبلغ عمر جائزة مالك حداد هذه، وهي أهم وأقدم جائزة جزائرية مخصصة لهذا الفن، ثمانية سنوات واستطاعت أن تقدم للساحة الروائية الجزائرية والعربية، سبعة روائيين لحد الآن. فالجائزة التي تنظم كل سنتين، فاز بدورتها الأولى مناصفة، إبراهيم سعدي عن عمله «بوح الرجل القادم من الظلام»، وياسمينة صالح عن «بحر الصمت» وطبع العملان الفائزان، وصدرا عن «دار الآداب» اللبنانية. ثم فاز بالدورة الثانية مناصفة عيسى شريّط بروايته «لاروكاد»، وإنعام بيوض برواية «السمك لا يبالي»، وصدرتا عن «دار الفارابي» اللبنانية. أما الدورة الثالثة من الجائزة، فقد فاز بها حسين علام وصدرت روايته الفائزة «خطوة في الجسد» عن «الدار العربية للعلوم» اللبنانية ومنشورات «الاختلاف الجزائرية».

يذكر أن الفائزين بجائزة مالك حداد تقدمهما الجائزة كروائيين لأول مرة، ولم يسبق لهم نشر روايات قبل فوزهم بالجائزة ما عدا إبراهيم سعيدي صاحب «بوح الرجل القادم من الظلام»، الذي بدأ الكتابة الروائية والنشر قبل أحداث أكتوبر (تشرين الأول) 1988م، لكنه تمكن من تجاوز نفسه وجدد خطابه الروائي وتقدم من جديد إلى الساحة الأدبية الجديدة حتى أصبح يعد من الروائيين الجدد. وهو المخضرم الذي انتمى إلى الجيل القديم مثلما ينتمي إلى الجيل الجديد.

وفي الوقت نفسه الذي قدمت فيه جائزة مالك حداد روائيان جديدان إلى الساحة الأدبية الجزائرية، بدأت «جمعية الجاحظية» التي يرأسها الطاهر وطار سلسلة الندوات الشهرية، انطلقت يوم 29 يناير (كانون الأول) الحالي، تتناول بالنقد والدراسة تجارب روائية للجيل الجديد. وقد سطرت الجمعية ست جلسات تتناول تجارب كل من حميد عبد القادر الكاتب الصحافي الذي عرف بروايتي «الانزلاق»، و«مرايا الخوف»، وعز الدين جلاوجي الكاتب المسرحي والروائي، إبراهيم سعدي الفائز بجائزة مالك حداد قبل سنوات، وبشير مفتي الروائي وأمين عام رابطة كتّاب الاختلاف، وجيلالي عمراني صاحب روايتي «المشاهد العارية»، و«عيون الليل»، وسفيان زدادقة الذي عرف بروايتي «كواليس القداسة» و«سادة المصير». وهي أصوات متعددة من الحساسية الأدبية الجديدة. وينشط تلك الندوات الشهرية نقاد أكاديميون من جهة وكتّاب من جهة ثانية. وحسب الروائي الطاهر وطار الذي يشرف الندوات، فإنه اختار طريقا ثالثا بين القراءة الإبداعية الحرة من جهة والدراسة الأكاديمية المحكمة من جهة ثانية. واختارت الجمعية من بين الروائيين الكثيرين الذين برزوا بعد سنة 1988، أولئك الذين لهم تراكم في الكتابة الروائية، ونشروا روايتين أو أكثر. ويأمل الطاهر وطار المحسوب على الجيل القديم، أن تكون تلك الندوات فرصة لتسليط الأضواء على التجارب الجديدة التي اشتكى أصحابها كثيراً من الإقصاء والتهميش، خاصة من قبل «الجيل الأدبي القديم»، الذي يعتبر وطار أحد رموزه. ومعروف ان الرواية الجزائرية التي كتبت بعد أحداث أكتوبر 1988 أحدثت قطيعة حقيقية مع الرواية التي كتبها الجيل السابق، المحسوب على «الواقعية الاشتراكية». لكن الجيل الجديد الذي نشأ وسط أحداث العنف الدموي المأساوي، لم يتمكن من طبع أعماله إلا بصعوبة بالغة، وقد فرض نفسه على الساحة بشكل واضح عندما تراجعت أزمة النشر الخانقة التي عرفتها البلاد منذ نهاية تسعينات القرن العشرين. والجيل الجديد الذي بدأ عدميا متمردا على كل شيء، سرعان ما تعددت الأصوات داخله، واستطاعت الكثير من التجارب فيه أن تفرض الاعتراف بها داخليا وخارجيا.

بعد عشرين سنة من أحداث 1988 التي أنجبت «الرواية الجزائرية الجديدة» يحتفى بهذه الرواية بطريقتين مختلفتين. فلئن كانت «رابطة كتّاب الاختلاف» التي أسسها بعض الكتّاب الجدد أنفسهم تواصل ترسيخها لهذه الحساسية الجديدة من خلال استمرار جائزة مالك حداد، فإن احتفاء «الجاحظية» ورئيسها الطاهر وطار بالكتابة الروائية «الصاعدة» هو الحدث. فالرواية الجديدة التي رفضتها المؤسسة الأدبية الرسمية في الجزائر بقوة أولاً، ثم تجاهلتها، جاء اليوم الذي يعاد لها الاعتبار. فهل ستكون 2008 هي سنة الرواية الجديدة في الجزائر؟