عودة مضادة إلى المربع الأول

الكاتب الأميركي وليم ستادين يكتب سيرة الملك فاروق

TT

يقول الكاتب الأميركي وليم ستادين، إن كتابة سيرة ملك مثل فاروق مثلت له تحديا كبيرا، فهو لم يترك وراءه دفتر يوميات، سواء وهو في الحكم أو في المنفى، وكان نادرا ما يكتب خطابا، وصديقه الوحيد لم يكن غير كهربائي القصر قليل الثقافة والمعرفة، وحتى أتباعه الآخرون القريبون منه لم يكونوا غير حراسه الألبان، وخدمه النوبيين، وأفراد مطبخ القصر. وجميع هؤلاء رحلوا ولم يترك أحد منهم أية مذكرات.

«هنا فقط في موكب جنازته في مارس 1965، شاهد العالم إرما كابيس مينوتولو، باعتبارها الملكة الثالثة. أشارت إرما إلى الصورة الفيلمية لموكب الجنازة الذي يخلو من عائلة رينيه أو عائلة أوناسيس وغيرهما من العائلات الثرية التي كانت صديقة لفاروق، فلم يكن الموكب يضم غير الناس الفقراء الذين كان فاروق طيبا وكريما معهم مثل جرسون في مقهى وسائق في حانة، وساكني المناطق الفقيرة في روما ونابولي الذين كانوا يفرحون لمقدم فاروق الذي كان يوزع النقود والطعام والثياب عليهم. أشارت إرما إلى رجل قعيد فوق كرسي متحرك كان يسير خلف الجنازة قائلة إن الملك فاروق أصر على أن يشتري لصاحبه هذا الكرسي وقدمه بنفسه حين علم باحتياجه له. هؤلاء هم الناس الذين تذكروا فاروق في يوم رحيله عن الدنيا، وهؤلاء هم أصدقاؤه»..

هكذا استهل الكاتب الأميركي وليم ستادين كتابه «فاروق ملك مصر..حياة لاهية وموت مأساوي»، الذي سارعت جريدة «الجمهورية» المصرية لنشره في أعقاب الضجة التي أثارها المسلسل الدرامي الذي عرض لسيرة الملك في شهر رمضان الفائت. الكتاب ترجمه أحمد هريدي رئيس تحرير مجلة «الشعر» المصرية. ونشرت في الكتاب، إلى جانب الترجمة، مجموعة من المقالات تحت عنوان «الملك فاروق.. وجهات نظر» لعدد من الكتّاب والمؤرخين المصريين، الذين استفزهم الجدل حول فاروق كما صوره المسلسل الدرامي، وأرادوا على ما يبدو ـ عبر كتاب ستادين ـ إعادة سيرة الملك الأخير إلى المربع الأول، إلى أدبيات الثورة وقراءتها للعهد الملكي وملكه الذي أسقطه الضباط الأحرار وأجبروه على الرحيل من مصر في يوليو (تموز) عام 1952.

وبين رؤية صحف التابلويد الأجنبية للملك فاروق بوصفه نموذجا لحياة البذخ والثراء والإسراف، والقيود التي كانت الصحافة المصرية تتعرض لها في ما يخص سيرته، لم يكن متاحا أمام ستادين سوى بعض التقارير الدبلوماسية البريطانية والأميركية التي تعرضت لأحداث متفرقة من حياة فاروق حتى أن المحاولات التي بذلها من أجل الإطلاع على أرشيف واشنطن اعتمادا على قانون حرية المعلومات، لم تسفر إلا عن معلومات ضئيلة. لم يكن أمام ستادين، إذاً، غير المصادر الشفاهية للمعلومات ممن عرفوا فاروق وعاشوا معه، الأمر الذي قاد ستادين إلى «سفر متصل لا يهدأ بحثاً عن معلومات من أشخاص انتموا إلى النظام الملكي القديم المنتشرين في أنحاء العالم، وكذلك من نساء عرفهن».

في الفصول الأولى من الكتاب يستهوي المؤلف السرد المستمر لعلاقات فاروق النسائية قبل خروجه من مصر وبعدها، فمن عشيقته مغنية الأوبرا الإيطالية إرما كابيس مينوتولو، التي انتشلها من شوارع نابولي ليقدمها إلى المجتمع الأرستقراطي الأوروبي، في ما يشبه قصة بيجماليون الشهيرة، مروراً بليللو بيرزاني، ثم الشقراء ماريا جاتي التي مات بجوارها في روما، والأميركية هاني شيلي، والأديبة البريطانية بربارا سكيلتون، واخيراً اليهودية ارين جونل خليلة فاروق الرسمية وأول فتاة عرفها في سن السادسة عشرة من عمره. تقول ارين إن فاروق أحبها بعد أن اخبره أبوه الملك فؤاد في إحدى جلساته معه «أن أفضل نساء في العالم هن النساء اليهوديات وبصفة خاصة عندما يكن مثقفات!».

يخصص ستادين فصولا عدة لشرح الموقف السياسي الذي عاشته مصر في ظل فاروق، الذي لم يكن بحسب المؤلف سوى قطعة شطرنج يلعب بها الإنجليز، إضافة إلى سيطرة أمه الملكة نازلي التي كانت هي مَن يختار له ملابسه، واختارت له زوجته أيضا. وربما كان للإذلال السياسي الذي كان فاروق يتعرض له من لامبسون، المندوب السامي البريطاني في مصر، إضافة إلى العار العائلي الذي لحقه من علاقة أمه بمعلمه احمد حسانين، وعدم إنجابه ذكراً يرث العرش، هي الأسباب الرئيسية التي جعلت فاروق شخصا لا يهمه إلا الاستغراق في المتع والملذات الحسية، كما يرى المؤلف.

ثم ينتقل إلى الوضع السياسي في ما بعد حرب 1948، ومقتل مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا، وزواج فاروق من ناريمان صادق واحتفالاته الأسطورية في أوروبا وإنجابه لولي عهده، وما تبع ذلك من حريق القاهرة ونشوب الثورة، وخيبة أمله من الأميركيين والإنجليز كونهم تقاعسوا عن مساعدته في القضاء على تمرد الضباط الأحرار. وينتقل المؤلف إلى أيام المنفى في أوروبا، وطلاق فاروق من ناريمان وعودتها إلى مصر، ثم يستعرض أحوال العائلة الملكية وملاحقة رجال الثورة لهم، والمحاكمات التي أقامتها الثورة لعهده، حيث كان فاروق الورقة الرابحة في كل محاكمة لكل من يريد دفع التهمة عنه.

وفي الفصل الأخير يحكي ستادين قصة موت فاروق ودفنه في روما ثم نقل جثمانه إلى القاهرة ليدفن بجوار إبراهيم باشا في إحدى المقابر الجماعية بعد رفض الرئيس عبد الناصر دفنه في مسجد الرفاعي ـ المقبرة الرسمية لعائلة محمد علي ـ وبحضور شقيقتيه فوزية وفايقة وأزواجهما ونفر قليل من الأسرة، إضافة إلى بعض رجال المخابرات المصرية. غير أن الرئيس السادات سمح في ما بعد بإعادة دفن فاروق في مسجد الرفاعي بجوار أبيه وجده.