لماذا تراجع اليسار الاشتراكي في البلدان العربية؟

كتاب عن الرأسمالية المعولمة وأزمة الأحزاب الآيديولوجية

TT

في الفصل الأول، وعنوانه: «العقيدة التدخلية وتطور العلاقات الدولية»، يعتبر المؤلف أن عقيدة المشاركة في النزاعات الوطنية تمثل شكلاً من أشكال تدويل الوظائف الحربية للمؤسسة العسكرية الأميركية، التي تطرح إشكالات وتساؤلات كثيرة، ومنها: هل تدفع العسكرية الأميركية وروحها الهجومية الى ظهور تحالفات عسكرية دولية جديدة؟ أم يعاد بناء الشرعية الدولية بما يتلاءم والمصالح القومية الأميركية؟ وما هي طبيعة الأغطية الحقوقية ـ السياسية التي تشكل المبررات الفعلية لتدويل النزاعات الوطنية؟

وجواباً على هذه التساؤلات، يحلل المؤلف بالاستناد الى مرتكزات عديدة، السمات الجديدة لمبدأ التدخل. وفي هذا السياق يتعرض لمجموعة كبيرة من الموضوعات، أبرزها:

ـ العولمة الرأسمالية وتدويل الوظيفة الأمنية وملامحه: تداخل المصالح الدولية ـ الوطنية، التداخل الوظيفي بين أمن الدولة وأمن الشركات الاحتكارية، خصخصة الأجهزة الأمنية ـ المخابراتية، ترابط الوظيفة الأمنية مع الوظيفة الآيديولوجية.

ـ وحدانية التحالف الأطلسي وتطور العلاقات الدولية، وأبرز ملامح انحسار الوظيفة الاقتصادية للدولة: تدويل الوظيفة الأمنية، تدويل الجيوش الوطنية، الشرعية الأطلسية وتوازن المصالح الدولية.

ـ تدويل النزاعات الوطنية والتدخل في الشؤون الداخلية ومسارات التفكك الوطني. وهنا يطرح تساؤلات مهمة أخرى، مثل: هل ان الاستعانة بالخارج تفضي الى تحولات ديمقراطية للحياة السياسية؟ وهل تفضي المساعدة الخارجية المرتبطة بالمصالح الاستراتيجية الى تعزيز الوحدة الوطنية؟.. وجواباً على ذلك، يتوقف بتفاصيل وافية عند التجربة المعاصرة التي أفرزها التدخل الأميركي في العراق.

ـ الشرعية الدولية واختلال مبدأ السيادة الوطنية، وما أنتجته التشكيلة الرأسمالية المعولمة من اشكالات اقتصادية واجتماعية وفكرية كثيرة، حاول اَيديولوجيو الرأسمال المعولم إحاطتها بشعارات صاخبة جذابة ترتكز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، كشفت التجربة خواء تلك الآيديولوجيا المناهضة لشمولية التطور الأمني الاقتصادي للبشرية، وعرت البنية الاجتماعية السياسية المولدة والحاضنة للعسكرة والإرهاب، باعتبارهما تجليات سياسية مرتبطة بحركة رأس المال المعولم. ومن هذا المنظور يتعرض المؤلف لإشكاليتي الدولة الرأسمالية ودبلوماسية القوة، والشرعية الوطنية والسياسات الدولية.

ـ التوسع الرأسمالي وتدويل الأزمات الوطنية، متعرضاً لموضوعتين مهمتين: وحدانية التطور الرأسمالي ومبدأ السيادة الوطنية، وتدويل الأزمات الوطنية وتأثيراتها على اآفاق تطور الصراعات الداخلية.

ـ العولمة الرأسمالية وفعالية التناقضات الوطنية، لافتاً الانتباه الى ما أنتجه التطور الجديد من التوسع الرأسمالي من مصاعب فكرية ـ سياسية لقوى اليسار الاشتراكي، تمثلت في ضبابية الرؤى الناقدة لتطورات العولمة الرأسمالية، من جهة، وانكفاء القوى اليسارية على همومها الوطنية، من جهة ثانية، مشيراً الى ما أثاره استخدام القوة العسكرية الخارجية في إسقاط الأنظمة الاستبدادية من سجالات فكرية صاخبة حول رؤى اليسار الاشتراكي تجاه أهدافه الإستراتيجية ونتائجه السياسية.

واقتراناً بذلك، يطرح المؤلف في الفصل الثاني، وعنوانه «العولمة الرأسمالية وهوية اليسار الفكرية» تساؤلات عديدة، من قبيل: هل ما زالت الأحزاب الاشتراكية محركاً من محركات التطور التأريخي لبلداننا العربية؟ وإذا كان الجواب إيجاباً، فما هي المنظومة الفكرية – السياسية القادرة على جعل تلك الأحزاب قاطرة من قاطرات التطور الاجتماعي؟

وفي معرض إجابته على هذه وغيرها من التساؤلات يشرح قضايا آَنية، ومنها: القاعدة الاجتماعية لأحزاب اليسار الاشتراكي، وركائزها الفكرية. ويناقش إشكالية الكونفيدرالية العربية بوصفها ضمانة ضد التهميش والإلحاق، والديمقراطية والعلاقات الدولية. ويستنتج الكاتب أن الرؤية الفكرية ـ السياسية القادرة على إعادة بناء أحزاب اليسار الاشتراكي في الطور الجديد من التوسع الرأسمالي، ونقلها الى مستوى القوة الشعبية الضامنة للتطور الديمقراطي اللاحق، تشترط التخلي عن الرؤية الايديولوجية المفعمة بالآمال المثالية المشرقة أو الانشداد الى الماضي المفعم بالبطولة الإنسانية، واستبدالها بسياسة ورؤى واقعية منبثقة من تغير العالم واشتداد النزعات العدوانية لرأس المال وجشعه المرتكز على نهب العالم بشعارات براقة زائفة.

وفي هذا السياق يتناول انحسار الفكر الاشتراكي والمنظومة السياسية لليسار الديمقراطي. ويكرس حيزاً وافياً لحوار قوى اليسار الديمقراطي وسمات العولمة الرأسمالية، شارحاً طبيعة الصراع والقوى المساندة له وللبديل القادم.

ومن بين الموضوعات الفكرية الجديدة، يطرح موضوعة العلاقات الدولية وتدويل النزاعات الطبقية. ويتوصل لاستنتاجات أن مقولة الصراع الطبقي لم تعد حاسمة في تحديد مسار التطور الوطني. فالصراعات الطبقية تحولت الى نزاعات اجتماعية متشابكة ذات مضامين وطنية وأممية. ويرى أن إقامة نظام العدالة الاجتماعية ـ عبر اقتصاد اشتراكي تعاوني أو اقتصاد مختلط ـ سيكون نتيجة للصراعات التي تفرضها الجبهة العالمية المناهضة لوحشية الليبرالية الجديدة. ويخلص الى ان الصراع الطبقي في الظروف التاريخية المعاصرة ينتقل من صراع وطني محلي الى صراع اجتماعي دولي بين الأغلبية المتضررة من النهج الرأسمالي، وبين القلة الرأسمالية الماسكة بالثروة والسلطة والمتحالفة دولياً.