الإنسان يمتلك أكثر من عقل

عندما نفكر فإننا نفكر بكل جوارحنا وليس من خلال جزء معين مرتبط بلحاء المخ

TT

لم يعد القول بأن حاصل الذكاء هو المقياس الوحيد للتفكير السليم أمرًا يعتد به؛ حيث إن هناك العديد من الكتّاب قد أبدعوا كتبًا للجدال في هذا القول وإثبات العكس، مثل «هوارد جاردنر» ـ أستاذ بجامعة «هارفارد» ـ والذي ذكر في كتابه «أطر العقل» عام 1985 أن الذكاء الإنساني لا يمكن قياسه من جانب واحد لأنه ذكاء متعدد الجوانب، وبهذا دخل في صراع فكري مع القائلين بالذكاء الواحد.

وقد حذا حذوه «دانيال جولمان» الذي أشار إلى «الذكاء الشعوري» عام 1995، ومن هنا فقد أكد على نظرية «هوارد جاردنر» لـ«ذكاء المتعدد». وفي عام 2005، تحدث «كارل ألبريتشت» عن «الذكاء الاجتماعي» على أنه بُعد من أبعاد الذكاء المتعدد ووصفه بأنه القدرة على التواصل مع الآخرين واكتساب مجموعة من المهارات التي تساعدك على التفاعل معهم بنجاح. وفي عام 2006، سار «دانيال جولمان» على هذا الأثر، وأصبحت فكرة «الذكاء المتعدد» أكثر قبولاً بين الناس بعد انتشار مفهومي «الذكاء الشعوري» و«الذكاء الاجتماعي». ومن هذا المنطلق، أدرك «كارل ألبريتشت» أن الخطوة التالية هي «الذكاء العملي» وهو كيفية تنمية المهارات التي يكتسبها المرء للتفكير بشكل أكثر فعالية وفي نفس الوقت مساعدة الآخرين على تحسين قدراتهم العقلية.

وفي الجزء الأول من كتابه «الذكاء العملي» (علم التفكير السليم وفنونه!)، يعرف «كارل ألبريتشت» هذا النوع من الذكاء بأنه أساس التفكير السليم والمنطقي، وهو جوهر المهارات التي نكتسبها في الحياة والعديد من العادات والعمليات العقلية التي نواجه من خلالها تحديات الحياة والفرص المختلفة، أي بمعنى آخر هو القدرة العقلية التي تدفعنا لمواجهة التحديات والفرص. وأول مبدأ من مبادئ «الذكاء العملي» يمكن اختصاره بالشكل التالي: «أن الإنسان عندما يفكر فإنه يفكر بكل جوارحه، وليس من خلال جزء معين مرتبط بلحاء المخ. وفي الواقع، لا يعتد بالمخ على أنه جهاز حاسب آلي بمفرده، بل أنه عضو حيوي وجزء لا يتجزأ من حاسب كبير ألا وهو الجسم بأسره». وهناك مبدأ جوهري آخر من مبادئ «الذكاء العملي» ألا وهو أن الإنسان «يمتلك أكثر من عقل»! ومن ثم، فإن «كارل ألبريتشت» لا يؤيد التقسيم الشائع للعقل بـ«الوعي» و«اللاوعي»، كما أنه يشير إلى كلمة «العقل» على انها دلالة على عدة وظائف عقلية يجريها المخ. ويلقي المبدأ الثالث للـ«الذكاء العملي» الضوء على فكرة أن الجوانب المتعددة للذكاء تعمل جميعها في آن واحد دون توقف.

وفي نهاية المطاف، يقول «كارل ألبريتشت»: إن القدرة على التفكير ومواكبة الواقع ومواجهة التحديات والفرص تقوم على حجم وثراء المخزون العقلي من الذكريات والخبرات والتجارب والمواقف التي واجهها الإنسان وتعامل معها من قبل. ومن ثم، يعتقد المؤلف إنه بإدراك مفهوم «الذكاء العملي» ومبادئه يمكن للإنسان تنمية هذا الجانب من جوانب الذكاء المتعددة التي يمتلكها ومساعدة الآخرين على تحسين قدراتهم العقلية وتنمية جوانب الذكاء المختلفة لديهم. وأخيرًا، يرى «كارل ألبريتشت» أن الإنسان يقع على كاهله تنمية ما يسميه بـ«المرونة العقلية» لإدراك الحقائق والتفكير بشكل سليم وحل المشكلات التي تواجهه وإقناع الآخرين بأفكاره والتعلم بشكل أكبر من الآراء والمعتقدات والمواقف والخبرات الموجودة في الحياة. وتعقيبًا على هذا الكتاب، يمكنا القول بأن الشخص يمتلك أكثر من ذكاء، ولكنه يمكنه الإبداع في مجال واحد.