الرجل العربي بطل الروايات الأميركية الجديدة

قصص حب من وحي الصحراء والتماعات النجوم على سجاد عجمي

: روايات أميركية رومانسية جديدة أبطالها عرب
TT

قبل أيام، بدأ الأميركيون - وخاصة الأميركيات - قراءة رواية رومانسية جديدة للروائية ليز فيلدنغ، (دار هارلكوين - تورنتو، كندا). تحكي الرواية قصة «زاهر الخطيب» (اسم خيالي)، من «ريشان» (اسم خيالي) زار واشنطن، وقابل «دايان»، سائقة سيارة أجرة، وخلال أيام، احبها، واحبته، وفكر في الزواج بها.  لكن، كيف يتزوج زعيم قبيلة عربية فخورة بنفسها، سائقة سيارة؟ وماذا يقول لأهله؟ حتى وإن كانت الحبيبة جميلة، غربية، و«متحضرة»؟  في نهاية الرواية، يعود زاهر إلى قبيلته التي أعدت له ابنة عمه ليتزوجها بها ويبقى قلبه مع «دايان».

العام الماضي، صدرت لنفس المؤلفة رواية بعنوان «قلب الشيخ»، تروي فيها حكاية «لوسي» الجميلة الشقراء التي قابلت «حنيف» (اسم خيالي) بعدما أصيبت في حادث، وتولى علاجها، واهتم بها، ووقع في غرامها.

الحرب ضد الارهاب

بعد هجوم 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن، وبداية الحرب ضد الإرهاب، وحرب العراق، زاد بشكل كبير ولافت، عدد الروايات التي تقصّ حكايات غرام وقعت بين شرقيين وغربيات، وخاصة بين عرب وأميركيات.  ربما تأدبا، أو إمعاناً في الخيال، لا تركز الروايات على عربي معين، ولا على دولة معينة، ولا على الاسلام والمسلمين، لكنها تستعمل اسم «الشيخ»، ليدل، دائما، على عربي.

وفي الجانب الآخر، هناك المرأة الأميركية، دائماً جميلة، و«متحضرة» طبعاً.

جيسيكا تايلور: وصفة لحبٍ «عربي- أميركي»

كتبت جيسيكا تايلور، أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة تورنتو (كندا)، بحثا عن مثل هذه الروايات في آخر أعداد مجلة «بوبيولار كلشر» أو (الأدب الشعبي) الأميركية، ولاحظت الآتي:

اولاً: يقع الحب بين عربي أسمر وأميركية بيضاء.

ثانياً: تتضمن العلاقة خليطاً من الواقع والخيال.

ثالثاً: تتحرك المعاني بين الاستشراق والرومانسية الغربية.

رابعاً: «تروض» الأميركية العربي و«تحضره».

خامساً: تواجه «الرجولة» الشرقية «الإثارة» الغربية وتنهزم أمامها.

وكتبت أيضا، عن الموضوع إيفلين باخ، مؤلفة كتابي: «الاستشراق والأنوثة»، و«الإثارة في رومانسيات الصحراء.» ولاحظت باخ ان المرأة الغربية، في هذه الروايات الرومانسية، ترى الشرقي مثيراً وغريباً، في نفس الوقت - يستعمل الأميركيون لفظة «إكسوتيك» لوصف ذلك - وترى الاميركية في العربي الرجولة المثيرة التي تفقدها في الأميركي. 

ولا تتعرف الأميركية، غالباً، في هذه الروايات على المرأة الشرقية، لهذا، فإن «الحرب» الواقعة هي بين رجولة العربي وإثارة المرأة الأميركية.

ايفلين باخ: امرأة متحضّرة ورجل بدائي

طرحت إيفلين باخ في إطار بحثها عدة أسئلة، فمثلاً: «ما هو سر هذه العلاقة بين السمر وشقراء الغرب؟ وبين غير متحضر ومتحضرة؟» ثم «كيف ساهمت خيالات الشرق في التأثير على خيالات المراة الغربية؟» وسألت باخ أيضاً «من يستعلي على من؟ أنثى الغرب المتحضر؟ أم رجل من الشرق البدائي؟»

ورأت باخ أن «الغربية ترى في الشرق الإثارة والغنج والدلع الذي فقدته، بسبب مئات السنين من التطور، والصناعة، والحضارة، والعلم، والتكنولوجيا.

لكن، إذا كانت الأميركية تعثر في بلاد العرب على الإثارة التي فقدتها في بلادها، فإن الرجل الأميركي يعثر بدوره على الرجولة التي يبدو انه فقدها بسبب منافسة المرأة له، او مساواتها معه، او فوزها عليه، في العمل، والشارع، والبيت.

لهذا، عندما تقرأ الأميركية هذه الروايات الرومانسية، تقرأ عن «هذه الحرب بين الغرب والشرق. بين رجولة الشرق واغراء الغرب. بين الأنا والآخر».

وتحدثت إيفلين باخ عن خلفية الموضوع التاريخية، وأشارت الى مرحلة الاستشراق، قائلة: «يعنى الاستشراق برؤية الغرب للشرق من وجهة نظر أجنبية، عابرة، ومتعالية. فقد درس المستشرقون الشرق من دون أن يدرسوا إمكانية التعايش والاختلاط بين النقيضين: المتحضر وغير المتحضر، الرجل والأنثى، الأسمر والبيضاء».

أهمل المستشرقون ذلك، وركزوا على اللوحات الفنية، وترجمة قصص «ألف ليلة وليلة»، ومغامرات الرجل الغربي (لا المرأة)، مثل لورنس العرب.  وتحاشى المستشرقون أي اختلاط بين المرأة الغربية والرجل الشرقي، وطبعا، تحاشوا أي اختلاط بين الرجل الغربي والمرأة الشرقية.

لهذا، فبالنسبة للأميركية التي تقرأ هذه الروايات الرومانسية، ترى فيها انتقاماً من إهمال المستشرقين لهذا الجانب العاطفي. والأميركية عندما تزور بلاد العرب، وتقابل العربيات، ترى عندهن الغنج، والدلع، والرقص الشرقي، وهز البطن، و«نعنشة« و«سكر بنات»، وربما تحسدهن في أعماقها. وعبّرت عن ذلك إيفلين باخ بالقول: «كأن المرأة الأميركية، تنظر الى نفسها في المرآة، وترى نقيضتها».

روايات ناصعة البياض

يجب ألا يقلل المرء من أهمية هذه الروايات الرومانسية في الثقافة الأميركية، وفي خيال المرأة الأميركية، ونظرتها الى العربي أو المرأة العربية. 

قالت كاثي لنتز، مؤلفة كتاب «مسرح الروايات: حقائق وأرقام»، إن أغلبية مؤلفات الروايات الرومانسية هن من النساء، وغالبية القارئات نساء. وتتلخص أغلبيتها في لقاء بين «رجل وامرأة، يتحابان، تبرز مشكلات، لكن، غالباً ما يسود الحب، وينتهي بسعادة أبدية».

من جانب آخر، يقلل آخرون من أهمية، او جدية، هذه الروايات الرومانسية، التي بدأت تنتشر، ويقولون إنها «كلام فارغ» و«خيال مراهقات» أو «أحلام بنات يبحثن عن الإثارة أو الزواج».

لكن اعتبرت جانيس رادواي، صاحبة كتاب «قراءة في الروايات الرومانسية» ان هذه الكتب تتوجه من امرأة إلى امرأة، وتتميز بخيال ينمو وسط واقع معقد، وتسعى المرأة - من خلالها - إلى الهرب من واقع فظ، كما أنها بشكلٍ لا واع تنتقم من الرجل الأميركي. 

ولاحظت الكاتبة ان هذه الروايات «تتجاهل الاختلافات العرقية والدينية بين البطل والبطلة، بهدف تحاشي المشاكل الواقعية، وانها موجهة من كاتبات بيضاوات البشرة إلى قارئات لهن نفس اللون، مما يجعلها كتابات ناصعة البياض».

خلفية تاريخية: الإيطالي فاليهودي

وبعدهما العربي

في القرن التاسع عشر، كان مجرد أن يكون بطل رواية رومانسية، مهاجر من ايطاليا فهذا يشكل «انقلاباً ثقافياً». والسبب هو أن النظرة نحو الايطاليين (الكاثوليك ذوي الشعور السوداء) كانت نظرة استعلاء. فمن جانب، عكست هذه الروايات صورة «الايطالي الجذاب». ومن جانب آخر، عكست «المافيا»، والفوضى، والكلام بصوت عال.

ومع نهاية القرن العشرين، ظهر البطل اليهودي، بدون إشارة مباشرة إلى يهوديته. ووصفت بعض الروايات أعياداً يهودية تشترك فيها، باحترام وتأدب، البطلة البيضاء المسيحية، وتسأل أسئلة «بريئة»، بدون أي جدل ديني، عن دور اليهود في صلب المسيح، مثلاً.

لكن، حتى اليوم، لا يوجد أسود إلى جانب شقراء على غلاف أي رواية رومانسية أميركية. وإن كان ثمة روايات تشير إلى سود، فهم لا يقعون في علاقات عاطفية مع بيضاوات، ومثلها الأفلام السينمائية، وأقراص الفيديو، ومواقع الانترنت.

فرغم اختفاء قوانين التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة، تظل نظرة البيض العامة نحو السود استعلائية. لهذا تتحاشى الروايات الرومانسية أي علاقة غرامية بين أسود وبيضاء. وهناك سبب آخر، وهو ان انطباع الأميركية العام (ستيريوتايب) عن الرجل الأسود هو انطباع جنسي أكثر منه عاطفيا، بينما انطباعها عن الرجل العربي انطباعاً عاطفياً، حسبما دلت الروايات الأخيرة.

ولهذا، تفضل القارئة الأميركية غراماً في الصحراء، تحت النجوم، على سجادة عجمية، داخل خيمة عربية، على غرام في الاحراش، وسط حيوانات متوحشة. تفضل العربي داخل عباءته الفضفاضة (فيه غموض وسحر) على أفريقي شبه عار. الأسود قريب منها في أميركا، لكنه «حرام»، والعربي بعيد، لكنه، مع ذلك، «ممكن». انه لقاء، تنتظر أن يحملها بعده على ظهر حصان عربي أبيض.

العربي مثير عاطفياً ورمانسي أيضاً

ليس البطل العربي في هذه الروايات أبيض وليس أسود، لكنه خليط من الاثنين، ويوصف أحيانا بانه «براون» (أسمر)، او «دارك» (غامق).

وفي سنة 1919، مع بداية صناعة الأفلام السينمائية في هوليوود، ظهر الفيلم الأميركي «الشيخ». ولأول مرة، عرفت الأميركية ان العربي مثير، وعاطفي ورومانسي.

كتبت راكيل اندرسون، مؤلفة كتاب: «خفقات القلب البنفسجي: ما يسمى أدب الحب»: «في سنة 1919، كان فيلم «الشيخ» أول من وضع الصحراء على الخريطة». وقالت: «هذه قصة امرأة بيضاء تحب رجلاً ربما أسود، وربما أسمر، لكنه ليس ابيض مثلها».

هذه إشارة إلى ان بطلة الرواية بريطانية ارستقراطية، والبطل (احمد بن حسن)  كان نصف أبيض ونصف أسمر، لأن أباه اسكتلندي وأمه عربية من اسبانيا.

لم تكن هذه صدفة، لأن انطباع الأميركي عن العربي كان (ولا يزال) «اقل حضارة» اذا لم يكن «بدائياً». لكن، ربما مع «الانفتاح» الجديد بين أميركا والعرب - المسلمين، بعد هجوم 11 سبتمبر، سيتغير هذا الانطباع تدريجياً.

أين المرأة العربية؟

وسألت جيسيكا تايلور: «أين المرأة العربية في هذه الروايات الرومانسية؟ لماذا البطل عربي والبطلة أميركية؟ وليس العكس؟»

وأجابت على اسئلتها كالآتي:

أولاً: «بصورة أو أخرى، لا تزال المرأة العربية في الحريم، بدون استقلالية. ولهذا فإن دورها في أي رواية رومانسية سيكون سلبياً».

ثانياً: «يجب ألا ننسى الجانب العرقي. تظل البيضاء أكثر حضارة من السمراء ومن الأسمر أيضاً». وكتبت: «يخطئ من يقول ان البطل العربي الأسمر، في أي رواية رومانسية أميركية، بمقدوره أن يهزم الأميركية البيضاء، ويمارس عليها استعلاءه. فهي التي تبادر وتغرو، وهي التي تسيطر، حتى وإن اعتقد العربي العكس».

وقالت: «الذي يقول ذلك لا يعرف البنت الأميركية».

درست جيسكا تايلور روايات رومانسية كثيرة عن العربي ، ولاحظت أن البطل يكبر البطلة بعشر سنوات تقريباً، ويتمتع البطل بأناقة، وثروة، وسلطة، فيه غموض، وسر خفيان، وهو خبير في شؤون الغرام.

لكنها قالت: «تأتي نقطة التحول في الرواية عند منتصفها، عندما تتعاكس الأدوار. تهزم الأميركية العربي عندما يعترف بحبه لها، فمجرد كلمة «آي لف يو» هي تنازل، وربما هزيمة من جانب العربي أمام الأميركية».

وقالت: «يعتقد العربي انه يغزو الأميركية، لكنها تغزوه، ويعتقد انه يستعمرها لكنها تستعمره. ولا ينتصر التأخر على الحضارة ابداً».

الأميركية تسأل: لماذا ترك بنات وطنه واختارني؟

اتفقت مع تايلور الكاتبة مريان فرينزيار في كتابها:«البطل والبطلة في الروايات الرومانسية الأميركية»، وقالت: «تنظر الغربية الى الشرقي في أعماق عينيه، وتحيط جسمه بيدها، وتريده لها وحدها. صحيح، في الرواية الرومانسية، تلعب الغربية دوراً ثانوياً. لكنها، في واقع الثقافة الغربية، تلعب الدور الرئيسي». وقالت ان ذلك شيء «طبيعي». لأن العربي غريب على الثقافة الأميركية، رغم انها ذهبت الى وطنه، وقابلته هناك. وطبعاً، إذا جاء هو الى وطنها، يكون غريباً، ويصبح خليطا من حبيب، وأجنبي، ولاجئ، في نفس الوقت، تحبه وتعطف عليه.

وقالت: «يزيد هذا عقدة الاستعلاء عند الأميركية. هي لا تسأله، لكنها تسأل نفسها: لماذا ترك وطنه وجاء الى وطني؟ لماذا ترك بنات وطنه واختارني؟ لا بد أنني أحسن منهن، ولا بد أنني أحسن منه». (هذا بالإضافة الى انها تقول دائما لنفسها، وليس له، إن أميركا أحسن من وطنه، بل وأحسن من أي وطن آخر). وقالت جيسيكا تايلور ان كل الروايات الرومانسية عن العربي والأميركية تصور العربي «منفصم الشخصية، وغير مفهوم. لا هو هنا، ولا هو هناك».

من الفائز؟ العربي أم الأميركية؟

كتبت جيسيكا تايلور ان هناك فرقا بين مفهوم الرجل ومفهوم المرأة لكلمات مثل «حب» و«انتصار» و«هزيمة»: أولاً: تميل هذه الروايات، المكتوبة بأقلام نساء، نحو ان تكون البطلة «محترمة». ربما تنهزم في البداية، لكنها تنتصر في النهاية، «انتصاراً نسائياً، لا يفهمه الرجل الذي ربما يعتقد انه هو الذي انتصر».

ثانيا: لأن أقوى سلاح عند المرأة الجميلة هو جمالها، لهذا تقدر على أن «تجعل أخطر، وأقوى، وأخشن، وأغنى رجل في العالم يركع تحت قدميها...»، ثم «تجبره على ان يعترف بقوتها كامرأة». وماذا بعد ذلك؟ يعترف بأنه يحبها، يتبنى ثقافتها، ثم يتجنس بجنسية وطنها. تحاول الأميركية تغيير «الوجه البدائي» لهذا الأسمر، بعد ان اكتشفت انه «نبيل في أعماقه». وتفرق بينه وبين ثقافة وطنه، وبينه وبين أصدقائه. صحيح، أنه لا يزال أجنبياً، لكنه «أجنبي تحت كفالتها».