أبو القنبلة النووية الباكستانية.. هل كان تاجراً في السوق السوداء؟

بفضله تحولت إيران إلى عمليات تخصيب اليورانيوم اعتبارا من منتصف التسعينات

TT

يعد هذا الكتاب الذي ألفه صحفيان بريطانيان بارزان اتهاما للقوى الغربية الرئيسية، وخصوصا الولايات المتحدة، بخداع العالم المزعوم حول البرنامج النووي السري لباكستان. وكلمة «تآمر» في عنوان الكتاب تلفت الأنظار الى ذلك على نحو أكثر وضوحا.

ومع ذلك فان هذا الكتاب ليس مجرد كتاب آخر مناهض للأميركيين يود بعض المثقفين الغربيين ان يمارسوا من خلاله الجلد الذاتي. وعلى الرغم من نيتهما المعلنة وبفضل البحث المضني يظهر المؤلفان انه ما من قوة على الأرض كان بوسعها ايقاف باكستان عن ضمان الردع إذا ما حصلت الهند على قدرات نووية عسكرية.

والشخصية الرئيسية في هذا الكتاب، التي تبدو أحيانا مثل شخصية الراوي، هو عبد القدير خان العالم الذي يعرف الآن بوصفه أبو القنبلة الذرية الباكستانية.

ويمكن للمرء ان يقرأ ويفسر شخصية عبد القدير خان المعقدة بطرق مختلفة. فعلى مستوى معين يبدو انتهازيا يخدم نفسه، مستعدا للكذب والخداع لتسلق السلم الاجتماعي. وعلى مستوى آخر يظهر كوطني باكستاني تواق الى ضمان التكافؤ العسكري لبلاده مع خصمها الأبدي الهند.

غير انه يمكن أيضا أن يرى المرء عبد القدير خان كشخص جشع في السوق السوداء باع اسرارا نووية لعدد من الدول المثيرة للجدل، وبينها كوريا الشمالية وبورما وليبيا، ناهيكم عن الجمهورية الاسلامية في طهران، مقابل الايداعات المالية في حساباته المصرفية السرية.

ومن المحتمل ان يكون عبد القدير قام بكل تلك الأشياء في أوقات مختلفة. غير ان ما هو مؤكد هو أن معاهدة حظر الانتشار النووي، التي صاغتها دول كانت قد اقامت ترسانة من الأسلحة النووية، لم يكن لها ان تمنع أي بلد من السعي الى الفاكهة المحرمة للعلم الحديث.

ومنذ ان جرى التوصل الى معاهدة حظر الانتشار النووي أواخر ستينات القرن الماضي أصبح عدد من الدول التي رفضت التوقيع عليها دولا نووية اذا جاز التعبير. وهذه الدول هي الصين وفرنسا واسرائيل والهند وباكستان. وقررت دول اخرى حصلت فعلا على قدرات عسكرية نووية أن تتخلى عن برامجها (وهي البرازيل والأرجنتين وليبيا وجنوب أفريقيا).

وفي الوقت الحالي تتهم ايران وكوريا الجنوبية بمحاولة تطوير أسلحة نووية. ويظهر الكتاب أن الدولتين تستفيدان من المساعدة التي قدمها عبد القدير خان لهما. والسؤال هو ما اذا كان العالم الباكستاني يتصرف وحده وفي اطار منفعته الشخصية وحدها أم أنه باع التكنولوجيا، مع بعض البرامج، بناء على توجيهات من رؤسائه السياسيين في اسلام آباد.

وحجم العمليات التي قام بها عبد القدير خان على مدى أكثر من عقد من الزمن كبير على نحو يجعل من المستحيل تصديق ان لا احد من الحكومة الباكستانية على علم بها.

ففي حالة ليبيا، أشار المؤلفان إلى ان العقيد معمر القذافي تطوع بتمويل إنتاج «قنبلة إسلامية» لباكستان عام 1971.

اما الجزء الأكثر إثارة للقلق في ما تناوله الكتاب فقد جاء في الفصول التي تناولت الإنتاج المحتمل لتكنولوجيا نووية لصالح جماعات إرهابية، خصوصا «القاعدة». وأورد المؤلفان هنا عددا من الأدلة الظرفية، بما في ذلك وثائق عثر عليها في مخابئ لتنظيم «القاعدة» في باكستان للتأكيد على حقيقة هذه المسألة. ليس سرا ان عددا من الشخصيات في جهاز الاستخبارات الباكستاني لا يزال متعاطفا مع تنظيم «القاعدة» وطالبان، ومن المحتمل ان يظلوا على صلة بدوائر الإرهابيين في المنطقة.

لعل الإنجاز الأكثر أهمية، وخطورة أيضا، بالنسبة لعبد القدير خان وفريقه هو التراجع الحاد في تكلفة صنع قنبلة ذرية. فقد اتبعت باكستان خطى الهند، في بادئ الأمر، سعيا لإنتاج قنبلة باستخدام البلوتونيوم. ووصلت تكلفة أول قنبلة أنتجتها الهند 1.2 مليار دولار في جانبي التصميم والإنتاج. إلا ان عبد القدير خان احتاج إلى مبلغ أقل من ذلك بكثير لإنتاج قنبلة باستخدام اليورانيوم. وقدرت تكلفة إنتاج قنبلة ذرية في إحدى المراحل بحوالي 60000 دولار، وهو مبلغ من السهل على أي منظمة إرهابية الحصول عليه.

وبفضل عبد القدير خان أيضا تحولت إيران إلى عمليات تخصيب اليورانيوم اعتبارا من منتصف التسعينات بعد ان بدأت بمشروع نووي باستخدام البلوتونيوم وشيدت مصنعا للمياه الثقيلة في آراك، غرب طهران. وتحول إيران إلى تخصيب اليورانيوم يعني انها ستحتاج إلى تكلفة مالية أقل بكثير من تقديراتها في البداية.

وفيما يحتوي الكتاب على قدر كبير من المعلومات حول مهنة وعمل عبد القدير خان وتورط السلطات الباكستانية المحتمل في بيع تكنولوجيا نووية إلى «دول مارقة»، لا يتضمن نفس القدر من التفاصيل والمعلومات فيما يتعلق بالتواطؤ المزعوم للرئيس برويز مشرف في حماية قادة «القاعدة»، خصوصا أسامة بن لادن.

ليس ثمة شك في ان النخبة الحاكمة في ظل نظام برويز مشرف كانت «مترددة» تجاه حركة طالبان لأسباب تتعلق بمصلحة باكستان الوطنية، إذ تعتقد إسلام آباد انها على الرغم من إنفاقها الكثير في إخراج السوفييت من أفغانستان إلا انها لم تعد في نهاية الأمر تتمتع بنفوذ في كابل. لذا، فإن العسكريين الباكستانيين يريدون الإبقاء على قنوات مفتوحة مع جزء على الأقل من طالبان كوسيلة لممارسة ضغوط على حكومة حميد كرزاي المعادية بصورة مفتوحة لباكستان. إلا ان ذلك لا يعني بأية حال ان أسامة بن لادن يقيم في الأراضي الباكستانية «تحت حماية الجيش الباكستاني»، حسبما أورد الكاتبان. أخطأ الكاتبان في وصف محافظة الحدود الشمالية الغربية بأنها منطقة «بلا قانون». (ربما يقصدان منطقة جنوب وزيرستان في المنطقة الفيدرالية).

يمكن القول ان الكتاب يحتوي على عدة رسائل رئيسية.

اولا، لم تعد معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية تعمل بينما اصبحت وكالة الطاقة النووية لا حاجة لها. ثانيا لا يمكن رفض امكانية وقوع اسلحة نووية في يد الارهابيين. واخيرا، تظل باكستان مكانا في غاية الخطورة، دولة يعتبر فيها الارهاب والانتشار النووي وتهريب المخدرات والحكم العسكري كوكتيلا خطيرا.

ويحذر ليف وسكوت كلارك قائلين «المسألة مسألة وقت قبل ان تجد موجة التطرف الاسلامية وزيادة الصادرات النووية الحالية سببا مشتركا وتحقق نواياها. هناك الكثير من الايديولوجيين والمفكرين والاستراتيجيين الاسلاميين الذين يعملون تجاه ذلك الهدف، ويوجد في اسلام اباد نظام ليست لديه اية لوائح او قوانين أو أهداف واضحة او قوانين أو خط يمكن طيه او اعادة تشكيله.»

وفي هذه النقطة الاخيرة، يبقى الامل في ان تساعد الانتخابات العامة التي ستعقد في 18 فبراير على تغيير الوضع بالتوصل الى انتخاب حكومة مدنية ديمقراطية قائمة على حكم القانون.