دليل عمل من أجل كسر الدائرة

باحثون ومختصون في دراسات عن الحروب اللبنانية

TT

هذا الكتاب هو مجموع دراسات وأوراق عمل قدمها باحثون مختصون، أغلبهم لبنانيون مقيمون أو مغتربون، في ندوة كان المركز قد نظمها في لبنان في أوائل يونيو (حزيران) 2006 تحت نفس العنوان الذي يحمله الكتاب، وترجمته: كسر الدائرة - الحروب الأهلية في لبنان» وأشرف على تحرير الكتاب وتبويب فصوله المتنوعة الدكتور يوسف شويري، وهو أستاذ متخصص في التاريخ يقوم حاليا بتدريس الدراسات الإسلامية في جامعة مانشستر.

وتسعى الأبحاث المنشورة إلى «إيجاد حل دائم للمشاكل المزمنة التي تعود الى التفاقم كل عقد أو عقدين من الزمان لتهدد المجتمع اللبناني بالتمزق والاقتتال». وتتعدد التوصيات وندوات العمل المقترحة بحسب منظار وخبرة كل مختص، وهي تتطرق الى نواح متعددة منها الشخصي كالمصالحة مع الذات والمصالحة مع الآخر، ومنها الوطني العام كإصلاح المناهج التربوية وتعزيز مفاهيم المواطنة، ومنها القانوني كالتعديلات المقترحة للنظام الانتخابي في لبنان واتفاق الطائف.

ويعتمد بعض الدارسين أسلوب طرح سؤال مهم في البدء ثم اعتماد منهج من البحث من أجل الإجابة عن هذا السؤال. الدكتور أحمد بيضون، الباحث وأستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، يسأل في مقدمة بحثه: «هل ان أحداث القرن التاسع عشر قد ولدت مجتمعا لا بد له من أن يعود الى الاقتتال؟». ويتساءل المحامي محمد مطر: «هل ان تعدد المذاهب الدينية في لبنان هو السبب؟». وفي الجزء الأخير من الكتاب يطرح الدكتور مايكل كير السؤال التالي: «ما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من تاريخ لبنان الحديث وظروفه السياسية»؟.

وقد أدرجت الأبحاث الثلاثة عشر التي يتألف منها الكتاب تحت ثلاثة أجزاء رئيسية هي، أولا، السياق التاريخي، وثانيا، ذكريات الحرب والمسامحة، وختاما السياسات الاصلاحية: برنامج عمل للمستقبل.

يبدأ الجزء الأول بفصل للدكتور أحمد بيضون الذي يخلص فيه الى أن كلا من الحروب الثلاث التي عصفت بلبنان يجب أن ينظر اليها ضمن السياق التاريخي التي حصلت فيه وليس على أساس أنها مقدمة لدائرة تالية من العنف.

هذه الحروب الثلاث، يتناولها بالتحليل، في الفصل الثاني من هذا الجزء، الدكتور يوسف شويري، ويقارنها مركّزا بالأكثر على الحربين الأخيرتين: حرب 1958 وحرب 1975-1990. ويهدف هذا التحليل التاريخي الى الكشف عن الأسباب الرئيسية التي دفعت الى هاتين الحربين، والمدة الزمنية التي استغرقتها كل منهما وكذلك النتائج التي انتهتا اليها. وقد توخت هذه الدراسة أن تتوصل بالتالي الى «تقييم موضوعي دقيق لكل من العوامل المحلية التي كمنت وراء هاتين الحربين وكذلك التدخل الخارجي». غير أن التداخل الوظيفي الناجم عن تشابك عدة عوامل، وهيكلية البنيان الذي تقوم عليه الدولة ومؤسساتها، وأنماط الإدارة السياسة الموجودة، هي التي تبرز وتطغى على توجيه مسار هذا الفصل. ويشير كاتبه الى أن مستقبل هذا البلد الصغير مرتبط ارتباطا وثيقا بما سيؤول اليه النزاع العربي - الإسرائيلي، والحرب الدائرة في العراق، ومطامح إيران في تطوير برنامجها النووي الخاص. وهذا أيضا يلحظه محمد مطر في بحثه الذي ينتهي به الجزء الأول من الكتاب وهو يدور أصلا حول تعدد المذاهب في الوطن الصغير الحجم الذي «قد كان يمكن اقتسامه لو كان كبيرا أو أكثر عددا من السكان» (ص 63). نتيجة لذلك، مكتوب على هذا الوطن، على حد تعبير الكاتب، أن يسعى ويعمل بجهد من أجل إنماء تعايش الجماعات المختلفة المذاهب التي يتكون منها (ص 63).

أوراق العمل المدرجة في الجزء الثاني من الكتاب أعدها باحثون في العلوم الاجتماعية والسيكولوجية وهي تبحث في «وسائل تضميد الجراح ورأب الصدوع النفسية الناجمة عن الحرب وتحقيق المصالحة مع الذات وكذلك المصالحات الجماعية على نحو ما حدث بين القبائل المتناحرة في أنغولا مثلا». يفيد الكُتاب الثلاثة المختصون - باملا شرابيه وألكسندرا عسيلي وسون هوغبول - من أحدث النظريات والاختبارات المعروفة ويقدمون توصيات أو هم يشيرون الى بعض ما أسهم به غيرهم نحو المصالحة في شتى مجالات الفنون والبحث والإعلام. وتلحظ ألكسندرا عسيلي، التي يستمد الكتاب عنوانه من عنوان بحثها، أن «مفهوم المسامحة إنما هو مفتاح أساسي نحو إعادة البناء وإعادة التأهيل» (ص 107) وأنه «لا يمكننا أن نُجبِر ولا أن نُجبَر على اتباع السبيل الذي يؤدي بنا الى التفهم والمسامحة». (ص98).

الدراسات التي يحويها الجزء الثالث من الكتاب هي لكل من مايكل جونسون ومها شُعيب ومارك فرحة ومايكل كير وحليم شبيعة ورودي جعفر ونواف سلام، على التوالي. صُنفت هذه الدراسات معا على أساس أنها تقترح سياسات للإصلاح وتشكل، إذا ما اتُبِعت، جدول عمل للمستقبل.

الباحثة التربوية الدكتورة مها شعيب قامت بدراسة ميدانية شملت عددا من المدارس الرسمية والخاصة في لبنان. وكان مما أظهرته هذه الدراسة أن التلامذة اللبنانيين مقتنعون أن المؤسسات التربوية الدينية تفي باحتياجاتهم أكثر من المدارس الرسمية. وترى الدكتورة شعيب، بالتالي، أن تفوق المدارس الدينية على المدارس الرسمية قد يؤدي إلى مجتمع أكثر تشرذُما ذي أقليات انعزالية متعددة (ص 176). وهي ترى كذلك أن التوصيات التي نتجت عن اتفاق الطائف فيما يتعلق بالتعليم غير وافية.

ويعرض مايكل كير، الأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية في جامعة لندن، في فصل مهم من الكتاب، لنظام مشاركة الطوائف الذي هو سمة الحكم في لبنان، ويقارن هذا النظام مع غيره من نُظم المشاركة Power Sharing في دول مثل البوسنة وإيرلندة الشمالية والعراق. وهو يرى بعد المقارنة أن المشكلة التي تواجه مثل هذه الدول التي تتكون من مجتمعات مختلفة العِرق أو المذهب تكمن في أن قوى خارجية لها اليد الطولى في لمِ شمل أنظمة الحكم السياسي، أو تفريقها، وفق مصالحها هي (ص 244). وهو يتبنى القول القائل إن كلا من الموارنة والسنة والشيعة قد أسهم بدوره، وفي مرحلة ما من عمر لبنان، في تكوين الدولة اللبنانية والدفاع عنها. ويغلب لديه التفاؤل إذ يرى أن النخبة اللبنانية قد عرفت أن تفيد من الظروف الخارجية المواتية في السابق، فحصل لبنان على الاستقلال أيام الانتداب الفرنسي والبريطاني، وتمكن من الخروج من الحرب الأهلية والموافقة على الاصلاحات الدستورية التي جاءت في اتفاق الطائف، وأنها قادرة بالتالي على النهوض والبنيان متى تغيرت رياح الدبلوماسية الدولية.

في الفصلين الأخيرين من الكتاب يتفق رودي جعفر، الذي يقوم حاليا بتدريس العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت، مع نواف سلام الذي يرأس هذه الدائرة على ضرورة إصلاح النظام الانتخابي في لبنان، وكذلك على ضرورة إدخال تعديلات على اتفاق الطائف.

الدكتور نواف سلام، المختص في القانون، يقدم اقتراحات محددة من أجل إعادة التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وأيضا بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، حتى يكون لمجلس الوزراء ومجلس النواب الصلاحيات والوسائل التي تمكن كلا منهما من أن يقوم بالتحكيم في أي خلاف قد ينشب بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، أو بين وزير ورئيس للجمهورية أو لمجلس الوزراء، أو بين رئيس مجلس الوزراء والهيئة الوزارية، أو بين رئيس مجلس النواب وهيئة المجلس.