فيلم «رامبو 4» الجديد يؤكد حاجة أميركا لهورمونات منشطة لتحسين أدائها

سلفستر ستالوني والترويج لسياسة القوة

«رامبو 4» العنف من أجل خير البشرية
TT

«رامبو» ليس بطلا أميركيا بريئا، فيلمه الجديد يقول أكثر من ضرورة أن تتدخل أميركا بعسكرها لحل مشاكل العالم بالعنف والقوة، انه هذه المرة يلجأ للمنشطات كي يفتل عضلاته، ولحيل أخرى كي يبقي على هيبته وسطوته. لا، للسقوط! نعم، للبقاء على رأس العالم ولو بالهورمونات المنشطة!

خلال الحرب الباردة، راحت سلسلة أفلام «جيمس بوند»، تروج للقدرات الفذة للمخابرات الغربية في مواجهة المخابرات السوفياتية، وما كان يعرف أيامها بالمعسكر الاشتراكي. وتواصلت هذه النغمة، حتى في بعض الأفلام الجديدة من نفس السلسلة التي أنتجت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإن بشكل آخر. فسلسلة أفلام «رامبو» الأميركية للممثل والمخرج سلفستر ستالوني (مواليد 1946)، والذي بنيت احداث فيلمه الأول في عام 1982 على أساس قصة «الدم الأول» للكاتب ديفيد موريل، واصلت الترويج لأسطورة المنقذ الأميركي، المفتول العضلات، الذي لا يهزم، ويمكنه بواسطة العنف فقط، تغيير العالم وإنقاذ الضحايا وإرشادهم الى بناء حياة افضل. هكذا رأينا الجندي الأميركي السابق في فيتنام، جون جيمس رامبو، البارع في استخدام مختلف الأسلحة، وفنون القتال، في فيلم «الدم الاول» ـ الجزء الثاني 1985، ثم تابعناه في فيلم «رامبو» الجزء الثالث 1988، جاهزاً دائماً، ومستعداً للتدخل في الوقت المناسب لإنقاذ الضحايا في أي مكان من العالم. سواء كان ذلك في فيتنام التي سبق له وأسر فيها وعاش تجارب مضنية، أو أفغانستان التي كافح فيها الشيوعية.

هذه الأيام، يعود جون رامبو في الجزء الرابع 2008، حيث يعرض الفيلم حالياً في مختلف دول العالم. ويذهب بنا إلى بورما، ليواجه قوة عسكرية تتلذذ في قتل الناس. ومع عودة جون رامبو في هذا الفيلم، الذي أنتج بعد عشرين عاماً من الجزء الثالث، يعود سلفستر ستالوني، بإنتاج قيمته خمسين مليون دولار.

فنرى جون رامبو يعيش حياة هادئة، لكن يزج به في عملية إنقاذ ناشطين في منظمات خيرية، بعد أن تعرضوا للاعتقال والتعذيب، من قبل القوات العسكرية في بورما، فيقرر التصدي لوحدة للقوات العسكرية والأمنية، لينقذ الضحايا، محققاً البطولات والانتصارات المذهلة.

سجلت سلسلة أفلام «رامبو»، نجاحاً تجارياً بارزاً، وحققت إيرادات مذهلة، وغزت دور العرض في كل مكان، وجعلت من ستالوني نجماً من الطراز الاول، وضيفاً مكرماً، على كل حدث ومناسبة. ورافق ذلك امتلاء الأسواق بألعاب وملابس مبنية على أساس أحداث الفيلم، وكل ذلك عمل جنبا إلى جنب، لترسيخ أفكار الفيلم، في ذهن المتلقين، خصوصاً من منهم في مقتبل العمر. ظهرت سلسلة أفلام «رامبو» في عصر مرتبك، يشهد تفاعل الأزمة الفكرية والسياسية للأنظمة الشمولية، ومن ثم انهيار دولها، وساهمت هذه الأفلام في الصراع الفكري الذي كان دائراً بقوة، من خلال ترويجها لأهمية التدخل الأميركي لحل أزمات العالم. فليس غريبا انه في تلك الفترة، بنيت وتعززت قوات التدخل السريع الأميركية، وانتشرت البوارج العسكرية، في كل مكان من العالم، ومنها مياه الخليج العربي. وهكذا لم يكن تصرف الرئيس الأميركي رونالد ريغان، في أيام رئاسته، عفوياً حين مال على أحد رجاله خلال لقاء إعلامي، ودون إطفاء الجهاز اللاقط ليقول بصوت سمعه الجميع: يجب ان نسرع لمشاهدة فيلم «رامبو». عدّ الأمر، يومها، دعاية كبيرة للفيلم وأفكاره، رغم الحديث عن إحراج البيت الأبيض، بسبب ذلك. لكن، لا شيء، في الأبيض، يأتي عفو الخاطر. وهوليوود طوال تاريخها، كانت الحضن الأكبر لصناعة الحلم الاميركي والترويج لأفضلية الرأسمالية على غيرها. فهوليوود أداة بالغة الأهمية لإعادة كتابة التاريخ سينمائياً، وفقاً للرؤية الرسمية الأميركية. فمثلا الحرب العالمية ضد الفاشية الهتلرية، نجد في الأفلام أن أميركا كسبتها بجدارة، وجيشها أنقذ العالم من فاشية هتلر. ولا مكان هنا، لتضحيات ونضالات الشعوب الأخرى التي قدمت الملايين من الضحايا! وهكذا اذ تواصل هوليوود إنتاج أفلام «رامبو»، متباكية على حقوق الإنسان والديمقراطية، فإنها تريد ترسيخ تلك الأفكار التي تصور أميركا منقذة للعالم. ففي الفيلم الجديد، حاذر جون رامبو ان يذهب إلى العراق لتدور أحداث قصته هناك، رغم التهاب الساحة، كما نعرف. وحسب تصريح سلفستر ستالوني نفسه، في أحد لقاءاته الصحافية، فقد ذكر انه لم يجرؤ على إنتاج فيلم تدور أحداثه في العراق، حيث يوجد الجنود الأميركيون هناك بالفعل. كان على جون رامبو إذن، أن يجد له جغرافية أخرى، للقيام ببطولاته الخارقة وللترويج لأفكاره، بعيداً عن الواقع المر الذي يعيشه الجنود الأميركيون في العراق، نتيجة التخبط في السياسة، التي يبدو أنها في الانتخابات المقبلة، ستأتي برئيس أميركي ديمقراطي، لترقيع الامر. لكن هوليوود لا تزال أمينة لأفكارها في تلميع صورة الحلم الأميركي. فالممثل سلفستر ستالوني، وفي الوقت الذي يعرض فيلمه الجديد على شاشات السينما، أعلن في الرابع والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، على شاشة قناة «فوكس نيوز» تأييده للمرشح الجمهوري جون ماكين في سباقه للرئاسة. وهو هنا ـ كمناصر للجمهوريين ـ كمن يصدر بياناً جديداً في استمرار الحاجة لتدخل رامبو لإيجاد حلول لمشاكل العالم. لكن يتطلب القول ان الممثل ستالوني العجوز، البالغ 61 عاماً، فاته انه، وفي عدة لقاءات صحافية، اضطر للاعتراف بأنه في فيلمه الأخير احتاج الى ممثلين بدائل، لتنفيذ بعض المشاهد العنيفة، لحد انه كان يخشى، احياناً، على حياة البدائل من قسوة التنفيذ. وستالوني نفسه - وهذه قصة كتب كثيراً عنها في الصحافة - اضطر لاستخدام هورمون منشط من نوع «التيستوستيرون»، لفتل عضلاته خلال تصوير الفيلم. وأجرت مجلة «التايم» الأميركية لقاءً مطولاً معه، دافع خلاله، عن المنشط الذي استخدمه.

وفي الوقت الذي اعتبر العديد من النقاد، أن فيلم رامبو الجديد بجزئه الرابع، لم يقدم جديداً، سوى المزيد من مشاهد العنف، التي تكاد تكون الأبشع في سلسلة أفلامه، فإن جون رامبو في عودته الجديدة، ومن دون ان يدري، يقول لنا ان السياسة الأميركية، في ترويجها لاستخدام القوة كحل لمشاكل العالم وترويج الديمقراطية، صارت سياسة عجوزاً، بحاجة إلى بدائل، وهورمونات منشطة لتحسين مستوى أدائها. كأني هنا بأميركا عليها ان تعود الى فيلم «روكي» الأول 1976 للممثل ستالوني نفسه، حيث كان كل هم الملاكم روكي بالبوا، يتركز ليس على كسب النزال، بل على الصمود جولات أكثر قبل الهزيمة!