العرب وشهوة الأوبرا

TT

بينما كانت دمشق تحتفي، الأسبوع الماضي بتقديم أوبرا «كارمن» بإخراج سوري هذه المرة، كانت قطر في اليوم ذاته تفاخر باستقبالها الصوت الأوبرالي الشهير بلاسيدو دومنغو. أما أبوظبي فكانت قد استقبلت العام الماضي حفلين اوبراليين كبيرين أحدهما للرائعة المعروفة «عايدا» والآخر للرائعة الثانية «كارمن». ولا يكاد يمر شهر إلا ونسمع أن عاصمة عربية على موعد مع أوبرا عالمية واوركسترا سمفونية، كل هذا يترافق مع موجة من الغناء العربي الفج، في ازدواجية للذائقة يصعب فهمها. وعندما استفسرنا قيل لنا ان حفلات الأوبرا تلقى إقبالاً شديداً، وان بطاقاتها تنفد وعشاقها كثر، وهو ما يثير التساؤل، أي شهوة للأوبرا يضمرها العرب منذ أن اسس الخديوي اسماعيل «دار الأوبرا» في مصر عام 1869، أي قبل عشرات السنين، من التفكير في ايجاد جامعة مصرية. وهل باتت الأوبرا جزءاً من الضمير الوجداني العربي، أم أن ملايين الدولارات تهدر اليوم في سبيل تأورب شكلي لا يقدّم ولا يؤخر؟!

* «كارمن» بإخراج عربي.. أية بشارة؟!

* دمشق تستنجد بغجرية إسبانية لتربح السباق

* دمشق: سعاد جروس

* محور

* مع كل حفل فني يقام في دار الأسد للثقافة والفنون في سورية، هناك مفاجأة عنوانها نفاد البطاقات بالكامل، قبل بدء العرض بأيام. حدوث ذلك يبدو عادياً مع فنانة مثل فيروز في عرض «صح النوم»، الذي تم تمديده ثلاثة أيام إضافية، لم تكن كافية لإرواء ظمأ الجمهور السوري لصوت فيروز الملائكي. لكن لا بد من دهشة حين نعلم أن بطاقات «تراجيديا كارمن» التي قدمت الأسبوع الماضي، وهي إنتاج سوري ـ فرنسي مشترك، وإخراج السوري جهاد سعد، نفدت بطاقاتها قبل عدة أيام من بدء عروضها الثلاثة. كما لا بد أن نتفاءل حين يقول مدير عام «دار الأسد»، نبيل اللو لـ«الشرق الأوسط» ان غالبية الحفلات الموسيقية التي تقدمها الدار، إن لم نقل كلها، تحجز مقاعدها، سواء كانت الموسيقى غربية أم شرقية. فخلال عمر دار الأوبرا السورية، القصير نسبياً، تشكل جمهور مواظب على جميع نشاطات الدار، بالإضافة إلى جمهور آخر يأتي من المحافظات والمدن البعيدة. فدار الأوبرا هي الوحيدة في البلاد والجمهور تواق جداً لهذا النوع من الثقافة الفنية الراقية.

الروح الغربية للأوبرا، وصعوبة تقريبها للذائقة العربية، لم تمنعا رغبة التواصل معها. ومع أنه مضى على وصول الأوبرا إلى مصر أكثر من قرن، إلا أن هذا الفن لم ينتشر عربياً إلا في العقد الأخير، وبالأخص في دول الخليج. فعندما أعلن في سورية عن التحضير لإعادة إنتاج أوبرا كارمن بإخراج عربي، تم تناقل الخبر كبشارة سارة، وأبدى الجمهور تحمساً بالغاً للمشاهدة، فعدا عن كونها أوبرا شهيرة جداً، هي قريبة من الروح الشرقية.. لكن، إلى أي حد يمكن للأوبرا أن تصبح جماهيرية في بلداننا ؟

الممثل والمخرج المسرحي جهاد سعد الذي اخرج «تراجيديا كارمن» قال لـ«الشرق الأوسط»: «مع أن الأوبرا فن أوروبي متجذر، لا يعني هذا أن كل الأوروبيين يحبونه ويقبلون عليه». ورد سعد ان تشوق العرب للأوبرا يعود إلى «طبيعة الشعب العربي المنفتح والمتفاعل مع الثقافات الأخرى»، والساعي لمتابعة كل جديد، و«معروف عن العرب لهفتهم نحو كل ما هو أجنبي، رغم أن روح الأوبرا غريبة جداً على طبيعة الروح العربية، إلا أن كونها صرخة إنسانية ضد الألم، تلاقي صدى عند العرب أسوة بغيرهم من شعوب العالم. وهي جزء من ثقافة متكاملة لا يمكن محاورتها من خارجها، بل لا بد من العبور إلى داخلها، وبعمق».

محاولة العبور إلى الثقافة الأخرى لا تعني بالضرورة نجاح التحاور معها، بمعنى نقلها والاندماج فيها من خلال تعريبها. فما زال كثير من الفنون والثقافات الغربية غير قابل للتشريق. فاللوحة مثل المسرح والأوبرا رغم الاهتمام بها، والمحاولات الكثيرة للولوج فيها، لم تتخلص من بيئتها الغربية، ومكثت تعبر عن رؤية أخرى وثقافة أخرى.

الأمين العام لاحتفالية دمشق، عاصمة الثقافة العربية، حنان قصاب حسن، وفي مؤتمر صحافي رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول أسباب عدم إنتاج أوبرا عربية بدل النسخة الفرنسية من كارمن؟ قالت ان «الأوبرا تقدم عادة بلغة بلدها. فالألمانية تقدم بالألماني والفرنسية بالفرنسي ... الخ، لأن الموسيقى موجودة في اللغة. ونوهت بالمحاولات التي جرت في مصر لتقديم أوبرا عربية، معتبرة أنها بقيت في حدود المحاولات». وكشفت قصاب حسن عن عدم قبول الأمانة العامة لعاصمة الثقافة مشروع أوبرا بالعربية لموتزارت مبررة ذلك بالقول: «لم أتأكد أن هذه الأوبرا يمكن أن تتطابق مع حساسية جمهورنا. فنقل الأوبرا من لغة إلى أخرى عملية صعبة للغاية، وقد تحدث انقطاعاً في انسجام الموسيقى الموجودة داخل اللغة مع اللحن».

جهاد سعد اعتبر أنه لا يمكن عمل أوبرا باللغة العربية دون تجاهله وجود اوبريت عربية، وتساءل باستهزاء «كيف ستغني كارمن العربية: "الحب ... الحب .. بدل لامور .. لامور؟!»

خبير فني قال إنه لا يعتقد بوجهة نظر سعد، إن عدم الكفاءة في إبداع أوبرا عربية مردّه «ضعف محاولات تعريب هذا الفن. والفشل فيه لا يعني أن الخلل في اللغة ولا في طبيعة الفن ذاته، وإنما في عدم بذل الجهود اللازمة ومتابعتها». هذا لا يقتصر على اللغة وحسب، بل يطال الرؤية الإخراجية لهكذا أعمال، خاصة تلك التي ترتبط ببيئتها بشكل وثيق.

فتراجيديا كارمن الإسبانية الأصل والروح التي أخرجها سعد، وقدمت الأسبوع الماضي لم تغير لغتها إلى الفرنسية فقط، بل تجردت من بيئتها الاسبانية بالكامل. فعدا زي مصارع الثيران المتواضع الذي ظهر في المشاهد الأخيرة، لا شيء يدل على بيئة العمل، حتى فستان كارمن الشهير بزركشاته، كان متخففاً من تفصيلته الأصلية. كما أن التقشف في الديكور المسرحي كان مضاداً للبذخ في الاكسسوار الفخم المعتاد في الأوبرا ... إلخ من ملاحظات كثيرة وضعها النقاد حول الإخراج السوري لتراجيديا كارمن. لكن يمكن القول إنها لم تحد من تشجيع الجمهور لهذه التجربة الجديدة، وبالأخص الأصوات الأوبرالية المحلية الساحرة كصوت رشا رزق وشادي علي، لما يحمله ذلك من تفاؤل بالخامات والمواهب السورية التي هي بحق ثروة فنية. لذلك لا عجب أن الكثيرين تمنوا لو تتاح لهم مشاهدتها ثانية.

يارا، طالبة جامعية تهوى الموسيقى، قالت إن كارمن التي رأتها تختلف عن الغجرية الاسبانية التي تعرفها. فقد بدت في هذا العرض و«كأنها امرأة فرنسية من الحي اللاتيني، حركتها على المسرح محسوبة وبخيلة جداً. كما أن المسرح بدا فقيراً جداً، في حين كنت أتوقعه مبهراً ويحمل دلالات ذات صلة ببيئة القصة». ومع ذلك تؤكد يارا أنها استمتعت بالأصوات الغنائية الجميلة وبالموسيقى الرائعة لكارمن، ولو أمكنها ستحضر العرض مرة ثانية، ولا بأس ستغمض عينيها وتستسلم للموسيقى.

الناقد الموسيقي أحمد بوبس لا يستبعد أن يتكون للأوبرا جمهور عربي واسع، ويقول «عندما تم تشكيل الفرقة السمفونية الوطنية السورية كنا نشك في أن تفلح باستقطاب متابعين لها، لكن سرعان ما تشكل حولها جمهور كبير. والعمل الأوبرالي إذا جرى تقديمه باستمرارية سيتكون له جمهوره الخاص الذواق والناقد، خاصة مع ظهور تقنيات جديدة توفر ترجمة للأغاني والحوارات تساعد على فهم الأوبرا والاستمتاع بها بشكل أعمق». وأكد بوبس من خلال مواظبته على متابعة النشاطات الموسيقية، أن وجود جمهور متذوق للموسيقى الجادة والرصينة «ساعدت عليه جهود الموسيقار الراحل صلحي الوادي، الذي أثمرت تجربته في تنشئة جيل مثقف موسيقياً»، يدل عليه «تشكل فرق أكاديمية عديدة للموسيقى الراقية والفن الأصيل، حققت نجاحاً مهماً بين الشباب، رغم موجة الهبوط في الغناء العربي». ونبه بوبس إلى أهمية الاستمرارية وزيادة عدد العروض إلى عشرة أو أكثر كي يتمكن أكبر عدد من الناس من متابعتها، لتكوين ذائقة فنية. ويشير إلى أن «غالبية الفرق التي تأتي من الخارج تقدم عرضاً واحداً أو عرضين، وهذا غير كاف للتعريف بهذا الفن. فعرض أوبرا «بحيرة البجع» العام الماضي لاقى إقبالا شديداً، لكن لم يتم عرضها سوى مرتين إحداها في دمشق وأخرى في حلب». وبخصوص تراجيديا كارمن، اعتبر بوبس أنها «ليست العرض الأمثل، بل هو اقتباس ملخص، وكان من الأفضل تقديمها كاملة، وتوفير معلومات عنها يقرأها الجمهور قبل مشاهدة العرض، هذا أحد شروط المشاهدة، لأنه من الصعب فهم أحداث الأوبرا بدون إلمام مسبق بالنص».

تراجيديا كارمن التي أعلن عن تقديمها لأول مرة بإخراج عربي، يمكن اعتبارها محاولة أخرى تضاف إلى ما سبقها من محاولات عربية للدخول في مضمار هذا النوع من الفنون، وربما نزيد بالقول إنها تؤسس على المدى الطويل للأوبرا في سورية. إلا أن شهوة الأوبرا وحدها لا تكفي لصناعة هذا النوع من الفن، وإلا سنكون كمن اشتهى الدجاجة فأكلها بريشها، كما أن العلة ليست في الجمهور، فهو حاضر في كل زمان ومكان، وجمهورنا العربي اثبت على الدوام انه يتطلع إلى جميع أنواع الفنون والثقافات، الهابط منها والراقي. وإنما العلة هي توفير الإمكانيات المادية للتجريب وإعادة المحاولة، لا أن تبقى هذه المشاريع مثل بيضة الديك، بين حين وحين وكل عشر سنين، نستقبله ولا نفتر من التحدث عنه بدهشة وإعجاب، كما العميان الذين رزقوا طفلا مبصرا فقلعوا عينيه من كثرة اللمس.

* النضال الأوبرالي المصري إلى أين؟

* القاهرة: أيمن حامد

* ارتبطت الأوبرا المصرية مثل غيرها من أوبرات العالم، بثقافة النخبة والطبقة الارستقراطية، لكنها ارتبطت أيضاً بمشروع تحديث حضاري شعبي قاده الخديوي إسماعيل في ستينات القرن التاسع عشر، لجعل مصر قطعة من أوروبا. ومنذ ذلك التاريخ والسؤال يتكرر: هل نحن حقا في حاجة إلى الأوبرا؟

تقول د. رتيبة الحفني أول رئيسة لدار الأوبرا بعد افتتاحها الثاني، ومستشارة رئيس الأوبرا الحالي، إن «الأوبرا المصرية تبدو كشجيرة صغيرة في بداياتها من حيث محدودية الميزانية، تحولت بمضي الوقت إلى شجرة مثمرة تساهم في تقديم الفن الجيد، كون هذا النمو كان ولا يزال صحياً وجميلا». وتعتبر الحفني أن الإقبال على دار الأوبرا يتفاوت بحسب الفن المقدم، ففي حين يزيد الإقبال على الموسيقى العربية، يبدو اقل حينما يتعلق بالفنون الغربية كالأوبرا والباليه. وترى الحفني أن عروض الأوبرا بدأت في السنوات الأخيرة تلقى إقبالا كبيراً، خاصة من الشباب بعد إدخال الترجمة الفورية، معتبرة أن الشباب بدأ في الإحساس بجمال النغم الأوبرالي وتقبل هذا الفن الدخيل على موسيقانا وتراثنا. وتضيف الحفني أن نشاط دار الأوبرا متنوع ما بين مهرجانات للموسيقى العربية والاوركسترا السيمفونية، إضافة إلى دعوة كبرى الفرق العالمية في الأوبرا والباليه، التي تلقى رواجا كبيراً. وتبين الحفني أن دار الأوبرا لديها خطط عمل خاصة بالطفل، حيث يوجد فيها مركز تنمية المواهب وكورال الأطفال ومدارس تعليم الآلات الموسيقية المختلفة. كما تقدم دار الأوبرا عروضا صباحية للأطفال. وتضيف الحفني أن النشاط امتد الى خارج مبنى دار الأوبرا إلى «مسرح الجمهورية»، وصوب المحافظات، حيث «أوبرا الإسكندرية» و«أوبرا دمنهور»، التي سيتم افتتاحها قريباً. وترفض الحفني فكرة أن الأوبرا قاصرة على النخبة، مشيرة الى أن الناس تخشى الأوبرا كفكرة، لكن في السنوات الأخيرة تغيرت النظرة وأصبحت كل العروض تجتذب الجمهور والتذاكر في حفلات كثيرة تنفد، خاصة أنه يعلن عن نشاطها في وسائل الإعلام المختلفة.

وترى الحفني أن هناك محاولات كثيرة لتعريب الأوبرا العالمية، بل وتأليف أوبرا مصرية لحناً ولغة، مثل أوبرا «أنس الوجود». غير أن الحفني تفضل الأوبرا بلغتها الأصلية لاتساق اللحن مع الكلمة، مما يسهل الأداء على المطربين. وتضيف الحفني أن الأوبرا الآن بحاجة إلى دعم مادي يكفل لها تقديم رسالتها والتوسع فيها، داعية رجال الأعمال إلى مد يد العون لتشجيع الفن الرفيع، إضافة إلى دعوة الإعلام للاهتمام بالأعمال التي تقدمها الأوبرا، بدلاً من أعمال أخرى أقل قيمة.

المطرب الأوبرالي المصري د. جابر البلتاجي يرى أن الأوبرا المصرية في انطلاقتها الثانية، قدمت العديد من العروض الجيدة، إذ كانت هناك فرقة أوبرا مصرية تحظى بالاحترام، إلا أن الوضع في ما بعد تبدل في ظل غياب أصوات مصرية واعدة، وحيث لم يعد معهد الكونسرفتوار مصنعاً للمواهب كما في السابق، وعدم وجود اوركسترا وطنية تسد الفراغ، إضافة إلى تدني أجور العازفين. ببساطة، لم يعد المستوى الحالي، يليق بهذا المبنى العظيم، ولم يعد للأوبرا هذا الدور التاريخي في تربية الذوق الفني. ويضيف البلتاجي ان «نضوب الموهبة الاوبرالية في مصر أدى إلى الاستعانة بالأجانب، الذين لا يتحلى معظمهم بالموهبة، مما أدى إلى عزوف الجمهور عن العروض، بمن في ذلك الجاليات الأجنبية». ويتابع البلتاجي: «الأوبرا التي يدعي البعض أنها منتج للنخبة لم تعد كذلك».

ويعود البلتاجي إلى الوراء حيث ستينات القرن الماضي قائلاً: «الأوبرا كانت عنواناً كبيراً للثقافة الشعبية والازدهار العام الذي كانت تعيشه مصر، ولم يكن من المستغرب رؤية طوابير طويلة من كل الطبقات الاجتماعية للحصول على تذاكر العروض، حينها كان من الممكن أن يستغني المرء عن طعامه من أجل شراء كتاب أو مشاهدة أوبرا عايدة». ويضيف البلتاجي: بدليل أن تلك المرحلة شهدت أول أوبرا عربية عام 1964، حينما قام د. إبراهيم رفعت بتعريب «غادة الكاميليا» وعرضتها دار الأوبرا بقيادة المايسترو احمد عبيد. ويرى البلتاجي أن «إبداع الأوبرا يفرض نفسه على المجتمع. فحينما يتم تقديم رسالة إبداعية تنمي الحس والذوق، تتجه إليها على الفور النخبة وغير النخبة. وعبر البلتاجي عن تشاؤمه من مستقبل الأوبرا في مصر، في ظل تواضع الإمكانات وصعوبة استجلاب الفرق العالمية، لارتفاع الكلفة المادية، وعدم وجود آلية لتنمية المواهب الوطنية الشابة».

ويرى المايسترو أحمد الصعيدي رئيس الجمعية الفيلهارمونية المصرية أن «الأوبرا المصرية تاريخها مشرف وعملت على تقديم الفن الراقي. لكن الصعيدي يفرق بين مرحلتي الأوبرا، المرحلة الأولى ركزت نشاطها على تقديم قمة الإبداع العالمي، بينما شغلت الفنون التجارية المرحلة الثانية. ويرى الصعيدي أن إقبال الجمهور على الفنون الرفيعة يظل محدوداً نتيجة عدم وجود برامج للنهضة بالذوق العام. ويبين الصعيدي انه أثناء عمله بالأوبرا قبل عدة سنوات قدم حفلات موسيقية للأطفال لتهيئة الطفل لتقبل فن الأوبرا، كما قدم حفلات لتذوق الموسيقى للكبار، إلا أن ذلك كله لم يدم طويلا، ويضيف أن «نشاط الموسيقى العربية والفنون التجارية تجتذب الجمهور ربما لأنها تعبر عن التيار السائد الآن».

* النضال الأوبرالي المصري عمره 150 سنة

* القاهرة: «الشرق الأوسط»

* ارتبطت الأوبرا بعصر الخديوي إسماعيل المجدد والمتأثر حتى النخاع بالثقافة الأوروبية. وأراد على ما يبدو، أن يأتي بكل ما هو غربي وحديث إلى القاهرة معماراً وثقافة وفناً. فكان حفل افتتاح قناة السويس 1869 الذي أراده حدثاً عالمياً يخطف قلوب ضيوفه من قياصرة وملوك أوروبا. وفي مدينته الجديدة «الإسماعيلية» التي شيدها بين القاهرة القديمة ونهر النيل قرر الخديوي بناء دار للأوبرا في ميدان الأزبكية، المنطقة الأشهر والأهم وقتذاك. وعهد بالبناء إلى المعماري الإيطالي بييترو أفوسكاني الذي أنجزها في ستة شهور فقط، في بناء فخم كلف مليون و600 ألف جنيه ويتسع لـ850 شخصاً، إضافة إلى أماكن خاصة للضيوف والمشاهير. كما أعدت بالدار العديد من الردهات المخصصة للراحة والتدخين. أما خلف المسرح فبناء من ثلاثة طوابق احتوى الطابق الأول على حجرات لفرق الرقص والتدريبات والممثلين وفرق الإنشاد. واعد الطابق الثاني كمخزن للديكورات واستخدم الطابق الثالث في حفظ الملابس والأثاث والأدوات. كما اشتمل المبنى على العديد من الورش لصناعة الملابس وتصميم الديكورات والأثاث للعروض المختلفة واحتوى المبنى على متحف «للأكسسوار» والحلي التي تستعمل في الأداء التمثيلي. وأقيم حفل الافتتاح في أول نوفمبر1869 وتم الاتفاق مع الموسيقار الإيطالي فيردي على إعداد أوبرا عايدة خصيصا لهذه المناسبة، إلا أنه لم يستطع الانتهاء من كتابة النص في الموعد المحدد، وكان غاضبا بسبب الرغبة الخديوية في تأليف نشيد خاص «كانتانا» لتمجيد الخديوي يعزف في افتتاح القناة والأوبرا. فرفض فيردي متعللا بأنه «ليس من عادته أن يؤلف للمناسبات». فتم استبدال عايدة بأوبرا «ريجولتو» من تأليف فيردي أيضاً في حفل الافتتاح الذي شهده الخديوي والأسرة الحاكمة، إضافة إلى ملك النمسا والإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وولي عهد بروسيا. وشهد الموسم الأول للأوبرا الذي امتد أربعة شهور ونصف الشهر عشرة عروض منها «حلاق اشبيلية»، «سميراميس»، «لا ترافياتا»، «غادة الكاميليا» و«فاوست». وتوالت العروض التي كانت تشهد رواجاً كبيراً. وتعدى الاهتمام بالأوبرا وعروضها القاهرة، حيث قام الملك فؤاد بتشييد أوبرا في دمنهور عام 1930 وتحول «مسرح سيد درويش» في الإسكندرية إلى دار للأوبرا.

وواصلت الأوبرا المصرية رسالتها في تقديم أفضل العروض إلى أن أتى عام 1971 ليحترق المبنى بالكامل. وتظل القاهرة بلا أوبرا إلى أن يحل عام 1983 ويسافر الرئيس حسني مبارك إلى اليابان التي تعرض بناء الأوبرا مرة أخرى. وتشيد الأوبرا الجديدة، لكن هذه المرة في أرض الجزيرة بالقاهرة، وفي أكتوبر عام 1988 يتم افتتاحها بعرض ياباني بعنوان «الكابوكي». وتضم الأوبرا الحالية 3 مسارح هي المسرح الكبير الذي يتسع لـ1200 شخص، والمسرح الصغير الذي يتسع لـ500 شخص، بينما يتسع المسرح المكشوف لـ600 شخص. كما تضم الأوبرا حالياً فرقة باليه، واوركسترا القاهرة السيمفونية، والفرقة القومية للموسيقى العربية، وفرقة الرقص المسرحي الحديث.