مساجد منسوبة للخليفة عمر بن الخطاب يتعاون على محوها إسرائيليون وفلسطينيون 

مدير عام اليونسكو يزور إسرائيل ويتجاهل الجريمة الأثرية

المسجد العمري في بيت لحم
TT

لا يزال سكان قرية أم طوبا، يناضلون ويعتصمون، من أجل منع السلطات الإسرائيلية من هدم مسجدهم الذي يعتقدون أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بناه عندما دخل فلسطين. وسواء انتصر سكان القرية في هذا النضال أو فشلوا، فإن مجموعة المساجد الفلسطينية العمرية، التي تمكن الأثريون بالفعل من إثبات أن بعضها يعود إلى صدر الإسلام، تم القضاء عليها ومحوها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لكن الأنكى من ذلك أن بعضها، أيضاً، تآمر عليه فلسطينيون، بسبب الجهل وقلة الدراية. لكن ماذا تفعل اليونسكو؟ الجواب في هذا التحقيق الذي لا يخلو من معلومات مثيرة وغريبة.

تعيش قرية أم طوبا، جنوب القدس، ظروفاً استـــثنائية، جعلت سكانها في حالة استنفار، بعد قرار للسلطات الإسرائيلية بهدم مسجد القرية التاريخي الذي يعود إلى نحو سبعة قرون. وأمضى سكان القرية، التي تعتبرها بلدية القدس الإسرائيلية حياً تابعاً لها عدة أيام، معتصمين كدروع بشرية داخل المسجد الذي يوصف بـ«المسجد العمري» لحمايته. وهو مسجد من سلسلة مساجد في فلسطين - لا يعرف عددها - ارتبطت بالخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، الذي تسلم مفاتيح مدينة القدس سلماً عام 636م، منهياً عصر الإمبراطورية البيزنطية، وحاسماً عروبة فلسطين. ومثلما هو الحال، فيما يتعلق بما يسمى المساجد العمرية في فلسطين، فإن أهالي القرية ينقلون روايات متواترة، عن صلاة الخليفة عمر في المكان وهو في طريقه لتسلم مدينة القدس. فالمسجد الحالي بني عام 717هـ، في العصر المملوكي، ولا يستبعد أن يكون بني على أنقاض مسجد قديم، من تلك التي شاع أن الخليفة عمر كان يبنيها في طريقه إلى القدس.

وبالنسبة لهذا الأمر الأخير، يرتبط أشهر مسجد عمري في فلسطين، وهو مسجد عمر بن الخطاب القريب من كنيسة القيامة بالقدس، بحادثة تنسب للخليفة عمر، عندما حان موعد الصلاة، فرفض دعوة البطريرك الأرثوذكسي صفرونيوس الصلاة فيها، كي لا يضع المسلمون يدهم على الكنيسة في وقت لاحق، بدعوى أن خليفتهم صلى فيها. وأدى الخليفة عمر صلاته بالقرب من الكنيسة، واضعا ما يمكن اعتباره الأساس لما يعرف بالمساجد العمرية.

وخلافاً لما يذكر من قبل مؤرخين، فإن مسجد عمر بن الخطاب في القدس، ليس ملاصقاً لكنيسة القيامة، ويبعد عنها نحو 300 متر. والمسجد الحالي لا يعود بناؤه لفترة الخليفة عمر، ولكن للعهد الأيوبي، بناه الأفضل ابن القائد صلاح الدين الأيوبي سنة 1216م في الموضع المفترض لصلاة عمر بن الخطاب. ولكن ما حدث فيما يتعلق بامتناع الخليفة عمر من الصلاة، في كنيسة القيامة، واتخذ دلالة على عدله، يبدو لم يتكرر في مكان مسيحي آخر له قدسية استثنائية، وهو كنيسة المهد في بيت لحم، حين صلى في الحنية الجنوبية للكنيسة، وأقر ترتيبات معينة لصلاة المسلمين في المكان، مثل أن تكون صلاتهم فردية، على أن يتولى القائمون على الكنيسة تزويد اسرجة الإضاءة بالزيت، وتولي الأمور الإدارية للمكان، وهو ما نظر إليه من قبل جل الاخباريين على انه من ميزات الخليفة العادل.

وينتصب الآن قبالة كنيسة المهد، المسجد العمري، في مغزى رمزي لا يمكن تجاهله.

وحسب ما توفرت من معلومات في أثناء إعداد هذا التحقيق، فإنه تم بناء المسجد على أرض قدمت من البطريركية الأرثوذكسية للمسلمين، وانشئ عام 1861، بعمارة عثمانية مميزة، على أنقاض كنيسة القديس يوحنا الإنجيلي.

وتم هدم المسجد عام 1956، ضمن خطة توسعية، لاستغلال وضع المنطقة التجاري الجيد، فتم بناء مجموعة من الحوانيت والمطاعم، وعليها تم تشييد المسجد.

وكان ذلك مناسبة ليلاحظ أحد المؤرخين المحليين وهو المرحوم توما بنورة بأن إنشاء المسجد فوق الحوانيت الأرضية كان «تعبيراً عن واقع الحياة بمعانيها، فالأرض للدونيات والعلى للسماوات».

وبعيدا عن وسط المدن المشهورة، يمكن العثور على مساجد عمرية أقدم بكثير، ما زالت قائمة، وان كانت نادرة، مثل المسجد العمري في قرية بيت تعمر، جنوب القدس. ومثل كثير من المساجد العمرية فهو مقام على بقايا كنيسة قديمة، ورجح علماء صندوق استكشاف فلسطين البريطاني، في مسحهم لـ«غرب فلسطين» عام 1881، أنه يعود إلى الفترة الإسلامية الأولى.

وحتى منتصف القرن العشرين، كان في قرية ارطاس، المسجد العمري بعمارته القديمة منتصباً وسط القرية.

وبعد هدم المسجد القديم أقيم، مسجد آخر حديثاً، على واجهته الغربية ثبتت لوحة تذكارية، لا تمت بصلة لبناء المسجد، ولكنها تتعلق بطاحونة أنشئت في زمن المماليك.

وفي جنوب الضفة الغربية، في قرية نوبا، كان حتى عام 1990، مسجد عمري قديم، قرر الأهالي ترميمه، واحتفظوا بنقش تأسيسي، عبارة عن حجر رملي، قد يكون اقدم نقش يعود لصدر الإسلام.

ويذكر هؤلاء بأنه حضر إلى قريتهم في عام 1947م توجه إلى محراب المسجد العمري، ونقل كلمات النقش على الورق، وعندما هم بالخروج وقع وكسرت قدمه، فترك أوراقه لدى أحد سكان القرية، الذي احتفظ بالأوراق، في انتظار صاحبها الذي لم يعد. وعندما بدأ أهالي القرية التخطيط لهدم المسجد، وبناء مسجد أوسع حديث مكانه، استدعوا الدكتور يونس عمرو، والباحثة نجاح أبو سارة لقراءة النقش، وقدر لأبو سارة أن تحلل النقش، ضمن رسالتها للماجستير، وأثبتت انه يعود لعصر الخليفة عمر، مما شكل مفاجأة للأكاديميين الذين ناقشوا الرسالة، باعتبار أن هذا النقش هو الأول المكتشف الذي يعود لذلك العصر الإسلامي المبكر. وتتناثر في مناطق فلسطينية عديدة، مساجد تتباين في الشكل المعماري، وأنماط المآذن، تنسب إلى الخليفة عمر، منها ما هو صغير، وأخرى متسعة.وما يتهدد هذه المساجد ليس فقط أخطار الهدم الإسرائيلية، ولكن عمليات الهدم والترميم، التي يقدم عليها السكان المحليون، من دون دراية. وبسبب ذلك تم هدم مساجد تاريخية قديمة، كما حدث أخيراً لمسجد بلدة الخضر القديم، قرب القدس.

ولا يختلف وضع المساجد العمرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، عن مثيلاتها في أراضي 1967، فكثير منها هدم، وأخرى تحولت إلى أغراض أخرى غير دينية، مثل مسجد قرية المالحة، غرب القدس الذي تحول إلى حانة، واستخدمت مئذنته لتربية الحمام. وهناك مساجد أخرى استخدمت كمتاحف، مثل مسجد بئر السبع، وأخرى لأغراض سياحية، وبعضها يستخدم لتصوير الأفلام، وغيرها يعاني من الإهمال.

نشر الصحافي ميرون ربابورت، تقريرا مثيرا في صحيفة هارتس يوم 6 تموز (يوليو) 2007، كشف فيه، انه بعد عام 1948، بقي في القسم المحتل من فلسطين 160 مسجداً، وبعد سنوات قليلة لم يتبق إلا أربعون فقط، والسبب تفجير هذه المساجد بأوامر من المؤسستين العسكرية والسياسية في الدولة العبرية الوليدة.

وتضمن التقرير معلومات مهمة، استناداً لدراسات ولقاءات، مثل هدم ثلاثة مساجد تزيد أعمار كل منها على ألف عام، في يبنا، وعسقلان (مشهد الحسين)، واسدود، على ساحل البحر المتوسط، بأوامر مباشرة من قائد المنطقة الجنوبية آنذاك موشيه ديان.

ويشير الكاتب إلى ما قاله دافيد بن غوريون تعليقاً على هدم هذه المساجد «نريد هدم الكل، نحن نريد محو التاريخ الإسلامي».

ومع الضجة المثارة حول نية السلطات الاسرائيلية هدم المسجد العمري، في قرية ام طوبا، ليس في أيدي السلطة الفلسطينية، غير مناشدة «اليونسكو»، التي تحركت باتجاه معاكس، حيث وصل كويشيرو ماتسورا مدير عام اليونسكو إلى إسرائيل، تسبقه حملة ترحيبية بصفته «صديقاً جيداً لاسرائيل»، ووقع مع وزيرة خارجيتها، مذكرة تفاهم لتعزيز دراسات المحرقة النازية في الدول الأعضاء في اليونسكو. وكال الرجل مديحاً في دولة إسرائيل، وهو يشير بزهو إلى خريطة لإسرائيل، تتجاهل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، في تحيز غريب لقرارات الامم المتحدة.