المقاطعة العربية.. ردود فعل فرنسية وإسرائيلية

معرض باريس للكتاب 2008

جانب من الدورة السابقة لمعرض باريس الدولي للكتاب في 24 مارس 2007
TT

قبل أسبوع من بدء فعاليات معرض الكتاب في باريس المقررة من 14 إلى 19 مارس الجاري، لايزال الجدل مستمراً حول تداعيات المقاطعة العربية للمعرض بسبب وجود إسرائيل كضيفة شرف هذا العام.

الخارجية الفرنسية دافعت بقوة عن وجود إسرائيل في معرض الكتاب وحاولت التقليل من حجم ردود الأفعال المنددة بدعوتها كضيفة شرف، حيث جاء في البيان الخاص الذي قرأته السيدة باسكال أندرياني الناطقة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية «أن الاحتجاجات إزاء مشاركة إسرائيل كضيفة شرف في المعرض لم تأت إلا من منظمات خاصة، ومن جامعة الدول العربية وليست من أوساط حكومية». وأكدت أن افتتاح المعرض سيتم كما كان مقرراً يوم 13 مارس بحضور الرئيس نيكولا ساركوزي ونظيره الإسرائيلي شيمعون بيريز، كما وصفت «بالمؤسف جداً» احتمال مقاطعة الدول العربية للمعرض.

سارج إيرول المالك لدار النشر «إيرول» ومدير نقابة الناشرين، الهيئة المنظمة لهذه التظاهرة عبّر عن أسفه وعدم تفهمه بقوله: «معرض الكتاب لا يدعو منذ 15 سنة دولاً بل يدعو أدبها، نحن لا ندعو إسرائيل بل الأدب الإسرائيلي الذي يعدّ أدباً حيوياً يمتاز بغنى كبير»، نافيا بالمرة أن يكون هناك أي نيّة مبيتة لتوافق افتتاح المعرض مع الذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل. ويضيف: «كان منظمو المعرض قد طلبوا بالتعاون مع معهد العالم العربي إقامة معرض خاص بالأدب العربي في نفس الأسبوع وإن كان المشروع لم يعرف طريقه للتنفيذ إلا انه يدل على حسن النوايا». كما استغرب إيرول كيف أنه لم يندد أحد من الناشرين العرب بوجود إسرائيل في المعرض وهي تشارك كل سنة منذ عشر سنوات، وهو ما يدل حسب رأيه، على أن المقاطعة تُحركها أغراض سياسية، لكنه توقع في نفس الوقت أن يكون إقبال الجمهور على المعرض كبيراً بالتحديد بسبب كل هذا الجدل القائم.

أما وزيرة الثقافة والاتصال دومنيك ألبانيل، فقد عبّرت في بيان خاص عن «أسفها الشديد لنداءات مقاطعة معرض الكتاب»، مضيفة أنه «مكان تعارف، وتبادل وجهات نظر حرة، وكل ما من شأنه تشجيع الحوار بين الثقافات وأن الكتّاب الإسرائيليين، أمثال أموز أوس و ديفيد كروسمان قد تلقوا دعوة رسمية من باريس بصفتهم أدباء»

وأن وزارة الخارجية بالتعاون مع المركز الوطني للكتاب هما من وجها الدعوة للكتّاب الإسرائيليين لحضور المعرض، وقد اختارا لتمثيل دولة إسرائيل رسمياً 40 كاتباً ممن يكتبون باللّغة العبرية وممن ترجمت مؤلفاتهم للغّة الفرنسية، منهم روائيون، شعراء وكتاب القصص المصورة، وواحد منهم من أصول عربية وهو الكاتب سيد كسوة الذي ترجم كتاباه «العرب يرقصون أيضاً» و«كان ذلك الصباح» للّغة الفرنسية. الكاتب «أهرون شابتاي» يبقى الأديب الوحيد الذي رفض المشاركة في معرض باريس ومعرض تورينو من بين المجموعة المدّعوة، وقد شرح الأسباب في رسالة وجهها للسيدة إدنا ديغون المكلفة التحضير لفعاليات معرض الكتاب في باريس بتاريخ 7 ديسمبر 2007 يقول فيها: «لا اعتقد أن الدولة التي تستمر في الاحتلال وتقترف يوميا جرائم ضد المدنيين، تستحق الدعوة لأي أسبوع ثقافي كان... إن ذلك مناقض للثقافة، ويعني دعم إسرائيل فيما تقترفه من جرائم وموافقة فرنسا أيضا التي تدعم هذا الاحتلال، ولهذا فأنا لا أريد المشاركة». كما نشرت مجلة ليبراسيون الناطقة باسم اليسار الفرنسي بيان للكاتب الإسرائيلي ورئيس تحرير الملحق الثقافي لجريدة أهاريتز بيني زيفر الذي «ندد بذهاب الكتاب الإسرائيليين إلى باريس لتلقي التكريم، بينما تبقى الأمهات الفلسطينيات حبيسات البرد والجوع في معابر التفتيش الإسرائيلية».

من جانب آخر لم تكن ردود فعل الوسط الثقافي والأدبي الفرنسي بذات الأهمية التي أثارتها الأصوات التي نادت بمقاطعة معرض تورينو في إيطاليا بسبب رفض مدير المعرض دعوة كتاب فلسطينيين واستضافة إسرائيل أيضا كضيفة شرف، واقتصرت النقاشات على بعض الكتاب الفرنسيين المتعاطفين مع إسرائيل الذين راحوا كعادتهم يلوحون بفزاعة «المعاداة للسامية» وأبرزها كان الموقف العنيف للكاتب المختص في الأديان «مارك هلتر» الذي كتب مقالا مطولا نشرته جريدة لوموند بعنوان: «النجدة إنهم يحرقون الكتب..»، رأى فيه أن مقاطعة معرض الكتاب هو تصرف معاد للسامية وكبح لحرية التعبير وليس إلا تعبيراً عن إرادة، من قال إنهم يحاولون القضاء على دولة إسرائيل، متهماً الإسلاميين والأوساط اليسارية المتطرفة بتحريك المبادرة في الظلام، وأضاف عبارات مستعملاً لهجة الاستنجاد والفزع.

على صفحات جريدة لوموند أيضا رّد المفكر الإسلامي السويسري الجنسية طارق رمضان على مقال هلتر في شبه حرب كلامية كان لها صدى كبيرا بين أوساط القراء، فكتب يقول في مقال بعنوان: إسرائيل، المغزى من المقاطعة: «دعوة إسرائيل كضيفة شرف في صالون الكتاب في باريس خطأ كبير في حق الفلسطينيين الذين يموتون في غزة. وهو يعكس الموقف السياسي لأوروبا التي تحتفل بإسرائيل وتغذي «تحالف الصمت» إزاء سياسة التفرقة العنصرية التي تطبقها هذه الدولة. ثم يضيف: أنا ضد سياسة الحكومات الإسرائيلية ومحاولة خلق اللبس بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية هي خدعة كبيرة، قرار المقاطعة ليس دعوة للقضاء على دولة إسرائيل بل محاولة لكسر الصمت الذي يلازم المجتمع الدولي إزاء معاناة المدنيين العزّل في الأراضي الفلسطينية». طارق رمضان أضاف انه سيحضر المعرض ليناقش مع من يريد من المثقفين الإسرائيليين إشكاليات فلسفية وأدبية ومواضيع مهمة، كالبحث في «الحق في انتقاد إسرائيل» وأن الغرض من مقاطعة فعاليات المعرض هو التنديد بالظلم. فمن يستطيع أن يلومنا على استعمال الوسائل السلمية التي بحوزتنا ؟؟».

الهجوم على مبادرة المقاطعة نجده أيضا عند الصحافي والكاتب بيار أسولين الذي تساءل في مدونته الشخصية: لماذا يفوت المثقفون العرب على أنفسهم فرصة التحاور وتبادل الآراء مع زملائهم الإسرائيليين في هذه المناسبة المهمة، علما بأنهم غير مجبرين على تطبيق توصيات هي أصلا ليست إلا «سياسية» بما أنها، كما يقول، نابعة من جامعة الدول العربية. أما الفيلسوف والكاتب برنار هنري ليفي فقد كتب يقول إن المقاطعين لهذا المعرض تجاوزوا حدود الثقافة إلى السياسة، وأن خطابهم وحججهم ضعيفة وغير مفهومة. المنظمات الفرنسية المساندة لنضال الشعب الفلسطيني كاتحاد يهود فرنسا من اجل السلام في فلسطينUFJP ومنظمة فلسطين فرنسا اختارت أن تشارك في المعرض لكن بصفة رمزية للتعبير عن احتجاجها على دعوة إسرائيل كضيفة شرف بالرغم من كل الجرائم التي تقترفها في حق الشعب الفلسطيني، وقالت إنها ستخصص أجنحتها لإعلام الجمهور بمعاناة الشعب الفلسطيني والتذكير بمناسبة «النكبة».