الأغاني العربية طريقة جديدة لتعذيب الفلسطينيين

هتاف الصامتين وهستيريا الغالبين

TT

* تحقيق

وسط ضباب غطى الضفة الغربية، هذا الأسبوع، كان يمكن ملاحظة سيارة أجرة تدب على ما تبقى من شوارع - باتت قليلة وفرعية - خط على ظهرها عبارة «فلسطيني... والبين غاطيني». وأثارت العبارة، التي يشير كاتبها الى ارتباط الفلسطيني بالمآسي التي تغطيه، فضول الفلسطينيين، الذين لا تنتشر لديهم عادة التعبير على أجساد السيارات. عادة سماها عالم الاجتماع المصري سيد عويس (هتاف الصامتين) في كتاب له عن هذه الظاهرة في مصر.

ورغم أن الوضع الفلسطيني، يشكل تربة خصبة، لنمو الأقوال المأثورة والحكم، إلا أن وجود سلطة الاحتلال القاهرة، وقوات الأمن الفلسطينية، وسط التجمعات السكانية، تجعل أي شخص يريد أن يعبر عن رأيه، لا يختار أبداً مركبة تدب على الشوارع المحاصرة بأنواع لا تحصى من أجهزة الأمن.

وبسبب الحصار والتضييق صار الفلسطيني يفكر في حيز مكاني صغير هو الذي يسكن فيه، ويتضاءل كل يوم، بالاسيجة والجدران، ويضيق في ذهنه عندما يخطط للخروج أو حتى عندما يحلم.

وعندما تمر السيارة صاحبة الجملة التي بدت مؤثرة، بشكل غير متوقع، كان هؤلاء الذين يتوجب عليهم العودة إلى منازلهم قبل حلول الظلام، ومناطقهم مسيجة، يعيدون اكتشاف وضعهم من خلال عبارة، خطها سائق ليس كاتباً، أو شاعراً مفوهاً.

يقول عادل عدوي المحاضر في علم الاجتماع في جامعة القدس المفتوحة: «ظاهرة الكتابة على المركبات في فلسطين، اقتصرت على آيات قرآنية او مأثورات دينية وأدعية، لذا فلجوء سائق لكتابة عبارة نابعة من مشاعر شخصية لمحاكاة موضوع عام، يلفت انتباه باقي أفراد الجماعة». وعبارة سائق المركبة، يمكن إدراجها كأحد التعابير الثقافية التي صارت ذات دلالات كبيرة في الشوارع الفلسطينية. فقد تحول جدار جامعة القدس إلى مكان مفضل لفنانين غاضبين ومتضامنين أجانب، لرسم جداريات، تعبر عن رفض سياسة الجدران.

ويتعرض طلبة هذه الجامعة، إلى إهانات يومية من قبل جنود الاحتلال، اثناء رحلة العذاب من وإلى جامعتهم، خاصة عند حاجز «الكونتينر»، الذي يقع على طريق ملتفة تدعى وادي النار، تم استحداثها لتصل شمال الضفة بجنوبها، متجاوزة مدينة القدس. ويلجأ جنود الاحتلال إلى أغنيات عربية شعبية، لإحداث اكبر قدر من الإهانة للطلاب، مثل إنزال الذكور من السيارات، وإجبارهم على بسط أيديهم على أكتاف بعضهم بعضا، ثم الغناء بصوت عال «بحبك يا حمار»، على مرأى من الطالبات. ويتعرض الذين يرفضون الغناء، إلى الضرب، وإجبارهم على أداء هذا «الاستعراض» أمام باقي المواطنين المنتظرين، بينما يأخذ الجنود بالتصفيق والصراخ الهستيري. وفي مرات كثيرة، يلجأ الجنود إلى تأليف أغنيات، وإجبار المارين على الحاجز على غنائها، مثل الكلمات المسجوعة التالية «حط الحمص على الفول... يعيش مشمار كفول» والكلمتان الأخيرتان تشيران، بالعبرية إلى وحدة (حرس الحدود) في الشرطة الإسرائيلية، المتخصصة في القمع، التي تضم الأقل تعليما، ويطلق عليهم أبناء الاقليات مثل العرب الدروز.

وفي مرات كثيرة، يجبر هؤلاء الجنود أصحاب السيارات على إعطائهم الأشرطة الغنائية العربية التي بحوزتهم للسماح لهم بالمرور.

وعلى ما تبقى من شوارع فلسطينية، تحدث يومياً حكايات، تختلط فيها المأساة بالملهاة، وجميعها برسم احتلال طال أمده، اكثر من اللازم بكثير.