السوريون لا يحبون مفردتي «التطبيع» و«المقاطعة»

بشار خليف
TT

لا يتردد كثيراً مصطلح «المقاطعة الثقافية» مع إسرائيل في الأوساط الثقافية السورية، ولعل الأمر يعد تحصيل حاصل، إلا إذا استثنينا أدبيات اتحاد الكتاب الذي يكثر في جريدته الأسبوعية من المقالات المطولة حول مواجهة التطبيع مع العدو. ويكاد يوجد شبه إجماع على اعتبار إسرائيل عدواً، ونحن في حالة حرب معها، وهي تحتل أراضي سورية. لكن إذا ما أثير جدل، تتباين الآراء حتى في أوساط التيار الواحد، ويتبين أن هناك فهماً متنوعاً أو عدم فهم  لكيفية مقاربة هذا الموضوع الحساس. فالبعض يرى وجوب التمييز بين اليهودي والصهيوني، أو بين اليمين واليسار في إسرائيل، والبعض يرى أنه لا يوجد فارق، فالكل صهاينة. ولا تنعدم أصوات خجولة تقول إنها مع السلام العادل والشامل. هذه الأصوات الأخيرة، تزداد حرجاً عندما تصعد إسرائيل جرائمها الحربية ضد العرب.

حين أثرنا، مع بعض الكتاب السوريين، موضوع استضافة إسرائيل كضيف شرف في صالون باريس للكتاب، وموقف العرب منه، صادف حضور الكاتب التركي محمد دار أوغلو، أحد منظمي مهرجان اسطنبول السنوي الدولي للشعر، وكشف لنا أوغلو أن مدير المهرجان زكي تونبك يرفض دعوة إسرائيليين للمشاركة في المهرجان، وقد واجه ضغوطاً كبيرة وانتقادات بسبب موقفه. ويقول أوغلو إن مدير المهرجان رد على منتقديه بأن إسرائيل دولة احتلال ومغتصبة للحقوق الفلسطينية، وأن الشعراء المشاركين هم شعراء تقدميون وإنسانيون، وهذا يناقض الأيديولوجيا الصهيونية.

  الشاعر والمترجم السوري رفعت عطفه، مع المقاطعة بكل أشكالها، «لأن إسرائيل عدو، ويتوجب معرفة عدونا، وطريقة تفكيره وأدواته. وحين نترجم نماذج من أدبياته علينا أن نذكر ان الغاية، هي التعمق في معرفة هذا العدو وطرق تفكيره. وهذا يحتاج إلى مقدمة من ناقد أو مترجم، تساعد في تحليل خطاب العدو». ويرى عطفه أنه لا داعي لمقاطعة المحافل الدولية لمجرد مشاركة إسرائيليين فيها، «فيجب أن نمتلك الثقة بالنفس، والمقدرة على الإقناع. أما عن الذين يدعوننا من الغربيين إلى إجراء لقاءات مع الإسرائيليين من أجل السلام، يعرفون إن هذا ليس طريق السلام».

ويقول عطفه: من خلال تجربتي في أوروبا واجهت بعض المواقف الاستفزازية التي تحمل العرب مسؤولية عدم تحقق السلام، وتصور إسرائيل على أنها ضحية! وكان علينا أن نخوض جدلاً يذكر الأوروبيين بأن اليهود عبر وجودهم في أوروبا كانوا يرفضون الاندماج، وإنهم جماعة (الغيتو) والكيانات الانعزالية، بينما المهاجرون العرب اندمجوا في المجتمعات الأوروبية منذ الجيل الأول، وكذلك في أميركا اللاتينية، حيث يوجد ما يزيد عن العشرين مليون من أصول عربية، اندمجوا وأصبحوا فاعلين في أوطانهم الجديدة، وكذلك الأمر بالنسبة للمهاجرين الهنود والأفارقة، إلا اليهود الذين يدعون أنهم شعب الله المختار!  

أما الدكتور بشار خليف، الأديب والباحث في التاريخ القديم، فيرى أن من أول واجبات المثقف العربي، مقاطعة المنتج الثقافي الإسرائيلي، وليس اليهودي ،لأن هناك يهوداً معادين للدولة العبرية. ويقول: «الثقافة الإسرائيلية، هي نتاج معرفي غاصب، تجرد من أساسيات الفعل الثقافي وجدواه، لأنه قام على السلب والاحتلال، لهذا لا يمكن الالتقاء بين الضحية والقاتل في جملة ثقافية واحدة».

وتعليقاً على دعوة إسرائيل كضيف شرف في صالون باريس للكتاب، يقول خليف: «تفوح من هذه الدعوة رائحة فاسدة، وسلوك فرنسا اليوم، يذكر بالتقليد الأوروبي منذ سايكس ـ بيكو، يحتفي باغتصاب فلسطين، وقيام الدولة العبرية، ويحتسي كأس الاغتصاب المقدس عبر دعوة إسرائيل كضيف شرف!!». ويخلص إلى القول: «المقاطعة حسنة، لكن الأحسن أن تفعّل المؤسسات العربية، كي يكون لها تأثير مواز في المحافل الثقافية الأوروبية». قد نجد مواقف أخرى، أقل حدة من موقف الدكتور بشار خليف، أو أكثر تطرفاً، لكنها تكاد تجمع على رفض التطبيع، وإن كان البعض، لا يحبون هذه المفردة التي استخدمت كثيراً في مرحلة سابقة، ويرون أنه لا مبرر لإثارتها طالما لا أحد هنا يطبع مع العدو.