الحركة المسرحية السعودية تكسب اعترافاً حكومياً و«تعلن ولادتها»

دعم غير محدود من وزارة الثقافة والإعلام.. وعروض احترافية

رجاء العتيبي
TT

بالرغم من أن المسرحيين السعوديين اختاروا اليوم العالمي للمسرح الأسبوع الماضي لإطفاء شعلة مهرجانهم الرابع، إلا أنهم اعتبروا هذا اليوم الولادة الحقيقية لحركة المسرح السعودي، لأن هذه الحركة تلقت أخيراً دفعة منعشة من الدعم الحكومي الذي كانت تنتظره الفرق المسرحية السعودية منذ زمن.

فلأول مرة في السعودية يمكن القول إن الحركة المسرحية تلقت اعترافاً حكومياً تمثل في إقدام وزارة الثقافة والإعلام على تبني تنظيم مهرجان مسرحي مكتمل البناء من حيث العروض وورش التدريب وندوات التقييم والنقد ودعوة عشرات الضيوف من المختصين في شؤون المسرح، وكذلك الإعلان عن جائزة للأعمال المسرحية لتنشيط المنافسة بين الفرق التي كانت تعاني منذ زمن من الإهمال والتهميش.

وفي صورة المشهد الثقافي السعودي فإن المسرح الذي يُعتبر «أبو الفنون» ظل يشتكي عقوداً من الضياع والافتقار إلى بنية تحتية، وإلى جحود اجتماعي، وكانت الفرق المسرحية تعامل باعتبارها مناشط هامشية في الحياة الثقافية، وظلت الثقافة المسرحية تشتكي من فرز اجتماعي لا يتقبل الصورة التعبيرية للفن المسرحي، خاصة إذا اقترن المسرح بأدوات عرض تتناقض مع الثقافة السائدة، بل ان مفهوم المسرح الشعبي ظلّ محدوداً ومحصوراً، ونما هذا الفن ضمن النشاط المدرسي والجامعي، وداخل قاعات مغلقة لجمعيات الثقافة والفنون، ولم يتصالح المسرح بعد مع المرأة.

لكن المسرحيين السعوديين اعتبروا أن ولادة حركتهم المسرحية الحقيقية تمت في المهرجان الرابع الذي اختتم الأسبوع الماضي، وليس قبل ثماني سنوات حين أقيم أول مهرجان في بريدة بالقصيم وسط السعودية. ويشير المسرحيون السعوديون إلى أن التجربة المسرحية المحلية تم تأسيسها في المهرجان الرابع على أساس حديث وأن حركتهم اكتسبت زخماً كبيراً بدخول وزارة الثقافة والإعلام في التصدي المباشر لتنظيم مهرجاناتهم، وقبل ذلك تأسيس جمعية مسرحيين تجمع المهتمين بالهم المسرحي.

الفنان احمد الهذيل، مدير عام مهرجان المسرح السعودي، رئيس جمعية المسرحيين السعوديين قال لـ«الشرق الأوسط» إن المهرجان الرابع يمثل البداية الحقيقية لانطلاق المسرح السعودي، ففي السابق كانت المهرجانات تعتمد على عروض مسرحية وتنتهي الاحتفالية، بيد أن المهرجان الأخير حظي بتبني وزارة الثقافة والإعلام، الجهة المعنية بالنشاط الثقافي، التي اعتبرته أحد الأنشطة الثقافية، وقال الهذيل إن مهرجان المسرح الرابع أضاف الكثير لتجربة المسرح السعودي، لأنه قدم بشكل كمهرجان متكامل كبقية المهرجانات الاخرى التي تقدم في الوطن العربي.

في حين قال المخرج المسرحي السعودي رجاء العتيبي، وهو أيضاً رئيس اللجنة الفنية للمهرجان، إن المهرجان قدم عروضا احترافية وأثبت حضور المسرح السعودي، وذكر العتيبي لـ«الشرق الأوسط» أن «مهرجان المسرح السعودي الرابع أجاب في 10 أيام عن سؤال: أين هو المسرح السعودي؟، لقد رأينا خلال أيام المهرجان عروضا احترافية يقودها مخرجون متميزون، ولمسنا مدى اندهاش ضيوف المهرجان بالمستوى الراقي للعروض». وأضاف «كان المهرجان فرصة كبيرة لأن يرى 50 مسرحيا عربيا المسرح السعودي بصورة مكثفة وخلال فترة وجيزة، وراهن الكثير منهم على تسيد المسرح السعودي خلال السنوات الخمس المقبلة لو أنه استمر بهذا المستوى وتلقى دعماً دائماً وليس دعماً موسمياً».

وأضاف العتيبي، وهو احد المخرجين المسرحيين، الذين قدم أعمالاً أبرزها المسرحية ذائعة الصيت «وسطي بلا وسطية» في كلية اليمامة بالرياض، أن «المسرح السعودي لم يتوهج بعد بالصورة التي نريدها. كل ما هنالك هي أعمال مسرحية مدعومة سنويا من الجهات الحكومية. فعند وقت صدور ميزانية المسرح نرى مسرحا يكون حجمه بحجم الميزانية». ثم يتوقف المسرح لحين صدور الميزانية الجديدة من العام المالي اللاحق، فهو ليس تذبذبا كما يخيل إلينا، بقدر ما هو مسرح (حولي) حكومي مرتبط بميزانية حكومية.

وقال إن الجهات (التقليدية) المعنية بالمسرح أو التي لها اهتمامات مسرحية مثل: جمعيات الثقافة والفنون والجامعات والمؤسسات التربوية، تنتج مسرحا حوليا بميزانية قليلة ليس فيها نصيب للدعاية والإعلان، وهي على هذه الحالة من سنوات طويلة، ولكن أمانة منطقة الرياض قلبت على الجميع الطاولة وأثبتت أن للمسرح جماهير وفنانين ومخرجين على قدر عال من الاحترافية.

* محمد العثيم : المسرح السعودي كسب

* مساحة إضافية

* اعتبر الكاتب المسرحي، محمد العثيم، أن المسرح السعودي كسب أخيراً مساحة واسعة للإبداع، بتشكيل جمعية مدنية للفنانين المسرحيين، كما أعتبر أن عودة مهرجان المسرح بعد ثماني سنوات من الانقطاع يعد مكسباً آخر يرفع من رصيد الحركة المسرحية السعودية.

وقال العثيم إن المكسب الثالث هو إضافة جائزة باسم احمد السباعي، وهو ما يعتبر اعترافاً رسمياً بالمسرح في السعودية، كما ان تنظيم المهرجان من قبل وزارة الثقافة والإعلام يمثل هو الآخر رعاية حكومية لهذه المسيرة الفنية المتعثرة. وكان وزير الثقافة والإعلام الدكتور إياد مدني قد أعلن في افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان المسرح السعودي في الرياض خلال الفترة 16 ـ 28 مارس (آذار) الماضي، عن جائزة الرائد المسرحي أحمد السباعي التي ستوزع خلال الدورة الخامسة من المهرجان. وقالت الوزارة انها ستشكل لجنة تعمل على تحديد أهداف الجائزة وشروطها. وأشار مدني إلى أن «اختيار السباعي لتحمل اسمه الجائزة جاء لأنه الاسم الأول في المسرح السعودي، ولأنه كان رائداً، وكان يملك قناعة بضرورة المسرح كجزء من الحياة»، كما أعلن الوزير إقامة المهرجان كل سنتين في المرحلة الأولى على أن يصار إلى تنظيمه سنوياً.

واعتبر العثيم أن الحضور النسائي في المهرجان أضاف مساحة لتميزه.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المهرجان بالقيــاس للمهرجانات الأخرى يُعد ناجحاً، ونجاحه يعود إلى التمويل السخي من وزارة الثقافة والإعــلام، ودعم الوزير مدني شخصياً، وكذلك لوجود المشــاركين والضيوف من المسرحيين العرب».

ويعتبر العثيم احد أبرز المسرحيين السعوديين الذين حملوا الهمّ المسرحي بين جوانحهم، إذ تنسبب الولادة الحقيقية للتجربة المسرحية السعودية على مستوى الكتابة، في جزء كبير منها، الى اسهاماته التي اصبحت نافذة للمسرح الســعودي عبر نصوص شاركت في مهرجانات عربية ولاقت صدى لافتا لتجاوزها الصورة النمطية المألوفة عن هذا المسرح، من قبيل «حلم الهمذاني» و«غبار بن بجعة» و«البطيخ الازرق» و«تراجيع».

التحق العثيم بجامعة الملك سعود استاذا في قسم الاعلام، ومن ثم مدرسا لمادة المسرح في شعبة المسرح التي افتتحت لمدة قصيرة وتم اغلاقها (في ظروف غامضة). وشارك في تحكيم عدد من المهرجانات الخليجية والعربية، الى جانب دراسات وبحوث طاف بها الوطن العربي.