الروائي مكاوي سعيد: فوز بهاء طاهر أسعدني ومنافستي له شرف كبير لي

أشاد بجائزة «بوكر» العربية ونزاهة لجنة تحكيمها

مكاوي سعيد
TT

أغواه الشعر في بداية حياته، قبل أن ينتقل إلى كتابة القصة القصيرة فأصدر مجموعته الأولى «الركض وراء الضوء»، ثم رواية «فئران السفينة»، وسقط بعد ذلك في جب النسيان لمدة عشرين عاما، ليعود بعد ذلك الروائي المصري مكاوي سعيد بروايته «تغريدة البجعة». لم تكتف هذه الرواية بتحقيق نجاح وعودة صاحبها إلى دائرة الضوء، بل ليزاحم بها الكتاب الكبار والشباب. وكانت مفاجأة أن تحتل هذه الرواية مكانتها بجدارة ضمن القائمة النهائية لجائزة بوكر عربية.

هنا حوار في القاهرة مع مكاوي سعيد حول تجربته وخفاياها.

> بعد انتهاء الدورة الأولى للنسخة العربية من جائزة البوكر الدولية، ووصول روايتك «تغريدة البجعة» للقائمة النهائية، كيف ترى هذه التجربة والهجوم الذي تعرضت له الجائزة؟

ـ أية جائزة كبرى تقابل بهجوم في بدايتها حتى تستقر. أنا أفهم أن الذي يهاجم الجائزة لا يتقدم إليها، والذي أعلمه أن هذه الجائزة تقدم لها 150 كاتبا عربيا، وعبر خبرتي المتواضعة أشيد بحيادية لجنة التحكيم. فأنا كاتب غير معروف بالمرة في البلاد العربية، وغير معروف للجنة التحكيم، وبرغم ذلك وصلت روايتي إلى القائمة النهائية ضمن ستة أعمال تنافست على الجائزة. هذا دليل في رأيي المتواضع على نزاهة لجنة التحكيم.

> هل أضافت هذه الجائزة شيئا لك؟

ـ سلطت الأضواء عليّ بشدة في الوطن العربي. وهذا ما كنت أحلم به، أن يقرأني الأشقاء العرب. والنتيجة النهائية للجائزة بفوز بهاء طاهر أسعدتني جدا، فهو أستاذي وأمتعني بكتاباته طيلة حياتي. وقد شرفت بأن أكون معه في قائمة واحدة، أما أن أتنافس معه فهذا معجزة بالنسبة لي.

> كيف تفسر انتشار الروايات التي تتناول نفايات المدينة من فساد ورشوة وأطفال شوارع، والتي توصف بالواقعية القذرة خاصة أن روايتك «تغريدة البجعة» تقع في تلك المنطقة؟

ـ أرجع ذلك إلى سيادة مفهوم عقيم للرواية، في فترة ما، ادعى كتابها أنها تنتمي إلى الحداثة وما بعدها، وتدور في منطقة فارغة غاب فيها الإنسان. سقطت هذه الكتابات في هوة اللغة، واغفلت عن عمد أو جهل أن تاريخ الرواية العربية لا يتجاوز سبعين عاما. أما الغرب فله تاريخ طويل مع هذا الفن يصل إلى خمسة قرون. حرق المراحل الذي دعا إليه بعض الكتاب لكي ننخرط في الحداثة جعل القارئ ينفر من القراءة؛ وأخيرا عندما وجد القارئ أن هناك كتابة جميلة عن الواقع بمآسيه وضياعه وأحلامه أحب هذه التجارب، وهو ما أطلق عليها النقاد تجاوزا «الواقعية القذرة» مثل رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني و«فاصل للدهشة» ليسري الفخراني.

> المتابع للروايات التي ظهرت أخيرا يجد وكأنها مقاطع من سيرة الكاتب هل تتفق مع هذا الأمر؟ وهل «تغريدة البجعة» هي من هذا النوع؟

ـ اختلف معك بالتأكيد. أعتقد أن حميمة الكتابة التي تصل إلى القارئ مباشرة تجعله يصدق الكاتب ويتعاطف معه، مما يوحي بسيرة ذاتية. قالوا هذا الكلام على رواية الأسواني «عمارة يعقوبيان» ثم جاءت روايته «شيكاجو». ولا اعتقد أن للكاتب أكثر من سيرة ذاتية، وإلا فكيف يكتبها في عدة روايات. مثلا أنا لم أسافر إلى أي بلد عربي أو أوروبي ورغم ذلك شخوصي تتحرك في بلدان كثيرة.

> عشرون عاما تقريبا ما بين رواية «فئران السفينة» و«تغريده البجعة»، لماذا كل هذا الغياب؟

ـ أنا كاتب مشغول بأشياء كثيرة منها كتابة سيناريوهات للسينما التسجيلية والوثائقية والروائية القصيرة ولي محاولات في الكتابة للسينما الروائية. وإن كانت لم تنجح حتى الآن بسبب اختلاف في وجهات النظر مع المخرج، كما اننى استغرق وقتا طويلا في كتابة الرواية.

> بدايتك الأولى مع الكتابة... كيف كانت؟

ـ بدأت في الفترة الجامعية. كنت شاعر الجامعة في عام 1979. وكان من المفترض أن اصدر ديوانا في أوائل ثمانينات القرن الماضي، لكن نظرت في قصائدي التي أعجبت أصدقائي في ذلك الوقت فوجدتها ذاتية وأنانية وسخيفة واقرب إلى السرد منها إلى الشعر، وكنت قد كتبت بعض القصص القصيرة. وذات يوم تشجعت وذهبت إلى نادي القصة وقرأت قصة على الحاضرين الذين صفقوا طويلا ثم انتحى بي جانبا الناقد توفيق حنا وقال لي كلاما كبيراً، مثل أن كتابتي تشبه كتابات تشيكوف، وكان هذا حافزا جميلا.

بعدها بعامين أصدرت أول مجموعتي القصصية «الركض وراء الضوء». واحتفى بها القاص الموهوب يحيى الطاهر عبد الله. ثم كتبت رواية «فئران السفينة» التي تقدمت بها إلى مسابقة سعاد الصباح وفازت بالمركز الأول في عام 1991 وصدرت لها أربع طبعات. ثم أصدرت مجموعتي قصص قصيرة.

وأخيراً رواية «تغريدة البجعة» وأذهلني أنها نفدت بعد شهرين من صدورها وصحبتها حفاوة نقدية وجماهيرية، وتوجت أخيرا بالوصول إلى القائمة النهائية لجائزة بوكر عربية.

> كيف ترى تجاهل النقد لرواية «فئران السفينة»؟

ـ للآسف صاحب صدورها التدخل الأمريكي في المنطقة وتداعيات حرب الخليج، ولم يلتفت إليها نقديا إلا في الطبعة الرابعة عام 2000 عندما سقطت الحسابات السياسية التي صاحبت هذه الرواية.

والغريب أن «فئران السفينة» كانت تتناول أحداث 18 ـ 19 يناير 1977 داخل الجامعة المصرية والتيارات السياسية الشائعة بين الطلبة، ولم تكن تتناول الهم العربي على الإطلاق.

> إلى أي مدى أثر عملك في السينما كسينارست في بناء رواية «تغريدة البجعة»؟

ـ استفدت كثيراً من الكتابة السينمائية. فبعدما انتهيت من الرواية وجدت أنني استفدت من عنصر التشويق، وهذا يرجع إلى تأثري الشديد بكاتب السينارست الشهير سدفيلد الذي عمل مستشارا لكبرى شركات الإنتاج والذي كان دوره أن يقرأ السيناريوهات ويختار الصالح للإنتاج.

وقد كتب في مستهل كتابه «فن كتابة السيناريو» أنه كان يقرأ المشاهد العشرة الأولى من أي سيناريو فإذ دفعته لقراءة المشاهد التالية يعتبر السيناريو جيداً، وإن لم يستطع فهو فاشل، ولا بد أن به خللا ما. كما انني استفدت من تقنية المونتاج المتوازي وهذا أتاح لي التنقل في الزمن حتى لا يحس القارئ بالملل.

واستفدت أيضاً من تقنيات المشهدية خاصة في مشاهد موت هند وانتحار جوليا ومنزل أولاد الشوارع بحيث تحس أنك تشاهد عملا سينمائيا. كما افدت من تقنية كسر الإيهام لبرخت في المسرح واستخدمت المونولوج الداخلي. كل ذلك يكسب النص قوة.

> أوليت أهمية كبرى للواقع، هل هو المثير الأول للكتابة عندك؟

ـ لا، الفكرة هي المثير الأول للكتابة، لكل ما تريد أن توصله للقارئ والأسئلة الحائرة التي بلا إجابة، والخبرات السابقة المؤلم منها والجميل، مما تريد أن تشارك به القارئ ثم الواقع وتحولاته في مرحلة لاحقة.

> هل تغير مفهومك للكتابة ما بين «فئران السفينة» و«تغريدة البجعة» بخاصة أن بينهما فاصلا زمنيا كبيراً؟

ـ من حسن حظي لم يتغير مفهومي للكتابة. حتى عندما سادت الكتابة الذهنية في فترة من الأوقات لم أراهن عليها، وظللت اكتب ما أحبه. عندما أكتب شيئا يكون مؤشري، رأي الموظفة البسيطة التي تكتب على الكمبيوتر. هل فهمت شيئا مما أكتبه أم لا؟ وكذلك أهلي البسطاء خارج نطاق المثقفين ثم الأصدقاء. وعندما أطمئن لكتابتي أدفع بها إلى المطبعة بدون الاهتمام بذائقة ناقد أو اتجاه عام يسود.

> هل تتفق معي في أن اللغة كانت فوق مستوى الشخوص في الرواية ؟

ـ لأن الراوي ببساطة كان يكتب الشعر، ولذلك جاءت اللغة اقرب إلى لغة الشعر، وهذا يتفق مع مفهوم ووعي الراوي وإحساسة باللغة.