أحفاد بوب مارلي المغاربة يتألقون

«ضركة» اسمهم وأرض العالم وطنهم

TT

«ستوب بركة» او «سطوب بركة» كما تلفظ بالمغربية، هو عنوان الألبوم الجديد الذي عادت به فرقة «ضركة»، بالدارجة المغربية، إلى الواجهة. وقد خرجت هذه الفرقة «البيضاوية» من معطف «المعلمين» الكناويين ومن لفافة بوب مارلي الشهيرة في نهاية التسعينات، متشبعة بثقافة موسيقية عالمية. فرسان هذه الفرقة التسعة أقسموا على إيصال الموسيقى المغربية الكناوية إلى العالمية. كيف؟ بمزجها بأساليب موسيقية قريبة منها، تستعمل نفس الإيقاعات، والخلفيات الفكرية. فما يسمى اليوم بموسيقى العالم World music، ليس تجميعا مجانيا لمكونات موسيقية وفلسفية، بل تركيبا منهجيا لرؤى موسيقية متجانسة. لذلك فاجتهادات «ضركة» معقولة، لأنها تحفر في نفس البنيات الأنتربولوجية لمرجعيات موسيقية توحدها الإيقاعات الكونية. فـ«الريكي» الذي أوصله الشهير بوب مارلي إلى قمة العالمية، يعد زاداً موسيقياً وروحياً لفرقة «ضركة» وغيرها من الفرق التي تبنت إيقاعاته وفلسفته الاحتجاجية من أمثال «كناوة ديفيزيون» التي يرأسها المغني الجزائري الشاب أمازيغ، ابن الكاتب الجزائري العملاق كاتب ياسين.

لما تأسست فرقة «ضركة» في منتهى التسعينات، لم تكن تعتقد أن سفينتها ستبحر عاليا في محيط الموسيقى المغربية الحديثة، إذ تميزت مشاركاتها الأولى في المهرجانات الشبابية بالتواضع، مما سمح للشك بأن يتسلل إلى قلوب أعضاء الفرقة. وما هذا الشك سوى نتيجة طبيعية لعاملين اثنين: الأول يتمثل في غياب ردود الفعل الثقافية حيال هذا النوع من الموسيقى، حيث كان يعتبرها المتشبعون بموسيقى ناس الغيوان وجيل جيلالة الملتزمة، عبارة عن تقليد مستلب لجيل ضائع، والثاني يتجلى في حداثة التجربة وعدم التحكم في الوسائل الكتابية والتقنية لفرقة موسيقية محترفة. غير أن التحولات السوسيو ـ ثقافية جرت البساط من تحت أقدام الموسيقى التقليدية كأغاني عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بالخياط وسميرة سعيد وتجربة المجموعات كناس الغيوان والمشاهب وجيل جيلالة، ودفعت إلى الواجهة بأنواع موسيقية غربية تشبع بها الشباب المغربي وحاول تأصيلها في التربة الإيقاعية المحلية.

«ستوب باركا» يأتي أربع سنوات بعد ألبوم الفرقة الأول، وقد أنتجته الفرقة بنفسها نظراً لصعوبات الإنتاج الموسيقي في المغرب، وكلف عشرين ألف دولار، عكس الألبوم الأول الذي لم يتجاوز الخمسة آلاف. وقد تكفلت الفرقة بتوزيعه أيضا بسبب ضعف شبكة التوزيع المحلية وغلائها. الألبوم الجديد يضم أغاني ضركة الشهيرة مثل «تشوميرا»، بطالة، بالدارجة المغربية، و«عبد الكريم الخطابي» التي حاولت فيها الفرقة إعادة قراءة تاريخ قائد ثورة الريف ضد الاستعمار الإسباني، وأخرى جديدة مثل «ناري على حالة»، و«الكبالة» التي غنوها بمشاركة فرقة الراب المغربية الشهيرة «آش كاين». الألبوم الجديد يبقى وفيا لرؤية «ضركة» الفنية المتمثلة في مزج الأجناس الإيقاعية من «ريكي» و«كناوي» و«راب»، أي المرجعيات الموسيقية المعتمدة على «البيت»Beat المتقطع الذي يعتبر عصب الموسيقى التي هاجرت من أفريقيا لتستوطن إيقاعات «الجاز» و«البلوز» و«الكوسبل» في أميركا و«الريكي» في جامايكا. بينما نجد المعادل الإيقاعي لهذه الأنواع في موسيقى «كناوة» المغربية الآتية من جذور أفريقيا جنوب الصحراء بطبولها وتوزيعها القوي المتناغم مع «الكنبري» و«القراقب»، الصناجات.

رغم المديح الذي خصت به الصحافة الناطقة بالفرنسية ألبوم «سطوب باركة»، فإن تجربة أبناء الدارالبيضاء الفنية مازالت في حاجة إلى الصقل، لاسيما في ما يتعلق بالتجريب الموسيقي وكتابة النصوص التي تتوخى القراءة السياسية للواقع المغربي. فالأغنية الاحتجاجية تلزمها المعرفة الفكرية والفلسفية بالواقع والثقافة المغربيين مثلها مثل المزج بين الأشكال الموسيقية العالمية الذي يحتاج إلى المتابعة والاستيعاب. يمكن إذن اعتبار «سطوب باركا» لبنة متواضعة، لكنها مهمة في بناء الموسيقى المغربية الجديدة. فالجولات الناجحة التي قامت بها الفرقة في اسبانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد دليل على أن حفدة بوب مارلي وضعوا أقدامهم على بداية طريق الشهرة الطويل.