ثقافة الطبقة الوسطى في الخليج.. أين أصبحت؟

باحثون خليجيون يتحدثون عن تشكلها وطبيعتها ومساراتها اللاحقة

TT

* ملف من إعداد ميرزا الخويلدي

على الرغم من أن عدداً غير محدود من المثقفين الخليجيين بدأوا منذ فترة يقرعون نواقيس الخطر من أن الطبقة الوسطى في الخليج تتعرض للانحسار، والتلاشي، إلا أنه من الواضح أن المعايير التي يجري تطبيقها لدراسة أوضاع الطبقة الوسطى في العالم، لا يمكن تطبيقها بالكامل على الوضع في الخليج. ففي حين يشتكي الخليجيون من انحسار هذه الطبقة، بسبب موجة الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة، الأمر الذي يدفع للتحذير من هزات اجتماعية غير محسوبة، باعتبار أن استقرار الطبقة الوسطى صمام أمان لاستقرار المجتمع، في حين يرى آخرون عكس ذلك، والدليل على ذلك من وجهة نظرهم، أن هذا الطبقة لا تزال حاضرة بقوة في جميع المساهمات والاكتتابات الكبيرة في حركة سوق الأسهم الخليجية، وأن أنماط الاستهلاك لا تزال مرتفعة، مما ينعكس بالضرورة على ثقافتها، على الرغم من أن هذه الثقافة، حسب بعض المفكرين، قد تشكلت في عصر الطفرة النفطية ولم يجر تحديثها لكنها تختزل داخلها شرائح التحديث وهو الهامش الضامن في وجه أي اهتزازات في المجتمع. في التحقيق التالي، تستطلع «الشرق الأوسط» آراء عدد من المفكرين الخليجيين، حول أوضاع الطبقة الوسطى في الخليج وثقافتها.

يقول الباحث الإماراتي الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات: تعتبر الطبقة الوسطى، تاريخياً، هي الطبقة التي تحقق الاستقرار في المجتمعات البشرية، ويمثل وجودها أكثر مصادر الاستقرار لهذه المجتمعات. وكلما كانت هذه الطبقة واسعة، وتشمل الجميع، نرى الاعتدال، ذلك لأن وجودها يمثل مصدراً مهماً للاستقرار والاعتدال، ولابدّ أن نحرص عليها لما لها من سمات.

في دول الخليج العربية، مثلت الطبقة الوسطى أحد أهم المكتسبات التنموية الوطنية خلال 40 عاماً الماضية، وقد تميزت دول الخليج جميعها بنمو كبير للطبقة الوسطى، حتى تمكنت هذه الدول من أن تخلق طبقة وسطى مهمة، وساهمت هذه الطبقة في التحولات الايجابية.

ويرى الدكتور عبد الله أن الطبقة الوسطى في الخليج، اليوم، مهددة وتعاني صعوبات، في ظل بروز أغنياء الأغنياء في المجتمعات الخليجية، وفي ظل التوزيع غير العادل للثروة، والغلاء الضخم الذي يتوقع له أن يزيد ويستمر خلال السنوات الخمس المقبلة، وكذلك عدم وجود انفتاح اقتصادي، فإن انحسار الطبقة الوسطى أو تفتتها يهدد المجتمع الخليجي بنحو عام بعدم الاستقرار.

ويضيف الباحث الإماراتي: إن الآمال كثيراً ما تتجه لمؤسسات الدولة في الخليج لوقف انهيار الطبقة الوسطى، والعمل على إعادة بنائها، لكننا نعلم أن الدولة ليست الطرف الوحيد المؤثر، فهناك ظروف اقتصادية محلية ودولية تساهم في انحسار دور الطبقة الوسطى، ومضاعفة صعوباتها، وبالتالي فهي عملية مجتمعية.

وحذر الدكتور عبد الله من أن الاستئثار بالثروة أكثر خطراً من الاستئثار بالسلطة، إذ إن هناك تكدساً للثروة بطريقة مضرة حسب وجهة نظره، وهو يعتقد أن تدوير الثروة هي مسؤولية تقع على عاتق المجتمع من خلال نخبه وقياداته الاقتصادية ورجال الأعمال، ومؤسسات النفع العام.

وشدد على دور النخب المتعلمة في الخليج لمساعدة الطبقة الوسطى على إعادة تكوين ذاتها مجدداً، لأن المهمة ليست مقتصرة على الحكومات.

إن هناك، كما يضيف، مصلحة حكومية في بلدان الخليج لانتشال الطبقة الوسطى وإعادة تكوينها، باعتبارها العمود الفقري للاستقرار والأمان المجتمعي.

* الدخيل: الطبقة الوسطى عنوان المجتمع

* الباحث السعودي، الدكتور عبد العزيز محمد الدخيل، رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل في الرياض، يرى أن الطبقة الاجتماعية الوسطى اقتصادياً، هي تلك الطبقة المحصورة بين طبقتين، طبقة دنيا وطبقة عُليا. والطبقة الدنيا هي التي توصف عادة بذات الدخل المحدود أو ما هو أقل بما في ذلك الطبقات الفقيرة. وكلما زادت هذه الطبقة الاجتماعية عدداً وزاد أفرادها فقراً، كلما كانت حاضناً أكبر لمجموعة من عوامل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأصبحت عبئاً كبيراً على كاهل المجتمع والاقتصاد الوطني.

أما الطبقة العُليا اقتصادياً، فهي تلك الطبقة الاجتماعية الموسومة بالثراء المالي، وعلى الرغم أن زيادة أعداد هذه الطبقة ظاهرة محمودة في النظام الرأسمالي ـ الاقتصادي الحر ـ إلا أن منشأ هذه الثروات وطريقة استخدامه له ارتباط وثيق بانعكاسات هذه الثروة على المجتمع سلباً أو إيجاباً. والثروة وهي سلطة قوية إن كان استخدامها متروكاً على عواهنه قاد إلى الاحتكار والاستغلال والفساد.

وتعرف الطبقة الوسطى، أنها هي الحاضنة لمتوسطي الدخل بحديه الأعلى والأدنى، وهي الطبقة الكبرى في المجتمعات التي نمت نمواً مؤسساً على أطر سياسية واقتصادية واجتماعية متقدمة تجمع بين العقلانية والتراث محكومة بضوابط العدل وحرية الرأي والقانون والمساءلة عن استخدام المال العام. في هذه الطبقة يكثر عادة المثقفون والمديرون والمدرسون والأطباء والعلماء ورجال الدين ورجال الأعمال وأصحاب المهن الحرة وأصحاب المهارات العالية.

هذه الطبقة بحجمها الكبير وتنوع عناصرها هي التي تعكس صفات المجتمع وتصف حاله الراهنة وتشير إلى مستقبله.

وكلما كبرت هذه الطبقة وأصبحت غنية بمواردها البشرية كماً ونوعاً كلما كان ذلك داعياً للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للأمة. هذه الطبقة هي أرض الميعاد اقتصادياً واجتماعياً للطبقة الفقيرة والأمل الذي يحدوهم ويكدحون من أجله.

من هذه الطبقة يخرج القادة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

إنها عنوان المجتمع والعينة البشرية التي تحمل أعلى نسبة تمثيل له واستشرافاً لمستقبله.

وبالنسبة للطبقة الوسطى في المملكة العربية السعودية، يقول د.الدخيل: التنمية غير المتوازنة التي مرت بها المملكة خلال العقود الماضية لم تحظَ فيها التنمية البشرية بجميع عناصرها التعليمية والصحية بنصيب الأسد، فكان هناك اندفاع قوي جداً في بناء المشاريع الضخمة والكبيرة ولم يكن مقابلها أو ملازم لها مشاريع بذات الحجم تتعلق ببناء عقل الإنسان وقدراته العلمية والمهنية. لذا أدت هذه التنمية إلى زيادة في عدد الطبقة الثرية والثرية جداً، وزيادة في عدد الطبقة ذات الدخل المحدود أو الفقيرة وكانت الزيادتان على حساب الطبقة الوسطى التي تقلص حجمها.

المؤشرات الجديدة لبعض الخطط التنموية التي أعلنت عنها الدولة أخيراً تنحو نحو الاهتمام ببناء الإنسان: رأس المال البشري ورأس المال الوطني الأهم. ومن شأن مخرجات هذه الخطط أن تزيد من حجم الطبقة الوسطى وتكرس وجودها، إن هي حققت أهدافها التي قامت من أجلها ولم تنحرف عنها خلال التطبيق.

إن المعيار الحضاري للأمم لا يقاس بعدد أثريائه، إنما يقاس بحجم ونوع طبقته الوسطى الحاضنة لبذور التقدم والنمو، فكلما كانت الطبقة الوسطى هي الأكبر بين الطبقات الاقتصادية والاجتماعية الثلاث، كان الأمل كبيراً والمستقبل واعداً بتنمية متوازنة واقتصاد نام ووضع سياسي واقتصادي واجتماعي مستقر.

الكواري: الطبقة الوسطى

تتحمل مسؤولية وضعها

> من العاصمة القطرية، الدوحة، يقول محمد صالح الكواري، مدير مركز الخليج للتنمية:

من الصعب تحديد مفهوم الطبقة الوسطى في دول الخليج، فأحياناً يجري تحديد المصطلح بالأشخاص المكتفين مادياً ولديهم الاستعداد للتأثير الايجابي داخل المجتمع، لكن يمكن القول إن هذه الطبقة هي الرافعة للقيام بدور تنموي، وخلق حراك حضاري داخل المجتمع.

وبذلك فإننا نلحظ وجود مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر سلباً على دور الطبقة الوسطى، وعلى حجمها، وربما تؤدي إلى تآكلها. من بين هذه العوامل، التضخم وارتفاع الاسعار، وكذلك تنامي احتياجات الطبقة الوسطى، حيث تغيرت أنماط الحاجة لدى هذه الطبقة عما كانت عليه قبل 40 عاماً، وبالتالي فالطبقة الوسطى صارت بحاجة إلى الحصول على دخل مرتفع نسبياً، في ظل معاناتها من ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الحصول على السكن والزواج. ويرى أن التضخم أفقد ثروات الأفراد نسبة مرتفعة من قيمتها مما جعلها تتآكل.

وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الطبقة الوسطى غير محمية بوجود مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي فهي عرضة للتمدد والانكماش حسب إمكانات الدولة الريعية القادرة على ضخّ أموال وتوفير إمكانات.

ويرى الكواري أن مخاطر انحسار الطبقة الوسطى في الخليج كبيرة، فهي مؤشر على النماء غير المتوازن للمجتمع، وظهور حالات عدم الاستقرار، وربما سقوط بعض الأفراد في براثن الاتجاهات والأفكار المتطرفة والعنيفة.

وهو يعتقد أن الأثر الآخر لإضعاف الطبقة الوسطى هو ازدياد حالات الشعور بالإحباط والتذبذب والخوف من المستقبل، ويرى أنه حتى مع وجود النيات الايجابية فإن مشاعر الإحباط تتصاعد إذا تم تهشيم الطبقة الوسطى، كذلك فإن التأثير يمتد لانحلال الشعور بالمسؤولية. ولاحظ الكواري أنه كلما نمت الطبقة الوسطى كانت خياراتها وطموحاتها وتطلعاتها تنمو أيضاً باطراد.

وبرأي الباحث، فإن الحكومات لا تتحمل وحدها المسؤولية عن تراجع الطبقة الوسطى، فالأفراد في المجتمع يتحملون دوراً مماثلاً، كما يتحملون مسؤولية إضعاف هذه الطبقة عبر سلسلة من الممارسات بينها تغييب ثقافة الادخار والاستثمار والفهم الايجابي لدور المال، وشيوع ثقافة الاستهلاك، وكذلك عدم التزود بالمعرفة لاستخدام الأدوات المادية، وبالتالي ظهرت مشكلات ناجمة عن الاستخدام الخاطئ للمال، بينها الهزات العنيفة التي نجمت عن دخول ملايين الأشخاص في سوق الأسهم دون معرفة مما أحدث هزات اجتماعية. إن الدولة في الخليج، كما يضيف الكواري، هي المحرك الأساسي للتنمية وبالتالي فهي أول من يدفع فاتورة التضخم والغلاء، لكن هناك محاولات أهلية وحكومية في دول الخليج لإعادة تأهيل وبناء الطبقة الوسطى، عبر مشاريع إنمائية وتأهيلية وتعليمية، في السعودية وقطر والامارات. أما بالنسبة لأمراض الطبقة الوسطى، فهي في رأيه متعددة، بينها شحة المعرفة، وعدم التوزيع العادل للفرص وللثروة، وانعدام الآليات المرنة للوضع الاقتصادي، وعدم معالجة المشكلات الاقتصادية والاكتفاء بالتعامل مع مظاهرها. ويرى كذلك «ان هذه الطبقة تعاني من انحسار مساحة التعبير، وقلة المؤسسات التي يعبر من خلالها أفراد الطبقة الوسطى عن تطلعاتهم، مع وجود درجة عالية من الاتكالية، والوقوف بعناد أمام ظواهر التغيير، كما حدث مثلاً حين تم التعامل في قطر مع مشروع تطوير التعليم.غير أن وجود مؤسسات مجتمع مدني من شأنها أن تمثل جسراً بين الحاجة للتغيير الإيجابي، والتغيير الذاتي». وفي رأي الباحث القطري، فإن الطبقة الوسطى في الخليج ليست مغلوبة على أمرها، بل تتحمل مسؤولية شخصية، على الرغم من أن الثقافة الاجتماعية في عصر الطفرة النفطية أوحت أن الدولة مسؤولة عن كل شيء مما خلق جزءاً كبيراً من الاتكالية. إن آليات اسعاف الطبقة الوسطى تبدأ من تطوير وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في الخليج، وتطوير التعليم، كما يقول.

* الطبقة الوسطى تختزل شرائح التحديث

* د. باقر النجار *

* ان الطبقة الوسطى في منطقة الخليج تعتبر طبقة أو جماعة حديثة التشكل وهي طبقة قد ساهم النفط بشكل كبير في تشكلها، كما ساهم التعليم والاحتكاك الخارجي في بلورة الكثير من أفكارها ومواقفها. وهي طبقة وإن ساهم المعطى الاقتصادي في بلورة حدودها الطبقية عن الطبقات الأخرى، إلا أنها وفي الوقت ذاته تفتقر إلى أي شكل من أشكال الاتساق القيمي والوحدة الثقافية. وهي الفئة أو الجماعة التي رغم عدم توفر أرقام حول حجمها إلا أنها باتت تشكل القاعدة الأعرض في معظم مجتمعات المنطقة، قد تزيد هنا أو تقل هناك إلا أنها بكل المقاييس الجماعة الأكبر إذا ما قورنت بالجماعة الأعلى أو الأدنى منها. وتتكون هذه الطبقة من فئات وجماعات شتى قد تجمعها الوظيفة والرتبة الاجتماعية وتعمق من انفصال بعضها عن البعض الآخر حالة التشرذم الفكري والثقافي وربما الاستقطاب المذهبي والقبلي الذي تعيشه.

وهي تمثل بحق (موزاييك) اجتماعيا وثقافيا من نواحيا عدة: اثنية وفكرية، وهي فئة رغم سبق بعضها نحو تبني قيم الحداثة أو التبشير بها، في حقب الخمسينيات والستينيات حتى السبعينيات، إلا أنها وتحديدا في رتبها الوسطى والدنيا ونتيجة لما قد يسمى بالصحوة الدينية، قد مثلت في سنواتها الأخيرة قاعدة انطلاق الجماعات الدينية المحلية والعربية، وهي نتيجة لذلك تتحرك في أوساطها القيم الثقافية التقليدية.

ويعتمد النشاط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في مجتمعات المنطقة في جله على هذه الطبقة التي بفعل تمفصلها في شتى نواحي الحياة أصبحت تمثل العمود الفقري الذي ترتكز عليه هذه المجتمعات. وتتسم هذه الطبقة وخصوصا في شرائحها العليا بتقبل كل جديد السلوك الاجتماعي وكل موضة أو صرعة للسلع الاستهلاكية. بل ان طاقاتها الاستهلاكية الواسعة تشكل القوة الشرائية والاستهلاكية الأكبر في المنطقة. فصناعة المتعة والسفر والرياضة تعتمد في جلها على الطاقات الاستهلاكية لهذه الطبقة. وقد تبوأ بعض من رموز هذه الطبقة قيادة القطاع الرسمي والخاص كما أن بعضا منهم مثلوا قوى أساسية في التغيير السياسي والاجتماعي الذي عاشته المنطقة منذ مطلع الخمسينيات حتى الآن. إلا أن البعض كذلك قد مثل رموزا لبعض حالات الفساد الإداري والمالي الذي جاءت على ذكره الصحافة والمجالس والدواوين المحلية. وهي ونتيجة لقدراتها العلمية المتقدمة ونتيجة لتعليمها وتدريبها المتقدم فإن لديها القدرة على تبرير كل أخطائها وربما أخطاء النسق السياسي القائم، كما أنها تمتلك كل الإمكانيات الاقناعية لتبرير انتقالها من مواقع مختلفة، أو في تبرير تحولاتها الفكرية التي باتت في بعضها أقرب إلى حالات تنقل "عمال التراحيل". فهي طبقة في حالة من التشرذم السياسي والثقافي ومشدودة بين التقليدية والحداثة أو بين الانغلاق والانفتاح: فهي تقبل كل جديد السلع الاستهلاكية الغربية إلا أنها، أو على الأقل في بعضها، تقف رافضة لكل أطروحات الغرب السياسية والثقافية، والتي تصل في بعضها لحالة تدمير الذات والآخر. لقد انشغل القطاع المتصدر في قضايا جمع المال وتنميته أكثر من انشغاله بتنمية العلم والمعرفة والمهنة. وقد تبدو أهم معضلات هذه الطبقة هو أنها في سعيها الحثيث نحو جمع المال تبدو أكثر استعدادا لتجاوز القانون أو كسره، كما هو في تبنيها لكل الأنشطة الاقتصادية الطفيلية أو التحالف مع الطفيليات الطارئة لتأمين مستقبلها الاقتصادي ورفاهها الاجتماعي.. ورغم أهمية هذه الطبقة في تحقيق الاستقرار والإصلاح السياسي والاقتصادي إلا ان قدرتها على تحقيق هذا الدور تعتمد على قدرة الدولة والطبقة على تجاوز مجموعة من معضلاتها المعيشية والفكرية والتي من أهمها،

1 ـ تأمين العمل سواء أكان في الحصول عليه أو في الاحتفاظ به أو في الترقي فيه.

2 ـ القدرة على تأمين قدر من الدخل المتصاعد المرتبط مع الارتفاع المتصاعد في معدلات التضخم.

3 ـ وارتباطا بالسابق فإن فتح سوق العقار على مصراعيه أمام الاستثمار الخارجي قد جعل منه أحد القطاعات التي باتت أسعارها محددة بالقدرات الشرائية لأطراف محلية وإقليمية تفوق قدرة هذه الطبقة والطبقات الأدنى على الشراء.

4 ـ ورغم أن عاملي الإنجاز والتعليم يمثلان أهم عُنصري حراك هذه الطبقة إلا أن إعادة إحياء انحيازاتها الذاتية القائمة على الطائفة والقبيلة والجماعة الاثنية قد شكلا أهم معوقات أي صعود سياسي ودور ثقافي يمكن أن تلعبه هذه الطبقة في تحقيق قدر أكبر من الاندماج والانسجام الاجتماعي والسياسي الداخلي.

5 ـ تنامي قوة التيارات الاسلامية التي يعزى لبعضها حالة التشظي والانشطار الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه المنطقة.

6 ـ تفتقر الطبقة الوسطى لسياق ثقافي جامع بين كل جماعاتها وشرائحها المختلفة: فهي، أي الطبقة الوسطى، متأثرة في عمومها باتجاهاتها الاجتماعية والسياسية المحافظة وإن تقهقر التيارات القومية واليسارية في أوساطها قد أضعف من قوة حضور الاتجاهات الليبرالية من ناحية وقوى من حضور الجماعات والاتجاهات الاسلاموية. ورغم كل ذلك فإن الطبقة الوسطى تبقى تمثل في اتساعها وفي أطروحات بعض شرائحها التحديثية الهامش الضامن لأي اهتزازات عشائرية أو مذهبية نفعية قد تبرز في المجتمع، إلا أن كل ذلك متوقف على قدرتها على إحداث قدر من التشكل الثقافي الجديد الجامع لكل أطروحاتها وفي تحقيق قدر من الاتساق القيمي.

* باحث بحريني