المجتمع العراقي.. خلفيات «التسامح والتكاره»

TT

صدر عن مركز الدراسات العراقية كتاب "المجتمع العراقي.. تراث التسامح والتكاره" (بيروت 2008) للباحث رشيد الخيُّون. بحث الكتاب بفصوله الأربعة، بعد المقدمة، تاريخ جغرافيا وطن"هناك مَنْ يعده كياناً جديداً تأسس بجهود ال‘نكليز والملك فيصل الأول العام 1921." إلا إن "إلمامة جغرافية"، وهي عنوان الفصل الأول من الكتاب، تؤكد أنه كيان قديمالحدود والاسم، على الرغم من معوقات تصنيف الهوية العراقية كهوية أمة، وذلك "لأن البلد ظل لقرون عديدة عاصمة لامبراطويات كبرى، ثم العبث القومي والطائفي الذي حل محل تلك الهوية".

ويرى المؤلف أن فكرة أو ممارسة التعايش (coexistence) الديني والمذهبي العراقي مشدودة إلى حد ما إلى الخلفية التاريخية. ذلك بما فيها من أحداث مثقلة بالخصومة الدينية الطائفية والوئام على حد سواء، وبما فيها من نصوص دينية وفقهية وقومية، لا تساعد في الغالب من الأحيان على سلاسة العيش، والتضامن والتكافل الاجتماعي، على اختلاف القوميات والأديان والمذاهب. ويستدرك المؤلف هذه الحقيقة بقوله إن العراق ليس هو البلد الناشز من بين بقية بلدان المنطقة في تعدده وفي تاريخية اضطراباته، لذا ليس من الصحيح تمييز العراق بتاريخ من العنف الدموي، أو العصيان، الذي لا يخفته، ويكبحه إلا شخصيات من صنف ولاة أشداء قساة، في العصر الأموي مثلاً، من حجم: الحجاج بن يوسف الثقفي (95هـ 713 ميلادية). ويعتقد الباحث أن السياسة كانت عاملاً مهماً في اضطراب التعايش بين أهل الجغرافيا الواحدة. لكنها في الوقت نفسه كانت أيضاً سبباً في التقارب بين المكونات الاجتماعية، على شاكلة ما حدث بين الشيعة والسُنّة العام (442 هـ 1050 ميلادية) عندما اقتضت المصلحة الجماعية أن يكون أهالي بغداد أن يكونوا جمعاً واحداً ضد والي شرطتها. وعاد التاريخ نفسه بحوادث مشابهة العام (1920) حينما تمكن السياسيون من الجمع بين المولد النبوي وعزاء عاشوراء، حتى تماهت الحدود بين الفرح والحزن.

إلى جانب ذلك هناك معوقات للتعايش، حددها المؤلف بمصطلح "التكاره"، الذي تكرس في ثقافة فقهية وقومية، تشتد تأثيراتها بدوافع سياسية، مثلما هو الحال اليوم. فالأحزاب الدينية، شيعية كانت أم سُنَّية، التي تتصدر الواجهة في السياسية والسلطة ليس بإمكان شخوصها الاستغناء عن ذلك الإرث، بل تجد فيها محطة جذب وتأييد، تحاول إبرازه والتذكير به بين فترة وأخرى، خشية من تخلل الصف الطائفي خلف قيادتها. والأخطر من هذا، ما كان يصرح ويفتي به رجل الدين ضد الأديان الأخرى أو المذهب الآخر في مجلس محدود، من منبر خطبة جمعة أو عزاء حسيني، أخذ يبث الآن عبر الفضائيات، التي تمتلكها أحزاب وكيانات متنفذة.

أما الفصل الثاني فتناول الإرث التاريخي، بين حدث ورواية وتصور، تمتد إلى حقبة زمنية غابرة، فتارة وجد العراقيون فيها أنفسهم جنباً إلى جنب، على مختلف أديانهم، وتارة أخرى، انكفأت بعض الديانات على نفسها، تحت غطاء الرسمية. إلا أن التجربة السابقة واللاحقة تؤكد، كما يذهب المؤلف، أن ما جرى ويجري، خارج الوئام والتعايش السلس، لا تتصدره وتمارسه غير عصبة من هذه الطائفة أو تلك ، وليس "الطائفة بأبيضها وأسودها"، مثلما يُقال. وتناول الفصل الثالث والرابع التعايش المذهبي والقومي، ومؤثرات الأول على الثاني عبر كتب ورسائل المعاملات والعبادات لدى الفقهاء.