طلعت شاهين: المبدعون الشباب يرهقوننا ويضخمون من قيمة أعمالهم

صاحب دار «سنابل»: مستوى القراءة متدنٍ وسوق النشر تسوده العشوائية

TT

«الناشر العربي أصبح ينحت في الصخر».. بهذه العبارة يلخص الشاعر المترجم د طلعت شاهين صاحب دار سنابل للنشر همومه كناشر ويقول: نعاني كثيرا من عدة صعوبات وهي لا تنتهي، بل إنها مستمرة وفي تزايد كل عام، بالمقارنة بالعام السابق، ومنها ارتفاع وغلاء أسعار ورق الكتاب كل يوم بشكل ملحوظ وغير طبيعي، وأيضا زيادة أسعار الأحبار مما يؤدي بالضرورة لارتفاع سعر المادة الأولية للكتاب. ويلي هذه الصعوبات أيضا مشاكل التوزيع التي تعترضنا كل يوم، فمن المخجل أننا ليس لدينا في مصر موزعون محترفون يقدرون قيمة ومعنى الكتاب حتى كبار الموزعين المعروفين بمزاولة هذه المهنة أصبحوا يهملون الحفاظ على نظافة الكتاب أثناء التوزيع، وفي اغلب الأحيان يتعرض الكتاب للتلف نتيجة لذلك، بالإضافة إلى أن مسألة التوزيع لديهم عشوائية. فالمفترض أن يكون لديهم خبرة في عملية التوزيع والتي تتطلب خريطة جاهزة تتضمن دراسة للمجتمع الذي يطرح فيه الكتاب للبيع. وهذا لا يحدث إطلاقا، حيث إن الموزع يسأل دائما عن المناطق والأماكن الذي سيوزع فيها الكتب وكأنه لا يفقه شيئا عن التوزيع وهذه كارثة حقيقية.

يتابع شاهين: أيضا من الصعوبات التي تصادفني في عملية النشر تعمد بعض المكتبات التي نتعامل معها إلى أسلوب الفهلوة والمماطلة في الحساب، وللأسف هم لا يكتفون بذلك، بل يطالبون بنسخ جديدة من الكتب، دون أن يوفوا حقوقنا كاملة، كما انهم يركزون على اختيار كتب معينة، معظمها كتب استهلاكية، ويرفضون كتبا أخرى مهمة بحجة أنها غير مطلوبة في السوق، وهذا يعطل تداول وترويج هذه الكتب لي كناشر، وعلى العكس من ذلك التعامل مع المكتبات الأخرى فهم لديهم محاسبون محترفون بصرف الفواتير كل فترة محددة، أي أن العملية منظمة لديهم ومريحة جدا. وبالنسبة للمؤلفين يضيف شاهين: هناك مشاكل عديدة مع المؤلفين، خاصة المبدعين الشباب الذين يتعالون على الدار، وهم يرهقوننا، إذ أنهم يشترطون طباعة 5000 نسخة من أي كتاب أنشره لهم. وبالرغم أنني شاعر ومترجم من اللغة الاسبانية التي تعد أكثر اللغات مبيعا، فلا أطبع أكثر من 1000 نسخة فقط من كتابي، وهذا هو العرف السائد في سوق النشر، فإذا باع الكتاب بشكل جيد يطبع منه طبعات أخرى، وهذا لا يحدث مع هؤلاء الشباب، وبالتالي فهم يعتبرونني أعاديهم وأقف ضدهم وللأسف هم لا يدركون أنهم كُتّاب جدد، وأنا أغامر بأسمائهم في سوق النشر، وليس معنى نشر خبر أو اثنين عن كتاب لأحدهم أنه أصبح بالتالي مطلوبا لدى الجماهير. وما ساعد على نمو هذه الظاهرة، ما يسمى بالمدونات وهو الوهم الذي خلقته التكنولوجيا الحديثة وأطلق عليه «الفضاء الوهمي»، حيث ولد هذا الفضاء لدى الكاتب الشاب وهماً أنه معروف ومشهور لدى زملائه وأصدقائه من المثقفين والمدونين، وهم يشترون لبعضهم بعضا، وغالبا المثقفون المصريون لا يشترون الكتب، بل يطلبونها هدايا مجاملة من أصدقائهم. ومن هنا يحصر الكاتب الشاب نفسه في دائرة ضيقة جدا وسط هؤلاء المثقفين، ولا يعي أن التقييم الحقيقي عند الجمهور وليس من ذهنه ولا حتى النقاد. فهناك كتابات يقيمها النقاد بشكل رائع ولا تبيع في السوق والعكس توجد كتابات لا يلتفت إليها أحد وتبيع بشكل كبير. ويمكنني القول بأن القارئ ذاته يلعب دورا في الصعوبات التي نعاني منها كناشرين. واعني أن مستوى القراءة في العالم العربي، خاصة في مصر متدن للغاية، وأصبح لدينا ما يسمى بالأمية الثقافية، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها، غياب المكتبات بالمدارس، حيث لم يعد هناك حصة حرة للمطالعة والقراءة بالمدرسة، كما كان يحدث في السبعينات، وأصبح هناك خريجون من الجامعات بالملايين لا يقرأون ويكتفون بقراءة الصحف اليومية فقط . وأيضا نادرا ما توجد مكتبات بالمنازل اللهم إلا مكتبات صغيرة، بها بعض الكتب المحدودة وغالبا تكون كتبا دينية، باعتبار أن الثقافة الدينية هي الأساس، ناهيك عن غياب وعي الآباء بأهمية القراءة وتنميتها لدى الأبناء. ولا أغفل هنا زيادة أعباء الحياة وضغوطها، وارتفاع الأسعار مما جعل الناس يفاضلون بين رغيف العيش والكتاب، كما أشير إلى أن دول البترول الغنية أيضا تعاني من هذه المشاكل، حيث يهتمون بالكتاب الرسمي للحكومة وهي كتب لا يقرأها أحد عادة لأنها لا تقدم جديدا.