جرائم قتل النساء بدافع الشرف

كتاب يقدم قراءة لمحاكمات متهمين في 66 قضية

TT

العنف اليومي ضد النساء مشرّع صراحة في بعض القوانين المدنية اللبنانية، المادّة 562 خاصّة وممارسته مشروعة في تضمينات قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تجعل الرجال ممسكين بزمام أمور عائلاتهم وأسرهم ونسائها، وذلك من دون تعيين واضح، لا لمجالات سلطتهم، ولا لحدودها

تظهر الدراسة التي اعدتها الباحثة والاستاذة الجامعية عزة شرارة بيضون عن جرائم قتل النساء بما يسمى دافع الشرف في لبنان، ان هذا الشكل الاكثر شراسة لممارسة العنف ضد النساء الذي يرتكب غالبا على يد احد افراد الاسرة/العائلة للضحية هو قمة العنف اليومي بأشكاله المختلفة الذي تتعرض له الضحية، والذي لم تضع له التشريعات العربية بعد أي اطار عقابي. والدراسة التي صدرت في كتاب تحت عنوان «جرائم قتل النساء امام القانون اللبناني» وبرعاية من منظّمة «كفى ... عنف واستغلال» اللبنانية غير الحكومية تبحث في جرائم قُتلت فيها نساء على امتداد الجمهورية اللبنانية وارتكبت في إطار العائلة /الأسرة وذهبت ضحيتَها امرأةٌ هي المقصودة بالقتل، وذهب معها، أحياناً، ضحايا أخرى. والمتهم بقتل المرأة، في الحالات المدروسة هو إما أبوها، أو أخوها، أو ابنها، أو حفيدها، أو ابن عمها إلخ؛ أي أنه واحد من قربى الدم. لكن القاتل قد يكون أيضاً زوجاً للضحية أو طليقها أو حبيبها أو صهرها إلخ، أي انه قريب لها بمقتضى واحد من أوجه الشراكة. وتقدم هذه الدراسة التي نشرت في كتاب من 208 صفحات من الحجم المتوسط، قراءة دقيقة لوثائق محاكمات لمتهمّين مثلوا أمام القضاء اللبناني في الفترة الواقعة بين 1999 و2007، بلغ عددها الست والستين، وذلك بعد الاطلاع على ملفّات كاملة لتسعٍ من بين هذه المحاكمات. وهو ما سمح للمؤلفة بتعيين ملامح القتلة والضحايا، وبعض الخلفيات في دائرة العائلة أو في البيئة الأعمّ الحاملة للجريمة، كما سمح لها بتعيين الأدوار التي لعبها الفاعلون على أرض المحاكمة في إطار القانون اللبناني وتأويلاتِه بحسب هيئة محكمة التمييز، أو محكمة الجنايات في محافظات لبنان الست، بحسب الحالة.

ولعل ابرز النتائج التي بيّنتها هذه الدراسة أن «العنف القاتل ضد المرأة في إطار الأسرة/ العائلة لا يعدو كونُه انفجاراً مدويّاً لعنف مستمرّ أقلّ صخباً، لكنه على درجة غير قليلة من الأذى لكلّ أفراد العائلة/ الأسرة. ان قتل النساء بمثابة تكثير وتكبير لمرات عديدة لحالات من العنف الأسري قد يجعل من ضحاياه أمواتاً مع وقف التنفيذ». وبحسب نتائج الدراسة فان هذا العنف القاتل يستند «لا الى التكوين الشخصي للقتلة، ولا يرتبط بسمات الضحايا الخاصّة أو سلوكهن فحسب، إنما هو تعبير مكثّف ومتضخمّ، بمرّات كثيرة، لأنماط من العنف المشرّع والمشروع في إطار الأسرة».

واللافت في الامر ان العنف اليومي ضد النساء مشرّع صراحة في بعض القوانين المدنية اللبنانية، المادّة 562 خاصّة وممارسته مشروعة في تضمينات قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تجعل الرجال ممسكين بزمام أمور عائلاتهم وأسرهم ونسائها، وذلك من دون تعيين واضح، لا لمجالات سلطتهم، ولا لحدودها.

وتطرح المؤلفة عبر تناولها حالات القتل هذه تساؤلات حول آلية ردع هذا العنف بدءا من اشكاله الاولية الى تلك الاكثر شراسة أي القتل: لما كان هذا العنف غير مُعتَرف به، إن في القوانين المدنية، أو في القوانين الشخصية/ الطائفية التي تنظّم أحوال هذه الأسر والعائلات وأشخاصها، فكيف تُرصد أشكاله، وكيف تعيّن حدوده؟ ووفق أي معايير أو أيّة نُظُم يتمّ التعامل معه؟ من هي الجهات المخوّلة لردعه وتدارك تداعياته؟ كيف يمكن حماية الأشخاص المتعرّضين له؟.وتعتبر هذه الدراسة كمثيلاتها من الدراسات حول العنف القائم على الجندر ارضية غنية للدلالة على ضرورة جعل مسؤولية مواجهة العنف الأسري مهمّة المجتمع بأسره؛ اذ بعد أن «كُسر الصمت» الذي يغلّف هذا العنف وبعد أن أصبحت المسائل المرتبطة به شأنا عاما فإن المرحلة المقبلة من مواجهته تتسم بجعل مسؤولية مناهضة العنف ضد المرأة في إطار الأسرة أو العائلة مسؤولية مجتمعية.

، يضاف الى ذلك اهمية تضمين القوانين ردعا وعقابا لهذا النوع من الجرائم. فالتشريع القانوني بات حاجة، وضرورة مجتمعية وأهمية الدراسات التي توثّق للعنف الأسري القائم على الجندر تكمن، في أنها توفّر للعاملين مع الفريق (أو الأفرقاء) في المجتمع الذي سيتولّى اقتراح مشاريع القوانين الآيلة إلى حماية المرأة من العنف الأسري صورة حسية عن واقع هذا العنف في تجلياته الأكثر وضوحاً.