موسيقى الشباب.. ضجيجها تراث للمستقبل

«الروك» عدوانية والـ «هيفي ميتال» صاحبت تعاطي المخدرات

رشا رزق
TT

موسيقى الشباب الهجينة، باتت ظاهرة لافتة في المنطقة العربية كلها، وإن وصفها البعض بالشذوذ واتهمها بالانحراف، وفي أحسن الأحوال تقليد الغرب، إلا انها باتت حقيقة يصعب تجاهلها. وما يستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار، هو ان عشاق هذه الموسيقى يعرفون كيف يدافعون عنها، ويجيدون الترويج لها، رغم تجاهل الإعلام «الرصين» لهم لدرجة تشبه المقاطعة. موسيقى الشباب أفلتت من أيدي المحافظين، وانتشرت كالنار في الهشيم، ومع ذلك فالخطر محدق بها من كل صوب...

لن يجد المتابع صعوبة في اكتشاف الفرق الموسيقية الشابة التي بدأت تفرض نفسها بقوة على الساحة العربية في السنوات القليلة الماضية، بل إن أسماء مثل «إطار شمع» و«جين» و«كلنا سوا» في سوريا، باتت معروفة لدى شريحة كبيرة من الجمهور الذي يشكل الشباب أكثر من 40 بالمائة منه، حتى أن مؤسسي هذه الفرق، أخذوا يسوّقون لأنفسهم على أنهم يقدمون «موسيقى بديلة» تعبر عنهم. غير أن هذه الفرق لقيت انتقاداً كبيراً، حيث رأى بعضهم بأنها لا تعدو تجسيدا لأنواع غربية، فيما توقع آخرون فشل التجربة بعد وقت قصير.

سيمون مريش، عازف إيقاع شارك في تأسيس عدد من الفرق الموسيقية الشابة يرى أن ثمة نوعين من الفرق الشابة في سورية، الأول يعتمد النمط الشرقي، فيما يعتمد الثاني النمط الغربي، وغالبية العازفين فيه موسيقيون أعجبوا في إحدى فترات حياتهم بـ «البوب» و«الجاز» و«الروك» وأصبح لديهم ولع بها، و«عندما قرروا أن يقيموا مشروعاً خاصاً، حمل هذا المشروع الأنواع الموسيقية السابقة، لكنها قُدمت بطريقة محلية تنسجم مع البيئة العربية». ويؤكد مريش أن هذا لا يشكل ثورة على النمط السائد، بل هو ثورة على الأنواع الموسيقية السيئة فقط. فالموسيقى الشرقية «في بعض أشكالها موجودة في عُلب الليل، لذلك أصبح هناك نفور منها وممن يقدمها». ويضيف: «هذا الأمر دعا عددا من الشباب إلى تقديم «موسيقى بديلة» تعبّر عنهم، كما أن كلمات الأغاني تنتقد الظروف الاجتماعية السيئة التي يعيشها الشباب، وهذا لا يمكن أن نراه في الموسيقى التجارية الاستهلاكية».

الباحث الاجتماعي طلال مصطفى يرى أن العقد الأخير من القرن العشرين حمل تغيرات كثيرة على المستوى المحلي والعالمي. وبسبب الثورة المعلوماتية أصبح هناك انفتاح على الأنماط الغربية وخاصة في الموسيقى، مشيرا إلى أن وجود الفرق الشابة ذات النمط الغربي يأتي من باب المحاكاة، «بسبب حب التشبّه بالغرب على اعتبار أن الأخير متقدّم علينا». ويضيف: «وجود فرق موسيقية تحاكي الفرق الغربية مسألة طبيعية، وربما لم يُوجد لها المناخ المناسب لتتجذّر، وهي بالتالي قد تبقى ظاهرة طارئة في مرحلة تنطوي على تفكك وتخلخل بسبب المتغيرات التي ذكرتها. أي أن الثقافة الجديدة لم تتبلور بعد، نتيجة التشتت بين التقليدي والمستجد، وبالتالي أعتقد أنها تستطيع الاستمرار والعيش لفترة قصيرة، وقد تتعزّز إن وُجدت أجواء تتقبّلها».

رشا رزق مغنية الأوبرا التي أسست مع زوجها إبراهيم سليماني فرقة «إطار شمع» ترفض اتهام البعض لـ «إطار شمع» وغيرها من الفرق بأنها تقدم نمطا موسيقيا غربياً، وتقول إنه «نمط معاصر»، لأن الموسيقى – برأيها - لا وطن لها. و«هي لغة عالمية، فهناك، على سبيل المثال، عدد كبير من الموسيقيين الألمان يعزفون موسيقى شرقية باحتراف، وأنت لا تستطيع أن تقول لهم لماذا تفعلون ذلك». وتضيف رزق: «نحن نقدم موسيقى ابنة مكانها وزمانها، وهي ستتحول بعد عدة سنوات لتراث. طبعاً أنا لست ضد أن نتعلم تراثنا القديم ونتقنه لكي تكون الموسيقى التي نقدمها ذات جذور أصيلة، ولكن لا يعنيني أن أقدم موسيقى مكتوبة منذ 100 سنة لأنها لا تعبّر عني».

وتتساءل رزق: «هل علينا أن نطلب من الفنانين التشكيليين الذين لديهم شهرة عالمية أن يرسموا زخرفات ومنمنمات إسلامية؟ هم يرسمون فنونا حديثة وينافسون الغرب بذلك، هل هذا يعني أنهم غير عرب؟ طبعا لا، نحن أبناء هذا الزمن ويجب أن لا تكون ثقافتنا متحفيّة. نحن نقدم تراثاً ونتمنى أن يبقى حياً، لكن يجب أن تكون هناك حركة حداثة موازية».

الباحث النفسي الدكتور تيسير حسون يحصر الظاهرة بعدد من الشباب الذين ينتمون في الغالب إلى طبقة اجتماعية ثرية أو «طفيلية» حسب تعبيره، ويرى بأن هذا النوع تجذبه الثقافة الغربية بنمطها الاستهلاكي بسبب حالة الفراغ التي يعاني منها، مشيراً إلى أن حالة الإحساس بالعبث التي يعاني منها الشباب عامة تدفعهم إلى تقليد النماذج الغربية التي يدخلون من خلالها لعوالم غير صحية كتعاطي المخدرات وغيرها، وهي برأيه تجارب غريبة على مجتمعنا. ويضيف: «ليس هناك ثورة في التجارب الموسيقية، هناك مأزق لشباب فاقد الهوية، ويشعر أن هوية الغرب تُعبّئ فراغه. هم يعبرون عن واقع جزء من الشباب المأزوم، وفترة الشباب هي فترة البحث عن الهوية، أو صِياغتها».

وإذا كان البعض يرفض الاعتراف بهذه الظاهرة الموسيقية ويعتبرها مجرد ضجيج يطلقه عدد ضئيل من الشباب المهمّش، تِبعاً للمبدأ القائل «خالف تُعرف»، فإن البعض الآخر يتعجب من تجاهل النجاح الكبير الذي حققته الفرق الموسيقية الشابة في العالم العربي. الأمر الذي دعا الحكومة السورية في العام الماضي إلى تنظيم مهرجان خاص بهذه الفرق تحت عنوان «مهرجان سورية شباب».

باسل رجوب عازف آلة «الترومبيت»، أسس مع الفنانة لينا شماميان مشروعاً موسيقياً لإعادة إحياء التراث، يقول إن المشروع يهدف إلى توثيق التراث الموسيقي بطريقة أكاديمية، وضمن قالب جديد يعتمد على الجاز. يرفض رجوب اعتراض البعض على تقديم الأنواع الموسيقية الغربية، خاصة «الروك» والـ «هيفي ميتال»، لأن موسيقى الروك، موجودة في كل دول العالم ومنتشرة أكثر من الجاز والكلاسيك. ويضيف: «يجب أن يكون في أي بلد توجه نحو هذه الأنواع، لأنه لكل منها جمهوره، ويجب أن لا نصادر رأي الآخرين. والموسيقى في النهاية تفريغ لطاقة عقلية - جسدية وروحية، فالإنسان الذي يتعامل بروحانية مع الموسيقى قد يسمع نمطاً كلاسيكياً أو شرقياً، والذي يريد تفريغ طاقة فكرية قد يسمع الجاز، ولكن يجب على الذي يُحب الطّرب أن يسمع الروك ولا يقول هذه ليست موسيقى».

سيمون مريش يرى بأن علينا قبل أن نرفض أنواعاً موسيقية مثل الروك والـ «هيفي ميتال» أن نتساءل: لماذا هي صاخبة وعدوانية؟ ويجيب «هذا طبيعي لأنها وُجدت في بيئة عدوانية. الـ «هارد روك» مثلا وُجدت في فترة ثورة الهيبيين ضد الاحتلال الأميركي في فيتنام، واستخدم هؤلاء موسيقى عدوانية تُعبّر عن وجهة نظرهم الرافضة للاحتلال.

ويضيف: «أما الـ «هيفي ميتال» فقد واكبت تعاطي المخدرات ووجود أناس لهم طريقة تفكير في الحياة والدين فيها كثير من التطرف، وطرحت مفاهيم - قد نصنفها نحن كمجتمع عربي أنها لاأخلاقية - مثل الحرية الجنسية والتعبير الجنسي. لذلك فوجود الظواهر التي واكبت هذه الموسيقى جعل بعض الناس يكرهونها».

أثيل حمدان، عميد المعهد العالي للموسيقى في سورية يرفض محاولة بعض الشباب الدمج بين الموسيقى العربية والغربية لتقديم موسيقى هجينة لكنها هزيلة وفق تسميات مثل «جاز أو روك عربي»، ورغم اعترافه بوجود فرق عالمية تحترف الروك مثل «سكوربيون» إلا أنه يؤكد أن معظم عازفي الروك هم غير محترفين. ويضيف: «بالنسبة للجاز هو فن جميل وموجود في العالم بكثرة وهناك معاهد متخصصة بتدريسه، أما في ما يتعلق بـ «الميتال»، خاصة الـ «هيفي ميتال» فهو ضجيج غير مفيد وفيه تأثير في الجملة العصبية - وهذا رأيي الشخصي- كما أنه ينتشر في أوساطه مدمنو المخدرات وغيرها، لذلك فهو بعيد عن مجتمعنا. بالمقابل، هناك فرق «راب» بدأت تنتشر، وهي أفضل بكثير من النوع السابق».

يشير حمدان إلى أن المعهد يدرّس فقط الموسيقى الكلاسيكية والجاز لأنهما ما زالا محافظين على شكل أدائي غير تابع للفوضى، مضيفاً أن جميع معاهد الموسيقى في العالم ومنهم أكاديمية بيردلي، أكبر كلية جاز في العالم لا تدرس الروك الذي يعتقد بأنه «مثل بعض الفنون كالـ «بريك دانس» والـ «هيب هوب» ليس للديمومة. وأعتقد بالمقابل أن الموسيقى الكلاسيكية ستستمر، لا بل هي مستمرة منذ قرون».