ثورة الترجمة العربية تنطلق من الخليج!

جائزة الملك عبد الله ومركز وطني للترجمة في السعودية.. مشروع «كلمة» في أبوظبي وبرنامج «ترجمة» في دبي.. ومركز البابطين في الكويت

TT

بإعلانها الأسبوع الماضي، إطلاق مركز وطني للترجمة، تكمل جامعة الملك سعود في الرياض حلقة جديدة في عقد ترجمة الكتب، ضمن مشروع طموح انطلق منذ عام في مناطق مختلفة من الخليج العربي، يعيد الاعتبار لأحد أكثر المجالات الثقافية إهمالاً في العالم العربي وهو الترجمة.

فبحسب تقرير التنمية العربية، فإن متوسط الكتب المترجمة لكل مليون عربي يساوي: 4.4 كتاب، أي أقل من كتاب واحد كل سنة، بينما بلغ العدد 519 كتابا في المجر، و920 كتابا في إسبانيا. وخلال أكثر من نصف قرن ترجمت فرنسا ما يقرب من 150 ألف كتاب، كما ترجمت ألمانيا حوالي 260 ألف كتاب، في حين ترجم العرب مجتمعين أكثر بقليل من 9 آلاف كتاب. ويوضح المترجم شوقي جلال مؤلف كتاب «الترجمة والعالم العربي».

يترجم العالم العربي، الذي يزيد عدد سكانه على 250 مليوناً في العام الواحد نحو 450 عنواناً فقط, بينما يصدر في العالم سنويا أكثر من 100 ألف كتاب مترجم أي أكثر من 12% من مجموع الاصدارات السنوية، وفي ايطاليا وحدها هناك 52 كلية ومعهداً ومدرسة عليا للترجمة والاختصاصات المرتبطة بها. كما أن الفيدرالية الدولية للمترجمين، تضم في عضويتها اتحادات وتجمعات مهنية تمثل أكثر من 80 ألف مترجم في العالم.

لكن الصورة لا تبدو قاتمة بشكل كامل، فثمة مشاريع جديدة من شأنها إحداث «ثورة» في حركة الترجمة، جاءت هذه المرة من الخليج، حيث أطلقت مجموعة مبادرات، آخرها اتجاه جامعة الملك سعود في الرياض لإنشاء مركز وطني للترجمة، يخصص له عوائد مجزية، لرفد المكتبة العربية بمئات المؤلفات من لغات حية، قبلها، وأبلغ الدكتور فيصل المهنا عميد كلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود، «الشرق الأوسط» أن إدارة الجامعة قطعت خطوات متقدمة في دراسة مشروع المركز الوطني للترجمة بالتنسيق مع الكلية. وقال إن ارتباط المركز الوطني للترجمة بالجامعة «لن يتعدى الارتباط المكاني»، ويجب على مثل هذا المركز، أن يعتمد على أساليب تمويلية متعددة، وهو ما نحن بصدده الآن».

وكانت مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض أطلقت أيضاً جائزة عالمية للترجمة باسم: «جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة» وقال عنها المشرف العام على المكتبة فيصل بن معمر، إن الجائزة «انطلقت من الادراك بأهمية الترجمة في تبادل المعارف وتقوية التفاعل بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأخرى ودعم حوار الحضارات والثقافات». وهي تتكون من خمس جوائز سنوية تقديرية للأعمال المتميزة والجهود البارزة في مجال الكتب المعربة من اللغات الأخرى أو المترجمة من اللغة العربية إلى لغات أخرى. وقيمة كل جائزة منها نصف مليون ريال في مجالات: العلوم الإنسانية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية وفي العلوم الإنسانية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وفي العلوم الطبيعية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية وفي العلوم الطبيعية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى وجائزة الترجمة لجهود المؤسسات والهيئات.

يضاف لذلك، مشروع «الموسوعة العربية العالمية» التي شارك فيها نحو 1000 باحث ومترجم وكاتب وفني ومستشار ومؤسسة عربية، كما شارك فيه نحو3000 باحث وكاتب كتبوا بالانجليزية وتُرجمت أعمالهم بتصرف إلى اللغة العربية بعد اتفاق مالي وقانوني مع موسوعة وورلد بوكWorld Book، بالإضافة إلى تأليف نحو 5000 مدخل رئيسي متصل بالعرب والمسلمين وثقافتهم، وصدرت الموسوعة عام 1996 مكونة من 30 مجلداً في 17 ألف صفحة.

العبيكان: مشروع الـ 100 كتاب

* الناشر السعودي، محمد العبيكان، الذي يملك مجموعة مكتبات العبيكان، ذكر لـ «الشرق الأوسط» أن مؤسسة العبيكان، ترجمت وطبعت اكثر من 800 عنوان خلال السنوات الخمس الماضية، ولديها حالياً نحو 270 عنواناً مترجماً تعمل على اعدادها للطباعة، بينها 150 كتاباً تصدره ضمن مشروع التعاون بينها وبين مؤسسة محمد بن راشد في دبي.

وقال العبيكان: «إن حركة الترجمة تمر بثورة حقيقية بعد المخصصات الكبيرة التي وجهت اليها من مؤسسات خليجية، مشيراً إلى أن العائق الأكبر الذي كان يقف في طريق الترجمة هو شح هذه المخصصات والاعتمادات المالية. وقال إن مؤسسته وقعت مع مؤسسة محمد بن راشد اتفاقاً لطباعة 100 كتاب مترجم سنوياً.

أبو ظبي: مشروع «كلمة»

* يعتبر مشروع «كلمة» للترجمة الذي أطلقته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، قبل ستة أشهر، أحد أضخم المشاريع الثقافية للترجمة إلى اللغة العربية عن مختلف اللغات الأجنبية. ويهدف المشروع إلى تفعيل حركة الترجمة للغة العربية من مختلف العلوم والمعارف الإنسانية، وسدّ الفجوة في المكتبة العربية الناجمة عن القصور في المواكبة السريعة لحركة النشر في الغرب، وكذلك تفعيل الوجود الثقافي العربي في الغرب. وقال متحدث باسم الهيئة في اتصال مع «الشرق الأوسط» إن مشروع «كلمة» يعمل مع أهم الناشرين العرب والأجانب والمترجمين والموزعين لإثراء المكتبة العربية بترجمات صحيحة لأفضل الكتب العالمية.

وقالت الهيئة ان هذا المشروع الثقافي غير الربحي هو جزء من الاستراتيجية الشاملة التي يتم تنفيذها لتطوير المشهد الثقافي المحلي في الإمارات، وتكريس العاصمة الإماراتية أبوظبي كملتقى عالمي لحركة الترجمة ولصناعة النشر العالمية.

ووعدت الهيئة أن تستكمل في العام الأول من تأسيس المشروع ترجمة مائة كتاب، في حين تهدف للوصول بعد ثماني سنوات من تأسيسها لترجمة أكثر من 10 آلاف عنوان.

وتأمل الهيئة أن تتمكن بنهاية العام الحالي من طبع ما يزيد عن 80 عنواناً ضمن استراتيجيتها، بعد التوسع في اختيار اللغات التي يترجم منها لتشمل ترجمة المؤلفات عن مختلف اللغات الحية، وعدم تجاهل ما ينتج في ثقافات أخرى لها مكانتها المعرفية والحضارية المعروفة.

دبي: مشروع «ترجم»

* كذلك أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم العام الماضي، برنامج «ترجم» من أجل دعم وتنشيط حركة الترجمة في العالم العربي، وذلك في إطار رسالة المؤسسة التي تهدف إلى تعزيز القدرات المعرفية في المنطقة وإيجاد الروافد الكفيلة بحفز الإبداع في كافة المجالات الفكرية بما يدعم جهود التنمية العربية في شتي المجالات.

وكشفت المؤسسة أن المرحلة الأولى من البرنامج التي سيتم تنفيذها خلال العام الجاري ستتضمن ترجمة 365 كتابا في مجالات الفكر المختلفة بواقع كتاب واحد في كل يوم من أيام السنة، وبما يزيد عن إجمالي عدد الكتب التي يتم ترجمتها في العالم العربي خلال عام واحد.

ويركز البرنامج في المرحلة الحالية على ترجمة الكتب المتخصصة في الإدارة، نظرا إلى حاجة الواقع العربي حاليا إلى الكوادر الإدارية الطليعية في مختلف الميادين التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

وبحسب خطة البرنامج ستتم ترجمة ألف كتاب إلى اللغة العربية خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع التركيز على جودة الكتب وقيمتها المعرفية والعلمية. وقالت المؤسسة ان برنامج «ترجم» يهدف إلى إقامة جسور جديدة بين الحضارة العربية والحضارات الأخرى من أجل تعريف العالم بالجوهر الحقيقي للفكر العربي المعاصر.

الكويت: مركز البابطين

* في الكويت، قامت مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين، بإنشاء «مركز البابطين للترجمة». وقالت المؤسسة لـ «الشرق الأوسط» ان المركز يسعى للمساهمة في تشجيع حركة الترجمة في الوطن العربي، بالرغم من ان هذه المساهمة لن تسد الفراغ الذي نشكو منه، لكننا على ثقة بأنه بتراكم المبادرات وتطور التجربة يمكن أن تكون النتائج ملموسة بعد حين. وانطلق المركز قبل أربع سنوات باتفاق مع دار الساقي في بيروت التي تولت جميع إصدارات المركز وعددها حتى الآن عشرة كتب.. وقريباً جدا سيصدر كتابان جديدان بالتعاون مع الدار نفسها، وقد تم الاتفاق أيضاً على ترجمة كتب جديدة معها، كما سيصدر قريباً كتابان جديدان بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

الشويخات: الحاجة لممارسات مبتكرة

* الدكتور أحمد الشويخات، رئيس تحرير «الموسوعة العربية العالمية» التي صدرت في الرياض، يرى أن صورة الترجمة لا تنحصر فقط في الكتب والاصدارات، فهناك جهد كبير موجه لترجمة الإنتاج الفني والسينمائي، من شأنه أن يضيف في رصيد الترجمة العربية، ويقول، هناك ترجمات فردية عديدة غير محصورة، وما يتم يومياً ترجمته لشاشة التلفزيون والسينما والصحافة والإعلام «أفلام روائية ووثائقية، ومؤتمرات، وتغطيات ومقالات صحافية» مما يصل إلى الناس هو بامتياز ظاهرة غير مرصودة على صعيد الحجم والنوع والنتائج، أو مأخوذة كموضوع مفروغ منه.

ويقول الشويخات في مشهد الترجمة العربية ان «النتائج العملية حتى اللحظة لا ترقى إلى أبسط المطلوب، منذ صدور «تاريخ المعاهدة الثقافية المبرمة بين الأقطار العربية ـ جامعة الدول العربية» عام 1945، التي نصت على أهمية «ترجمة عيون الكتب الأجنبية القديمة والحديثة» إلى يومنا هذا كان دائماً هناك حراك ثقافي على صعيد إعلان الاهتمام بالترجمة، مع تأسيس معاهد ومنظمات ومجالس ومجامع لغات ومؤسسات وإعلان جوائز من القاهرة وبغداد ودمشق والكويت والرباط وعمان وتونس والجزائر، ومؤخراً دبي والشارقة والرياض متوجة بجائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة.

ويرى الشويخات أن معوقات الترجمة ليست محصورة في جانب واحد، لكنها ترجع إلى تراجع الاهتمام المعرفي، وقلة المخصصات، وارتفاع نسبة الأمية في العالم العربي التي تقترب من 30 بالمائة، بالإضافة لقلة المبادرات «فهناك أمية أبجدية وأمية حاسوبية، وأمية ثقافية بمعنى العزوف عن القراءة والاطلاع، مع شيوع مفاهيم محدودة وأحكام قطعية مسبقة عن تراثنا وتراث الآخرين».

ويقول الشويخات: ما نحتاجه هو ممارسات مبتكرة في النظر إلى الترجمة كونها لب الثقافة وأساسها بامتياز، أياً ما يكون معنى الثقافة انثروبولجياً تعني كل الناس، أو نخبوياً قيادياً، أو بمعنى أسلوب ونوعية الحياة الراقية والكريمة. فالترجمة في حقيقة الأمر ليست نقل العلوم والتقنية وشتى أنواع المعارف من العلوم والفنون والآداب فحسب، وإنما هي أيضاً حوار عملي ومتجدد مع الذات والآخرين. فالترجمة قناة ووعاء ومرجعية للمعرفة داخل اللغة الواحدة. نحن نترجم حين نتحدث أو نكتب في لغتنا نفسها، وعبر اللغات. إنها طرائق تفكير واختيار وصياغة وتواصل، وطرائق سلوك عند المترجمين ومستقبلي الترجمة. فالترجمة كممارسة ووعي، بدءا، ونتائج وصيرورة، هي مزيد من التعرف على الذات بمزيد من التعرف على الآخرين في عملية تواصل مستمرة، ومتجددة أبداً.