محمد حبيبي: أهدف إلى كسر طوق النخبة الثقافية

شاعر سعودي في تجربة شعرية جديدة تعتمد الصورة البصرية والبصمة الصوتية

TT

يقدم الشاعر السعودي محمد حبيبي تجربة شعرية جديدة في جزءين هما «غواية المكان وحدقة تسرد» بطريقة العروض المرئية، حيث يخالف الشاعر الطريقة التقليدية في إلقاء الشعر، إذ تمتزج في هذه التجربة الصورة بالنصّ الشعري وبالموسيقى والبعد المكاني.

في هذا الحوار، يتحدث حبيبي عن تجربته الجديدة هذه:

> تجربة (غواية المكان) تجربة جديدة في مزج الصورة الحسية مع الصورة الشعرية.. ألا تخشى أن تقتلك هذه التجربة كشاعر وكفنان صاحب رؤية فنية في التعاطي مع الأشياء المحيطة بك؟

ـ لا أعتقد أن ما قدمته قد يبدد جهد الشاعر في التعاطي مع الأشياء، ففي ظني ما حدث هو العكس تماما حيث يتضح مبدئيا أن رفد النظرة الكتابية بالصورة، وبصمة الصوت والموسيقى، عوامل تسهم في تعدد طرق القبض على الحالة الشعرية. ربما التبدد وبذل جهد كبير كانا أمرين طبيعيين في استكشاف بنية التجربة التي كانت مجهولة قبل ظهور العمل الأول (غواية المكان) بوصفها محاولات اقتضت تجارب سابقة غير مقنعة قمت بها، على مدى ثلاث سنوات. لكن ذلك الوقت كان بحثا عن البنية بوصفها مزيجا بصريا سمعيا مختلفا عن الأشكال البصرية السمعية المطروقة في مجالات فنية أخرى، منها السينما والفيديو كليب.

> عشر سنوات استغرقها العمل الأول، ألا ترى أنها فترة طويلة لإنجاز عمل واحد، بغض النظر عن طبيعته ؟

ـ التجربة بشكلها الأخير لم تستغرق عشر سنوات كما يشاع خطأً. ثمة لبس وسوء فهم حدثا عقب نهاية العرض، وبدء ظهور لوحات البيانات بنهاية العمل. لوحة البيانات تشير إلى عمر التجربة الزمني ككل بشقيها:عمرها ككتابة بوصفها مشروعاً كتابياً لا يختلف عن أي مشروع شعري آخر، وعمرها التقني بأجزائه التصوير، والتسجيل، وتركيب الأصوات، والإخراج النهائي ثم التنفيذ على جهاز الحاسوب.

«غواية المكان» الذي يعرض في مدة 38 دقيقة كتب كنص خلال سبع سنوات، وهذه المدة لا علاقة لها بالجانب التقني والفني من التجربة من تصوير وتسجيل. أما تركيب الصوت على الصورة فاستغرق ثلاث سنوات. العشر سنوات هي مدة إجمالية للعمل بشقيه الكتابي العادي، الذي يعرض كلوحة أخيرة في نهاية العمل، والهدف منها لفت الاهتمام والنظر بجدية إلى تجربة تعد مجهولة تماما للمتلقي.

> في تجربتك الشعرية والإخراجية تراجع حضور محمد حبيبي كشاعر إلا في ومضات شعرية خصوصاً في التجربة الأولى (غواية المكان) لحساب «ضمد المكان». كيف ترى ذلك؟

- ليس مهماً ظهور الشاعر دائما عبر إبرازه لذاته الفردانية، وما بدا بهيئة التراجعات التي حدثت في غواية المكان لحساب «ضمد المكان»، مؤشر إيجابي لصالح الرسالة المضمونية التي يحتويها العمل، إذا تعاملنا مع «ضمد» بوصفه شريحة مكانية تحمل موروثا إنسانيا ثقافيا، يمكن تمثله بأي مكان آخر، إلى جانب أن الفهم المضموني للعمل على هذا النحو يعطيه بعدا شمولياً، وتمددا في التلقي الجمعي للعمل.

> هل «غواية المكان» عمل ثقافي شعبي تسعى إلى نشره كما هو أم جهد نخبوي سيبقى حبيس قاعات العرض في الأندية والملتقيات الثقافية؟

- لا يفترض أن يكون هذا مآل التجربة، لأن من غايات التجربة المعتمدة أساسا على الصورة البصرية والبصمة الصوتية، الخروج من أفقي الإبداع والتلقي المحدودين بحيز الورقة، والقراءة والسماع، والانطلاق إلى آفاق غير محددة، بطموح هاجسه توسيع محيط تلقي العمل الإبداعي خارج نطاق الوسط الثقافي الخاص، وكسر طوق مفهوم النخبة الثقافية.

فالتجربة لا تقدم كتابا ورقيا يعتمد اقتناؤه على النخبة، بل اسطوانة عرض مدمج، يمكن تلقيها جماعيا بصالة عرض سينمائي، أو بمسرح مفتوح، قد لا أكون مبالغاً في أن يعرض العمل مستقبلا بمدينة ألعاب، كما يمكن تلقي التجربة عبر جهاز دي في دي، وغيرها وصولاً إلى إمكانية عرض التجربة مجزأة، وتوسيع تداولها عبر الهواتف المحمولة بنسخ مصغرة عبر مقاطع بلوتوث، ذلك من حيث ما تتيحه التجربة من إمكانات عرض وتلق متنوع وسهل ومتاح عبر الوسائط المتعددة.

> في أحد العروض تركزت الملاحظات الإيجابية لصالح العمل الثاني «حدقة تسرد»، بينما أخذ على «غواية المكان» الوقوع في التوثيق، وضعف الجانب التقني. ماذا تقول عن ذلك؟

- تلقي التجربة مختلف. فعندما عرضت التجربتان في منطقة لم يقم بها أي عرض سينمائي، إن لم نقل انه العرض السينمائي الوحيد الجماعي لغالبية الجمهور هناك، عُدَّ تثقيفاً أو بالأحرى تهيئة وتدريبا على التلقي السينمائي، ومع ذلك عد نفس العمل في منطقة أخرى تجريبا بدائيا في الإنتاج السينمائي.

إلى أين تتجه تجربتك، ما الهدف منها؟

- الطموح الحقيقي والباعث الأساسي للتجربة، والمغامرة بعرضها، هو التوق إلى تسويق التجربة كنسق وآلية جديدة في الطرح الثقافي، وإذا نظرنا لها من هذا المنظور بأنها ستوجد حالة من التفاعل الجماعي، لإفراز تجارب جديدة على نفس المنوال، يكون الهدف والغاية من التجربة قد تحققا، وذلك لإنتاج تجارب جديدة بآلية مختلفة في تقديم العمل الإبداعي فهذا هو النجاح الحقيقي المأمول، وكم سعدت بظهور تجربة (سردية) مشابهة لتجربتي، للصديقين الروائيين محمود تراوري وعبد الله التعزي، والذي أعده حافزا مهما ودعما قويا للإقناع بأهمية التجربة، وكم ستتضاعف السعادة بظهور المزيد من التجارب.