صرخات مثقفين نرجسيين.. أم محنة الأدباء في مجتمع «جاحد»؟

بعد هجاء أدونيس لبيروت.. محمد العلي يهجو مدينة الأحساء

محمد العلي («الشرق الاوسط»)
TT

على النحو الذي فعله الشاعر السوري علي احمد سعيد (ادونيس)، قبل خمس سنوات، حين (هجا) بيروت المدينة التي عاش فيها، خرج الشاعر والمفكر السعودي محمد العلي، الذي ينظر إليه باعتباره رمزاً شعرياً، عن صمته، وأطلق هجاءً قاسياً ضد مدينته الأحساء، متهماً إياها بالجحود والنكران.

وتمادى العلي وهو يعبر لـ«الشرق الأوسط»، عن إصراره على هذا الرأي بأن خصائص المدينة الريفية اللصيقة بالصحراء تجعلها غير مكترثة بالتطور وشديدة الغلظة، وقد أحدثت تصريحات العلي نقاشاً واسعاً في المشهد الثقافي والاجتماعي المحلي، أمام مؤيد ومعارض، إذ رأى بعض المثقفين أن العلي يتحمل قسطاً كبيراً من القطيعة، لكنّ آخرين حاولوا الربط بين ما يقوله العلي والحالة العامة التي يرزح تحتها المبدعون بسبب تعاطي مجتمعاتهم معهم. ومحمد العلي هو أحد رواد الحداثة في السعودية، وناله نصيب الأسد في الهجوم على الحداثيين إبان أزمة «الحداثة في ميزان الإسلام». الكتاب الذي أصدره الشيخ عوض القرني، محاكماً فيه رموز التيار الحداثي، باعتبارهم يمثلون” منهجاً فكرياً مارقاً”.

قبل عقود، كتب الشاعر السعودي محمد العلي في نصّه المشهور (لا ماء في الماء): «ما الذي سوف يبقى إذا رحتُ أنزعُ عنك الأساطير»، وإحدى هذه الأساطير كانت علاقة العلي بمجتمعه في الأحساء، فمن قائل إن الشاعر والمثقف السعودي الكبير تربطه علاقة (أبوّة) بالمشهد الثقافي هناك، إلى قائل إنه (الحاضن) الطبيعي لإبداع أجيال نمَت بين النخل والشعر. لكن العلي فاجأ الجميع في المشهد الثقافي السعودي بأن علاقة (الغرام) المزعوم بينه وبين الأحساء ليست سوى (أسطورة) لا حقيقة لها.

فقد فجر الشاعر الذي ينظر إليه كرمز ثقافي عاصفة من الاحتجاج والجدل، بعد أن أطلق صرخة ينتقد فيها تعاطي مجتمعه المحلي في الأحساء مع أبنائه من المبدعين والمثقفين.

وبمرارة، تقترب من الشعور الذي استبد برواد عرب سابقين، رأى محمد العلي، الذي يقترب من الثمانين، أن الأحساء موطنه الذي أحبّ، تُعامل أبناءها المبدعين بكثير من العقوق، متحدثاً بما يشبه الهجاء عن (ضحالة ثقافية)، سببها أن واحة (الأحساء مدينة ريفية وقريبة من الصحراء)، مما جعلها تأخذ خصائص الحالتين، الريفية حيث الركود، والصحراوية حيث الغلظة.

موقف العلي، فتح باب الجدل على مصراعيه في منطقة ظلت ساكنة تستوعب حالات النقد، وتفرغها في جداول (الولاء) و(الانتماء)، من دون أن تناقشها أو تقاسمها الجدل المعرفي.

والعلي ليس الأول الذي هجا مدينته، فقد سبقه أدونيس الذي هجا بيروت في محاضرته التي ألقاها في مسرح المدينة في العاصمة اللبنانية بعنوان: (بيروت اليوم، أهي مدينة حقاً أم أنها مجرد اسم تاريخي؟) في (31/10/2003)، ورأى في هذه المدينة أن (فضاءها مكان مقدس بوصفه متحدات طائفية.. تراكمات.. وفي هذا ما يولد الشعور عند كل طائفة بأنها تعيش في بيروت ما يشبه برميلا مثقوباً)، وأنه (إذا نظرنا إلى بيروت بوصفها كلاً، فسوف نرى انها قد تكون بين أسوأ المدن في العالم العربي، فهي مكان تجارة لا مكان حضارة)، وأن بيروت هي (مدينة من الغش بمجرد أن تلامسها شرارة الكلمة).

محمد العلي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه مصرّ على موقفه، فهو يرى أن مسؤوليته أن يطلق هذه الصيحة، التي تتجاوز الشكوى لتعمل على إحداث ما يمكن أن يصطلح عليه بـ(الصدمة) في مجتمع يتقاسم مع مبدعيه حالة (النرجسية).

ويقول العلي لـ«الشرق الأوسط»، إن (الأحساء بالنسبة لي، ولكل من يخرج منها، منطقة طاردة، فكل من ينفصل عنها هو منسي تماماً)، أما السبب فقد يكون (عن جهل، أو تخلف، أو نكران، أو تحيّز فئوي، أو غيره).

ولد محمد العلي في قرية العمران بالأحساء في عام 1932، وقد بدأ حياته العلمية والأدبية في النجف بالعراق حيث درس فيها علوم القرآن وتعلم في المعاهد الدينية، وساهم في تأسيس العديد من الجماعات والرابطات الأدبية في بغداد والنجف، قبل أن يقترن بتجربة الأدب الحديث في العراق، فقد عاصر تجربة بدر شاكر السياب في العراق، وحفظ عن ظهر قلب ديوانه (شناشيل بنت الشلبي).

وبالرغم من انفتاح العلي على كل التجارب الشعرية واحتضانه لها، إلا أنه كان ميالاً إلى التجربة الشعرية الحديثة التي شقت طريقها ببطء في المشهد الأدبي السعودي.

وكتعبير عن الرمزية التي يمثلها العلي، أصبح عنواناً للمرحلة الجديدة من التغييرات التي لحقت بالأندية الأدبية في العامين الماضيين، فقد احتضنه بيت الشعر السعودي في النادي الأدبي بالرياض ليقدم أولى أمسياته بعد التشكيل الإداري الجديد، فيما اختار النادي الأدبي بحائل استصدار تسجيل صوتي أول لهذا الشاعر العازف عن النشر، فضلا عن مشاركته في أمسية شعرية بفرع الدمام، وأخرى فكرية في القطيف، هذا الاحتفاء اللافت الذي توزع على خارطة الوطن لم يمنع العلي من أن يتحدث بمرارة عن علاقته بموطنه، الأحساء تحديداً.

والأحساء إحدى أكبر المحافظات في السعودية، إن لم تكن أكبرها، وهي منطقة تاريخية عرفت بالأدب والشعر، ويقول العلي إنها تعامل أبناءها المبدعين بكثير من (اللاأبالية) و(الجحود) وعدم التقدير.

أما كيف يمكن للتقدير المنشود أن يتمظهر، برأي العلي، فيقول إن ذلك يبرز عبر الاحترام، كما يظهر في السلوك الاجتماعي.. (ببساطة نراهم يبجلون ويظهرون احتراماً أكبر للآخرين أكثر من أبنائهم..). يشير محمد العلي إلى إشكالية طالما عانى منها المثقفون في شرق السعودية، ويعبرون عنها بِمَثَلٍ دارج يقول إن (حمامة الحي لا تطرب). فلم يطرب محمد العلي رغم شاعريته التي لا خلاف عليها أبناء مدينته الذين انتظروا أربعين عاماً قبل أن يدعوه لأمسية شعرية. في حين يلقى العديد من الشعراء الشبان الناشئين الذين يفدون إلى هناك ترحيباً مبالغاً فيه أحياناً.

يتحدر العلي من واحة الأحساء الغنية بزراعة النخيل، والخصبة بمياهها، لذلك فقد كانت حياته طرية تتسم بالسكينة والهدوء حتى في ازدهار موسم الأعاصير، وكثيراً ما وصف بالصمت، وهو بالرغم من غزارته الشعرية، وبالرغم من خصوبة اللغة في قصائده إلا أنه شاعر مقل، فالقصائد التي نشرها لا تزال محدودة وقليلة، ولم يصدر ديواناً بالرغم من المحاولات لحثه على تدوين تجاربه أو طباعة قصائده، وكانت التجربة الأهم ما قامت بها الكاتبة المغربية عزيزة فتح الله التي جمعت شتات العلي في كتابين تناولا سيرته والدراسات النقدية في أعماله وقصائده وبعضاً من مقالاته وسجالاته.

وفي هجائه للأحساء، يتجاوز العلي المشهد الحالي الذي يعبر عنه بالنكران، ليحفر في أساسيات المجتمع الريفي المقترن جغرافياً بالصحراء، فهو يقول (إن المجتمع الريفي، الفلاحي والزراعي لا يبدي اهتماماً كبيراً بأمور الحياة وأمور التطور)، وبالنسبة للأحساء فهو يقول: (إن الصحراء منحتها الغلظة والقسوة، في حين منحها الريف الركود وعدم المبالاة). وعلى طريقة عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، يحلل العلي مجتمعه قائلاً، إن: (المجتمع الفلاحي راكد التفكير ويتمتع باللامبالاة بأبنائه)، ويقول إن (الوردي كان قاسياً ولذلك تفرّد بالعمق الحقيقي للأشياء، ولم يجامل حتى نفسه، ومع ذلك لا أحد يشكّ في حبه وولائه للعراق، لكنه قال الحقيقة).

وفي سؤال، لماذا لا يعكف العلي على تدوين تحليله الاجتماعي في دراسة، كما فعل الوردي، قال إن ذلك ممكنٌ، لأن لهذه الملاحظات «جذوراً واقعية».عاش العلي في العراق، وتنقل بين مصر ولبنان، وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط»، عن سبب اختياره هذا التوقيت لكي يطلق هجومه على الأحساء، وهل يرى للظاهرة الأحسائية شبيهاً في البلدان العربية التي عاش فيها؟، يقول: (إن وجهة نظره في الأحساء كانت قديمة، لكن التعبير عنها جاء جديداً لأن سؤالاً وجه إليه فأبى أن يجيب بغير قناعاته. ان علاقة المثقف بمجتمعه تتخذ منحى متبايناً في المجتمعات العربية، فالعراق يحتفي بأبنائه ويميزهم أكثر مما يحتفي بالآخرين، بينما الحالة تختلف عنها في مصر الذي لا يميز بين مبدعيه والمبدعين الآخرين، وفي النموذج اللبناني فهو طارد للآخر. وفي دول الخليج فإن الإمارات والكويت يعتدون بأدبائهم ومثقفيهم بشكل خاص).

ويضيف: (أن خصائص المجتمع لا تتغير ما لم يتغير المجتمع بذاته، لكن هذه الخصائص ليست حتمية اجتماعية، فهناك ما يمكن أن يزعزعها. أزمة المثقف مع مجتمعه ليست طارئة فشواهدها التاريخية أكثر من أن تحصى، على النحو الذي دفع بأبي حيّان التوحيدي، الذي يسميه ياقوت الحموي (فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة)، أن يحرق كتبه وآثاره الفكرية جميعاّ، وكما فعل أبو العلاء المعري، حينما دفن كتبه في باطن الأرض فلم يجدوا لها أثراً. وأما أبو داود الطائي، فقد طرح كتبه في البحر وذابت آثارها، وكذلك يوسف ابن أسباط، الذي حمل كتبه إلى غار في جبل طارق، وطرحها فيه وسد بابه. وجمع ابوسلمان الدراني كتبه في تنور وسجرّها بالنار، ومزق سفيان الثوري ألف جزء مما كتب وجمع وطيّرها في الريح وقال (ليت يدي قطعت ها هنا.. بل من ها هنا لم اكتب حرفاً)، وأوصى أبو سعيد السيرافي ولده، ان يحرق كتبه ويتدفأ بها إن أعوزه الحال). يقول محمد العلي، إنه يعذر أبا حيّان التوحيدي، لكنه لم يصل بعد لخيبة الأمل، ويضيف: (خيبة الأمل المطلقة تعني الشلل ولم أصل إليها).

ويعبر العلي عن اعتقاده بأن هناك أملاً، وهو يراهن على الزمن وعلى تطور الحياة لكي (يلتفت المجتمع لنخبه المبدعة)، ويضيف: (لكي نصل للتغيير علينا أن نكافح بقوة ونتحدث بصراحة، فبدون الصراحة لا يحدث التغيير).

لكن لماذا يتم توجيه اللوم كله للمجتمع، ألا يمكن أن يتحمل محمد العلي جانباً من المسؤولية؟، يجيب: (نعم أنا اعترف أني مقصرّ لأن الفكرة لا تحتاج فقط إلى كلمة أو مقال أو مقالين، بل تحتاج إلى كتب وليس عندي تصميم لتأليف الكتب. بالنسبة لي، الفكرة أرميها في مقال، وكان ينبغي أن تسكب في كتاب أو كتابين ثم أتركها لتختمر).

والعلي يمارس عادة الصمت غالباً، لكنه شنّ في مارس (آذار) 2007، هجوماً على الشعراء السعوديين الذين يتعجلون في نشر دواوينهم، وقال إن الكثير من الإنتاج الشعري الذي يجري تداوله في الأسواق السعودية غير قابل للفهم، وبأنه (عادة ما يخرج بعد قراءة بعض الدواوين بخفي حنين). وأعتبر أن (الشعراء هم مقلدون، يريد كل منهم أن يختزل أحاسيس مجتمع متقدم بسبعة قرون في مجتمع متخلف بسبعة قرون.. ويريد أن يستحضر العبث واللامعقول في مجتمع لم يصل حتى الآن إلى المعقول).

ظلّ محمد العلي الذي يطل على المشهد الثقافي السعودي من باسقات النخيل، يحتفظ بهالة من الاحترام لدى الأجيال التي تلت بزوغه الشعري والفكري منذ السستينات، بل ان شاكر النابلسي ذهب في كتابه «نبتة الصمت»، إلى أن (حركة الشعر الحداثي في السعودية لم تستفد كثيراً من شعر العلي مباشرة، كما استفاد الفكر الحداثي، وجدل هذا الفكر، ذلك أن العلي يعتبر شاعراً مقلاً لم يترك لنا حتى الآن غير عدد قليل من القصائد لا يتجاوز عددها أكثر من ثلاثين قصيدة بالرغم من أنه بدأ اشتباكه مع الشعر منذ عام 1950).

ويرى النابلسي أن (مكسب الشعر الحداثي العربي في السعودية من شعر العلي قليل كماً، ولكن مكسب الفكر الحداثي العربي في السعودية كان مكسباً كثيراً، كماً وكيفاً).

* عزيزة فتح الله: العلي سريع الانفعال سريع الابتهاج

* تعرفتُ على الشاعر محمد بن عبد الله العلي (أبو عادل)، منذ ما يقارب العشر سنوات، وكنتُ معجبة به إنساناً وشاعراً، ومنذ ذلك الحين، وإعجابي يزيد وينمو. كانت أول مرة أرى فيها محمد العلي في مصر لما زارنا في القاهرة وتبيّن أنه إنسان قليل الكلام والحركة، غير مجامل في الحديث، كدتُ ألا أحبه، لو كانت زيارته لنا قصيرة، لكن لحسن الحظ أن الزيارة كانت أطول، حيث بقي معنا بضعة أسابيع، ومع الوقت بدأت أفهمه أكثر فأكثر، وكلما التقيته اكتشفت أشياء وأشياء، ويبدو لي أن العلي أسير شيء يكتمه في داخله ولا يبوح به لأحد. أحاسيسه تتجلى على صفحة وجهه.. قليل الحركة تتحكم فيه مشاعره، وتسيطر عليه أحاسيسه، أسير عواطفه واندفاعات قلبه، سريع الانفعال والغضب، سريع الابتهاج والانشراح، لا يعرف الحقد، طيب القلب، يعيش يومه ويفكر في غده ولا ينسى البارحة، متردد في اتخاذ بعض القرارات، خصوصاً تدوين شعره، يحبّ الشعر والقصيدة الجميلة، تهزّ مشاعره وتملأ نفسه النشوة، فيمتلكه الفرح ويفرط فيه، أغنية جميلة تملأ قلبه إعجاباً فيتمايل برأسه وجسمه طرباً ومعبراً عن شعوره. تفيض عيناه دمعاً حينما يتأثر بموقف جميل أو يتذكر شيئاً مرّ به، أحياناً يتهيأ لي أنه يغيب عن وعيه ويبقى قلبه يتكلم ليبوح بما يختزنه وما يؤلمه. مقالاته وكتاباته هادفة ومعبرة عن أحاسيس وهموم المجتمع، لا يحبّ الشهرة واللمعان، بخيل في نظم القصائد مؤخراً، رغم أن شعره من أروع الشعر الحديث في الساحة العربية.

(*) مقتطفات من كتابها

«محمد العلي شاعراً ومفكراً»

* الناقد محمد الحرز: الإشكالية بين وعي المثقف ووعي مجتمعه

* العلاقة بين المثقف والمجتمع علاقة ملتبسة تشوبها الاضطرابات والتنازعات، محكومة في أغلب حالاتها بحتمية التصادم، والأسباب التي تفضي إلى ذلك عديدة ومتنوعة. بعضها يرجع إلى طبيعة تكوين المثقف فكرياً وروحياً وأخلاقياً، والبعض الآخر إلى السمات العامة التي يتسم بها المجتمع من ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ناهيك عن طبيعة الثقافة والمعرفة التي تتصل بالسياق العام للثقافة المعاصرة.

لذلك يصعب معرفة الإشكالية الحقيقية التي تمس هذه العلاقة من العمق. لكن الدعاوى والمقولات التي ترتبط بهذه الإشكالية دائماً ما تتحدث عن مفارقة وعي المثقف عن وعي مجتمعه، وتفكيره عن تفكيرهم، وهمومه عن همومهم. أي أنه ينتج عن هذه الحالة شعور عميق لدى المثقف بأنه مناط بمهمة تنوير المجتمع، واقتياده إلى مدارج التقدم والتطور. بالمقابل، فإن تصورات المجتمع عن المثقف ليست ذات صبغة واحدة، أو لون واحد، لكنها متعددة بتعدد فئات المجتمع نفسه وتنوعه ثقافياً وعقائدياً واجتماعياً. وبالتالي عن أي فئة من فئات المجتمع يمكن أن نجد عندها تصوراً عن المثقف يطابق تصور المثقف عن نفسه؟. سؤال في تصوري يظهر مأزقاً حقيقياً يعيشه المثقف بالدرجة الأولى.

ذلك المثقف الذي يريد أن يكون خطابه شاملاً لكل فئات المجتمع وموجهاً إليهم باختلاف عقائدهم وعاداتهم وثقافتهم. لكنه في حقيقة الأمر مهما حاول وجاهد، تظل هناك ثغرات في خطابه تدل على أنه يشير إلى فئة محددة من المجتمع تعنيه بالدرجة الأولى. والسبب يرجع إلى كون المثقف ليس مقطوع الصلة عن التأثيرات النفسية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع الذي عاش فيه، مهما حاول التحرر من هذه الصلة أو قمعها.

هنا في تصوري الالتباس الذي نقع فيه كمثقفين، ففي حين نريد أن نكون موضوعيين وحياديين في وجهات نظرنا حول جملة من قضايا مجتمعنا، فإننا بالتأكيد سوف نواجه بمعوقات من أهمها أننا لا يمكن أن نتخلص من تلك الصلة التي أوثقت رابطها جيداً وشكلتنا على الأقل على المستوى الأخلاقي والروحي بالقدر الذي نسعى للتحرر منها. هذا الموقف هو الذي أجد عند أغلب مثقفي المملكة الذين يحللون قضايا المجتمع تحت تأثير هذا المأزق.

(*) ناقد من الأحساء