يعقوب الشاروني: حكايات جدتي فتحت لي نوافذ الكتابة للأطفال

تأثر بأسلوب توفيق الحكيم وحصد عددا من الجوائز المحلية والعالمية

TT

رحلة طويلة خاضها الأديب يعقوب الشاروني في عالم أدب الأطفال، أفرزت رصيدا ضخما من الأعمال المتميزة، بلغ أكثر من 400 كتاب قصصي للأطفال، بالإضافة إلى عدد كبير من الدراسات والبحوث حول كتب الأطفال وطبيعة الكتابة لهم. كما ترجم لليونسكو دراسة دولية مهمة له حول تدريب العاملين مع الاطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. واختاره عدد من القنوات الفضائية مستشارا لتقييم برامج الأطفال بها. كما شارك في عام 1993 في وضع الخطة القومية الشاملة لثقافة الطفل العربي بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

حول رحلته مع الكتابة وأهم المحطات في حياته الأدبية والمؤثرات التي ساهمت في تكوينه الثقافي يقول: من أهم هذه العوامل الحكايات الشعبية التي كنت أسمعها من جدتي في الطفولة، كحكايات «عقلة الأصبع» أو «نص نصيص». دفعتني هذه القصص لتأليف قصص وحكايات أخرى مستمدة مما كانت تحكيه لى جدتي، ثم إعادة كتاباتها فيما بعد لمسرح مدرستي ثم حولتها الى مسرحية للعرائس. وفي النهاية استوحيت فكرتها في كتابة قصة طويلة باسم «خاتم السلطان» ونشرتها ضمن سلسلة «المكتبة الخضراء» للاطفال بدار المعارف، وصدرت أخيرا طبعتها التاسعة، أي أنها بيع منها 90 الف نسخة.

هناك عوامل أخرى تركت أثرا كبيرا في تكوين شخصيتي الأدبية واهتماماتي بأدب الأطفال وهي زياراتي كل صيف لمدة شهرين او ثلاثة خلال العطلة الصيفية الى «جزيرة شارونة» قريتي على شاطئ النيل الشرقي المقابل لمدينة مغاغة بمحافظة المنيا بصعيد مصر. لقد وجدت في مكتبة جدي نسخة من كتاب «الف ليلة وليلة» طبعة الهند وبدأت اقرأه وأعجبني. ومن هنا جذبتني حياة القرية أكثر من حياة المدينة، حيث لمست كثيرا من الخبرات البشرية المتنوعة. ولذلك كتبت أفضل خمس روايات قصيرة للاطفال تدور أحداثها في قريتي ومنها «سر الاختفاء العجيب» التي فزت عنها بجائزة أفضل كاتب عام 1981، ثم «مفاجأة الحفل الأخير» و«مغامرة البطل منصور» و«عفاريت نصف الليل». وأشير إلى أن الرحلات المدرسية إلى المتاحف والمناطق الأثرية تركت خبرة حية وقوية جعلتني أبحث في ما بعد عن الكتب التي تتحدث عما شاهدته، وقادتني إلى دراسة تاريخ الفن وهو ما دفعني لتأليف كتب للأطفال حول الحضارة من خلال الآثار الموجودة داخل المتاحف.

أما عن أهم الهوايات التي كان لها أثر على كتاباتي للأطفال فكان المسرح حيث شغلني إلى حد كبير حلم أن أصبح ذات يوم من كبار كتاب المسرح. وكانت أولى قراءاتي في المسرح مسرحية «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم حيث تأثرت بأسلوبه في الحوار بشكل كبير. وأنا أدين كثيرا لتوفيق الحكيم في مجال صقل موهبتي في كتابة الحوار، فقد أفدت كثيرا من قراءة مسرحياته. وبرغم ندرة ما قرأت من أعمال مسرحية للكتاب المصريين في مرحلة الابتدائية، إلا أنني عوضت ذلك بكثرة القراءة لمؤلفات كبار كتاب المسرح في العالم بخاصة في المرحلة الثانوية. وأيضا من أهم ما ساهم في تكوين ثقافتي حرصي منذ بداية التحاقي بالسنة الأولى في المرحلة الثانوية على الاشتراك في البرنامج السينمائي الذي كان ينظمه قسم الخدمة العامة بالجامعة الاميركية حيث كنت اشاهد افضل الافلام العالمية القديمة والحديثة وفتح أمامي بابا واسعا لتذوق فن السينما. وقد توسعت كتاباتي للأطفال منذ عام 1975، عندما تعرفت على ناشر لبناني كان يدرك أهمية أدب الأطفال للعالم العربي وهو صاحب دار «مكتبة لبنان» في لبنان، ودار «أبو الهول للنشر والتوزيع» بالقاهرة واصدرت من خلال هذه الدار 50 عنوانا ما بين تأليف وترجمة وإعادة صياغة وذلك في سلسلة «ليدبيرد» العربية للاطفال وكانت هذه الكتب التي عرفتني بالعالم العربي وعرفت العالم العربي بي وقد اعطاني الناشر حرية إعادة صياغة القصص المترجمة لكي يشعر الطفل بأنه قريب من روح العمل، كما بدأت في نفس العام النشر في دار المعارف وكان أول عمل نشرته بها قصة «الشاطر محظوظ» في سلسلة المكتبة الخضراء للأطفال، ووصل عدد العناوين التي نشرتها في هذه السلسلة حتى هذا العام ثلاثة عشر عنوانا.

وقد تفاعلت موهبتي في كتابة القصة والمسرح والحوار مع موهبتي وقدرتي التي اكتشفها اطفال بني سويف في التواصل معهم وتفوق كتاباتي معهم، وقد أثمر هذا إقدامي على الاشتراك في مسابقة كبرى أقيمت عام 1979 لكتابة رواية للاطفال بمناسبة قرار الامم المتحدة أن يكون هذا العام عاما دوليا للطفولة. وحسم حصولي على هذه الجائزة في عام 1981 صراعا كبيرا في داخلي حول أن أتفرغ بشكل كامل للكتابة للأطفال حيث كان الاهتمام قليلا جدا إعلاميا ونقديا بأدب وقصص الأطفال. وبرغم ذلك أكدت الجائزة ثقتي بموهبتي وقدرتي على مواصلة الكتابة للأطفال، وهو ما أسفر عن حصولي في عام 1998 من المجلس الاعلى للثقافة على جائزة «افضل كاتب للاطفال» عن مجموع ما كتبت. وكان الفوز الكبير عام 2002 عندما حصل كتابي «أجمل الحكايات الشعبية» على جائزة أحسن كتاب أطفال على مستوى العالم من معرض بولونيا الدولي. من خلال كل ذلك استطيع أن أقول إن خبرة الكاتب المبشرة بعالم الطفل هي خبرة مهمة جدا وضرورية لمن يكتب للأطفال، والموضوعات التي تشغل عقلهم وخيالهم ويعرف رؤيتهم للكثير من القضايا المعاصرة، كأطفال الشوارع، وقيمة العلم في حياتنا، ودور البنت في المجتمع، والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. هذه الموضوعات وللاسف أشارت كثير من الدراسات والاحصاءات إلى أن الطفل في مصر والعالم العربي يبدأ بممارسة القراءة في سن متأخرة جدا من عمر 5 أو 6 سنوات، وأن حوالي 89% لم يشاهدوا كتابا واحدا في حياتهم قبل الصف الأول الابتدائي، وأن القارئ الجيد نجده في المرحلة الإعدادية.