أفلام السيرة الذاتية.. بين البوح والمسكوت عنه

«إيديت بياف» تحضر نابضة في «مهرجان قرطاج الدولي»

TT

من بين أهمّ الافلام التي برمجها مهرجان قرطاج الدولي لهذه السنة ضمن عروضه السينمائية للدورة الـ44 التي تنطلق يوم 11 يوليو حتى 24 اغسطس: فيلم «الصبيّة» أو La Môme. وهو الفيلم الثاني في تاريخ السينما الذي يتناول حياة المغنية الفرنسية ـ الأسطورة ـ «إيديت بياف». الفيلم الأول كان سنة 1983 تحت عنوان «إيديت ومارسيل»، والذي يتعرض للعلاقة الغرامية الشهيرة التي جمعت ايديت بياف ببطل الملاكمة العالمي مارسيل سيردان، وقام بإخراجه المخرج الفرنسي الكبير كلود لولوش الذي ذاع صيته عام 1966 إثر فيلمه «رجل وامرأة».

الآن، وبعد أكثر من عقدين على إنتاج الفيلم الأول، يطل علينا المخرج الفرنسي أوليفر داهان (40 عاماً) بفيلمه «الصبيّة»، الذي هو سيرة ذاتية لحياة بياف، لكنه ليس سرداً تاريخياً لمسارها وانما ابراز لأهم المحطات والاحداث التي أثرت في حياتها، تلك الحياة المليئة بالمفارقات التي جعلت منها اسطورة وليس مجرد قصة حياة مغنية شهيرة.

جسدت الدور الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار (32 عاماً) التي في رصيدها 25 فيلماً، لكن هذا الفيلم بالنسبة إليها يمثّل، بلا شك، الفيلم الأهمّ في مسيرتها السينمائية، وأدته بشكل مذهل ومقنع الى حد كبير وبشكل فائق الحساسية أدى الى انصهارها كلياً مع الشخصية.

يأخذنا الفيلم إلى أزقة باريس وشوارعها وحاناتها: من ـ بال فيل ـ إلى مسارح نيويورك الفخمة، بداية من عشرينات القرن الماضي الى سنة 1963 سنة رحيل ايديت بياف.

يحكي الفيلم السيرة الذاتية «لإيديت بياف» من الطفولة المشردة في شوارع باريس إلى مغنية متواضعة مدمنة على الكحول تتسكع وتغني في شوارع باريس إلى المجد الذي عرفته في باريس وعلى مسارح نيويورك، من الانتصارات الى الجروح، من العلاقات الفاشلة مع الرجال إلى زواجها بالملاكم الفرنسي العالمي مارسيل سيردان (يجسّده جين بيري مارتن) الذي تعرفت اليه في أميركا وموته الدرامي بعد ذلك في حادث تحطم طائرته القادمة من باريس، عندما كان آتيا لرؤيتها، من توقها إلى المجد حتى انكسار قلبها من الوجد... ما يجعل الفيلم اكثر من مجرد حكاية امرأة مغنية بل قدراً غريبا صنع حياة هذه المرأة/الأسطورة.

ليس في فيلم «الصبية» لإيديت بياف شيء مسكوت عنه، فقد تطرق المخرج إلى إدمانها الكحول وتعاطيها المورفين لتسكين الآلام التي حلت بها بعد تعرضها لحادث السير الذي الحق كسوراً في جسدها وإلى فقدانها طفلها المصاب بالتهاب السحايا وشللها الجسدي والنفسي والعقلي... كما تعرض الى نجاحاتها الفنية ومجدها وسلطنتها على مسارح فرنسا ونيويورك.

ولعل سر نجاح الفيلم يكمن في نفاذه الى أعماق هذه الفنانة التي تفيض روحها نغماً آسراً ساحراً لألباب الفرنسيين وغير الفرنسيين من كل أنحاء العالم، تلك الروح النزقة، القلقة، المتمردة، المضطربة، الحافلة بالمآسي والنجاحات منذ طفولتها حتى مماتها وقد حوت كل المفارقات، بعيدا عن المثالية الساذجة التي تقع فيها أفلام السيرة العربية لبعض الفنانين الذين تحولت حياتهم الى أفلام فجاءوا اقرب للملائكة منهم الى البشر، فأم كلثوم هي فنانة مثالية لا تكره عبد الحليم، ولا تكيد لعبد الوهاب، ولا تروَج حولها شائعات قتل اسمهان.

وكذلك مسلسل «السندريلا» الذي تجسد فيه «منى زكي» سيرة حياة سعاد حسني منذ أن كانت في سن السادسة عشرة، وحتى النهاية المأساوية في لندن، والذي لم يظهر فيه المؤلف «عاطف بشاي» ان كانت ماتت منتحرة ام لا، بل اشار فقط الى انها ماتت في ظروف صعبة ولم يستبعد انتحارها، كما لم يكشف كل أسرار علاقتها بعبد الحليم وقصة زواجهما.

ولكن أليست الافلام انما هي انعكاس لاسلوب الحياة في الشرق أو في الغرب؟ الغرب الذي يقول كل شيء، والشرق الذي يسكت عن كل شيء.